قراءات
المراقبة والمعاقبة
أن تكون العقوبات بصورة عامة والسجن من مستلزمات تكنولوجيا الجسد السياسية، هذا ما علمني إياه ربما الحاضر، أكثر مما علمني إياه التاريخ. فخلال هذه الأعوام الأخيرة، حدثت حركات عصيان في السجون في كل مكان تقريبا في العالم. وتميزت أغراضه، وشعاراته، ومساره بشيء من المفارقة بالتأكيد. لقد كان هذا العصيان تمردا ضد كل بؤس جسدي كامل عمره أكثر من قرن عصيان ضد البرد، ضد الاختناق والتكديس، ضد الجدران البالية، ضد الجوع، وضد الضرب.
لكنه كان تمردات أيضا ضد السجون النموذجية، وضد المهدئات، وضد العزلة، وضد الخدمة الطبية أو التربوية. تمردات لم تكن أغراضها إلا ماديـة؟ تمـردات متناقصـة ضد السقوط، وأيضا ضد الرفاهية، ضد الحراس لكن أيضا ضد الأطباء النفسيين؟ الواقع أن كل هذه التحركات كان موضوعها الأجساد والأشياء المادية، كما كانت موضوعا مثارا في هذه الخطابات التي لا عـد لها، والتي أنتجها السجن منذ مطلع القرن الـ19.
النظر في المرآة
يفرض نوع الكتابة شروطه، مثلما يفرض التلقي، تلقي القارئ المفترض العالق في ذهن الكتابة شروطه الخفية وأعرافه. فالكتابة، مثل كل فعل إنساني، قصدية بالطبع. ومقاصدها لا تبقى حبيسة إدراج، حتى إن ظلت كذلك. فثمة قارئ ينوس في عقل كل كاتب. إن كاتبا، الذي لا يستطيع أن يكتب إلا في عزلة عن الآخرين، يفرض عليه الآخرون شروطهم، فالكتابة في النهاية عقد غير رسمي وغير علني بين الكاتب والقارئ، وخروج الكاتب على هذا العقد محنة، لكنها محنة توجد زمانا جديدا في الزمان نفسه الذي يعيشه الجميع.
الكتابة الخلاقة توجد أزمانا جديدة حتى وهي تتشكل في زمان مألوف. في الشهادات قاموس مشترك الذات والآخر، الحلم والخيال، والتذكر والنسيان، والإيجاد والهدم والوضوح والغموض، والمتعة والواجب، والطمأنينة والقلق. لكن أيضا للكتابة ترتيبات، يسميها بعضهم طقوسا، وبعضهم ليس لديه طقوس. ولا تكتفي الإجابات هنا بالرد على "كيف تكتب؟" ففي هذا السؤال تبرق أيضا أطياف سؤال آخر مهم، "لماذا تكتب؟".
لماذا نقرأ الأدب الخيالي
يعد هذا الكتاب مدخلا ميسرا لمجال الدراسات الأدبية المعرفية، حيث تعد زانشاين بمقاربة مباشرة، متخففة من كثير من الإشكاليات النظرية والنزاعات اللفظية والمصطلحية التي صارت سمة لهذه المجالات البحثية حيث بينت المؤلفة أن مقصودها بالكتاب أصالة الطلاب والقراء غير المتخصصين، فلذلك عمدت إلى استخدام لغة يسيرة قريبة إلى الفهم، وكأنها تحاور القارئ وتتناقش معه، ونفس متواضع، لا يجزم في المسائل التي لا تزال محل بحث مستمر. بل نجد أن زانشاين في كثير من الأحيان تدفع القارئ ليختبر حججها بنفسه لا أن يأخذها مسلمة. مدركة لطبيعة المجال الذي تكتب فيه، حيث لا يحسن الجزم والقطع بلا روية.
السؤال الذي يطرحه الكتاب في عنوانه، "لماذا نقرأ الأدب الخيالي؟" هو من تلك الأسئلة الأولية التي قد لا تخطر على ذهن الشخص العادي أو التي يظن أن الجواب عنها متاح، مبتذل، لا يحتاج إلى جهد لإدراكه، كلنا نقرأ الأدب الخيالي من روايات وقصص قصيرة، وكثير منا يدمن على قراءتها، لكن قلة منا طرحوا هذا السؤال على أنفسهم، وقلة من تلك القلة أدركوا أن الجواب عن هذا السؤال قد يقتضي اكتساب معارف كثيرة والرجوع إلى مجالات دراسية عديدة. وهذا ما تفعله المؤلفة في هذا الكتاب.