الخدمات اللوجستية وأهميتها للاقتصاد الوطني
إنجازات كبيرة ومتفرقة ومتسارعة فيما يتعلق بالخدمات اللوجستية في المملكة اليوم، وهي واحدة من مخرجات رؤية المملكة 2030 التي بدأت ثمارها تظهر خلال الفترة الماضية. والخدمات اللوجستية في الأساس هي ما يتعلق بالسلع ونقلها وتخزينها، أو ما يمكن أن يوصف بأنه العمليات والخطوات الخاصة بالإجراءات التي تتعلق بالسلع منذ خروجها من المصنع حتى وصولها إلى العميل.
وهذه الخدمات رغم ما يظهر بأنها أقل أهمية من التصنيع والبيع، إلا أن لها أهمية قد تزيد عليها، خصوصا في ظل الظروف المتقلبة فيما يتعلق بالإمدادات، والأهمية هنا لا نقصد بها مسألة المقارنة بين أهمية التصنيع وأهمية المنافذ التجارية، بل من ناحية المنافع الاقتصادية وتعظيمها.
ولذلك نجد الاهتمام الكبير بها من خلال تطوير الموانئ والمطارات والطرق باعتبار أن هذا العمل يمكن أن يحقق منافع اقتصادية هائلة تفوق تكلفة هذه الخدمات، وعندما تكون الحالة مرتبطة بالاقتصاد الوطني في المملكة، نجد أن المملكة تتمتع بظروف ووضع مميز نتيجة لما ميز الله به هذه البلاد، سواء بموقعها الاستراتيجي أو الفرص والمشاريع الخاصة بالممرات البرية والبحرية وتوسطها بين القارات الأساسية في العالم، وتتوسط مركز الثقل الاقتصادي في العالم الولايات المتحدة والصين.
هذه الميزات تجعل بالإمكان أن تحقق المملكة منافع كبيرة فيما يتعلق بالفرص التي يمكن أن يمنحها إياه موقعها الاستراتيجي، والجهود الكبيرة كان لها أثر بأن تكون المملكة واحدة من أهم الوجهات لمراكز لوجستية إقليمية، مثل أن تكون مركزا لتوزيع كثير من السلع والخدمات حول العالم، ونلاحظ خلال الفترة الماضية أن هناك سعيا من كثير من الشركات إلى بناء مراكز إقليمية سواء للتوزيع أو لتقديم خدماتها.
والحقيقة أن القرارات الأخيرة والمشاريع العملاقة والنوعية هي نتاج لهذا الحراك الكبير الذي ستظهر ثمرته قريبا، وهي أقرب من البرامج الأخرى باعتبار أن المملكة بموقعها الحالي جاهزة لاستقطاب الاستثمارات في الخدمات الاستراتيجية، كما أن التجربة للاستثمارات القائمة حققت نتائج جيدة، ويتوقع أن تكون أفضل باكتمال مجموعة من المشاريع.
كما أن الملاحظ اليوم أنه وفي ظل الحراك الكبير والأتمتة والرقمنة ونموذج العمل الذي يعتمد على الكفاءة والسرعة، نتج عنه تطور كبير في الخدمات اللوجستية، فوصول بعض السلع إلى المستهلك في المملكة من خارجها، أصبح يصل أحيانا في وقت مقارب للسلع التي تأتي من داخلها، بعد أن كانت تمضي أيام لاستخراجها فقط من المنافذ.
الخدمات اللوجستية لا شك أنها اقتصاد بحد ذاتها وقد تكون مصدر دخل يغذي اقتصادات بعض الدول حول العالم، واكتمال دائرته داخل المملكة سيكون له أثر في أن يدر كثيرا من الدخل المستمر والمستدام، دون وجود تكاليف عالية خاصة بالتشغيل والصيانة، ويمكن أن تولد كثيرا من الوظائف النوعية والمميزة داخل الاقتصاد، ويمكن أن تحقق منافع كثيرة غير مباشرة مثل استقطاب الاستثمارات الصناعية والزراعية ومجموعة من الخدمات، إضافة إلى لقاءات رجال الأعمال والمؤتمرات والمعارض الدولية، وأن تكون أحد أهم الخيارات لكثير من الملتقيات لسهولة الوصول وتوافر الخدمات المتنوعة. إذ إن الخدمات اللوجستية تتقاطع مع الخدمات الخاصة بالنقل والسفر والإقامة والترفيه والتجارة وغيرها.
من الأهمية بمكان أن تكون هناك برامج أكاديمية وبرامج للتدريب في مجال الخدمات اللوجستية، حيث إنها تعد من الخدمات الأكثر استدامة ولها علاقة مباشرة بمختلف الأنشطة الاقتصادية الأخرى، وتدعم استدامة الموارد والاستفادة من الموقع الجغرافي بتكلفة أقل، والبرامج تتضمن مختلف أنواع المهام المرتبطة بالخدمات اللوجستية فيما يتعلق بالنقل وإدارة المستودعات والتقنيات المتقدمة في الموانئ والمطارات ووجود مناطق تجارية واستثمارات في هذا الشأن، والنظر في كل ما يمكن أن يقدم من أنشطة وبرامج تعزز من تعظيم المنافع الاقتصادية من الخدمات اللوجستية.
الخلاصة، إن المملكة ومن خلال برامج الرؤية الخاصة بالخدمات اللوجستية حققت تقدما كبيرا عطفا على الفترة الزمنية منذ انطلاق الرؤية، ويتوقع أن تكون هناك منافع كبيرة بناء على ما تتميز به المملكة من موقع استراتيجي ورؤية واضحة وخطط وبرامج وتطور البنية التحتية والأهداف الخاصة بهذا البرنامج، الذي يسعى إلى أن تكون المملكة واحدة من أهم الوجهات للخدمات اللوجستية، وأن تربط الشرق بالغرب والقارات الثلاث بشكل رئيس وجميع دول العالم، والاهتمام بالبرامج التعليمية والتدريبية مهم بهذا الشأن لتكامل وتعظيم المنافع لتوفير أفضل الفرص وتخريج أفضل الكفاءات في هذا المجال.