استعار حرب الطاقة الغربية الروسية

في فصل جديد من حرب الطاقة الروسية - الغربية، اتفق أعضاء الاتحاد الأوروبي بداية كانون الأول (ديسمبر) الحالي على فرض حد أقصى لأسعار النفط الروسي المصدر بحرا مقداره 60 دولارا للبرميل. وانضمت إلى الاتفاق مجموعة السبع وأستراليا التي أبدت سابقا نيتها تقليص الاعتماد على إمدادات الطاقة الروسية. وتستهدف الدول المسعرة للنفط الروسي من وراء القرار خفض إيرادات روسيا، والضغط على ميزانية دولتها وصادراتها. وإذا ما نجحت في ذلك، فإنها تأمل التأثير سلبا في جهود روسيا الحربية وقدرتها على الاستمرار في الحرب الأوكرانية. ويستخدم الاتحاد الأوروبي والدول المتضامنة معه قوتهم الاقتصادية للضغط على أسعار النفط الروسي ودفعها قدر المستطاع تحت مستويات الأسواق الحرة، وفي الوقت نفسه تفادي قطع أو خفض إمدادات النفط الروسي إلى الأسواق العالمية. وتستغل هذه الدول قواها الاحتكارية الشرائية في بناء كارتل مشترين يضغط على أسعار النفط الروسي، ويجبرها على التراجع إلى مستويات تقل عن باقي أسعار النفوط الأخرى.
بدأت الدول المستهدفة أسعار النفط الروسي، هذا الأسبوع، بمنع تقديم أي خدمات لوسائل نقل النفط الروسي الخام المنقول بحرا عبر العالم فوق أسعار الـ60 دولارا للبرميل. أما منتجات النفط الروسية، فسيشملها هذا المنع بداية من خمسة شباط (فبراير) المقبل، وستحدد أسعارها في وقت لاحق. وستجري مراجعة حدود الأسعار كل 45 يوما، وإذا ما انخفضت الأسعار تحت 60 دولارا للبرميل فستحدد أسعارا تقل 5 في المائة عن الأسعار الحرة. إن فرض حدود عليا لأسعار النفط الروسي يعني فرض عقوبات إضافية على معظم صادرات روسيا، والسعي لعرقلة شحن النفط لجهات خارج المجموعة. وهذا سيولد تأثيرات سلبية في الأسعار بكل تأكيد.
لكن يصعب مسبقا تحديد قدرها بشكل دقيق، إضافة إلى ذلك قد يولد القرار ضغوطا لاحقة على أسعار النفط والطاقة بشكل عام. وتصدر روسيا ما يقارب 5.6 مليون برميل من النفط يوميا، يرسل 70 في المائة منه عبر البحار، بينما يصدر الباقي عبر الأنابيب إلى أوروبا والصين بشكل شبه متساو. تشكل واردات الدول المسعرة للنفط الروسي جزءا كبيرا من تجارة النفط العالمية، ولهذا فإن لديها قوة تأثير معتبرة في الأسعار العالمية.
هذا وقد ارتفعت أسعار النفط العالمية قليلا مباشرة عقب القرار، بسبب قلق الأسواق حول إمدادات النفط، لكن الأسعار ما لبثت أن تراجعت بعد ذلك. وانخفضت أسعار النفوط الروسية أسوة بباقي النفوط، فقد كان سعر خام الأورال في حدود 65 دولارا للبرميل بعيد المنع، لكنه انخفض خلال الأيام القليلة الماضية إلى نحو 53 دولارا للبرميل "وخام الأورال من النفوط الروسية الأقل جودة". أما خامات روسيا الأخرى الرئيسة، فقد تراجعت أسعارها من مستويات الـ70 دولارا للبرميل إلى الـ60. وإذا ما أخذ في الحسبان الحسومات التي تقدمها روسيا لزبائنها الكبار، كالصين والهند، فإن أسعار الأسواق الحرة للنفوط الروسية قريبة من الحد الأعلى المفروض أو أقل منه. ويتوقف نجاح الاستراتيجية الغربية في تحديد الأسعار النفطية الروسية على ردة فعل روسيا بالدرجة الأولى، وعلى أوضاع الأسواق النفطية العالمية. فرفض روسيا بيع نفطها تحت الأسعار الحرة العالمية، ووجود شح في الإمدادات، سيخفضان حجم الإمدادات النفطية للأسواق العالمية، ما سيرفع أسعار النفط الحرة. أما إذا كانت هناك وفرة في الأسواق فستضطر روسيا لبيع نفطها وفقا للقيود السعرية المفروضة عليها. ويبدو من حركة أسعار النفط العالمية أخيرا أن هناك ضغوطا على الأسعار قبل القرار بسبب توقعات نمو الاقتصاد العالمي غير المحفزة.
ستواجه شحنات النفط الروسي المحمول بالناقلات والمسعر فوق الـ60 دولارا للبرميل منذ الآن، مصاعب في الإبحار والشحن والحصول على الخدمات البحرية والرسو في الموانئ والممرات المائية. ويشترط ملاك الناقلات وكثير من الموانئ والممرات المائية تأمينا ذا موثوقية معينة لا يتوافر عادة إلا في الدول الغربية التي تتمتع بقوة احتكارية في سوق الخدمات البحرية. وتوفر الشركات الأوروبية والبريطانية نسبا مرتفعة تصل إلى 90 في المائة من عمليات التأمين وإعادة تأمين وتمويل صادرات النفط الروسية في الأحوال الاعتيادية.
في المقابل، صرحت روسيا بأن شركة التأمين العامة الروسية ستوفر إعادة التأمين اللازم لشحنات النفط، لكن من الأرجح ألا يقبل كثير من الموانئ والممرات المائية مثل هذا التأمين أو إعادة التأمين الممنوح من شركات روسية أو أخرى كالهندية أو الصينية. وستحاول روسيا - قدر استطاعتها - الالتفاف حول قرار حدود الأسعار وخفض جدواها، كما ستتولد عمليات تلاعب في بيانات الشحن والأسعار ومصادر النفط، وتبييض جزء من صادرات النفط الروسي عبر أطراف ثالثة. من جانب آخر، سيقوي القرار مراكز زبائن روسيا الآسيويين التفاوضية حول أسعار نفوطها، ما يعني حصولهم على خصومات سعرية أكبر مقابل المخاطر المتزايدة، وهذا سيزيد الضغوط على أسعار النفط الروسية. أما بالنسبة للنفوط العالمية الأخرى، فعلى الأرجح أن للقرار تأثيرين متباينين فيها، فقد ترتفع أسعارها إذا رفضت روسيا بيع نفوطها بموجب الحدود القصوى، أما إذا عمدت إلى خفض أسعار نفوطها فسيكون له تأثير سلبي في أسعار النفوط الأخرى. لكن التأثير الأهم بالنسبة للدول الأخرى المصدرة للنفط هو إمكانية تعرض إحداها أو بعضها للمخاطر نفسها في حالة نجاح سياسة وضع حد أعلى لأسعار النفط الروسي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي