الاحتياطي الفيدرالي أمام خيارين صعبين

الاحتياطي الفيدرالي أمام خيارين صعبين

إن الإشارة إلى السعي وراء هدف ما، في حين تتجه بهدوء إلى اتجاه مختلف، يعد تكتيكا في السياسة عفا عليه الزمن. الآن ربما يضطر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى وضع مثل هذه المناورة المخادعة في حساباته مع تجلي عام 2023 للعيان. ليس لأنها نهج مثالي. أبدا، فهي على العكس من ذلك.
بالأحرى، ربما ينتهي الأمر بالاحتياطي الفيدرالي إلى رؤيتها على أنها أفضل من الخيارات الرئيسة الأخرى، بعد أن تخلف كثيرا في الوقت الراهن عن معالجة التضخم، الذي يرجح أن يثبت استمراره لفترة أطول مما يتوقعه كثيرون حاليا، بما فيهم البنك المركزي.
منذ 2012، تعهد الاحتياطي الفيدرالي علنا وصراحة بالالتزام بالوصول إلى مستهدف تضخم يبلغ 2 في المائة. يعود أول انتهاج لسياسة استهداف معدل 2 في المائة إلى نيوزيلندا في 1990، ثم امتدت تدريجيا إلى عدة دول متقدمة أخرى. عد المستهدف مرتفعا بما يكفي للسماح بتعديلات الأسعار اللازمة لإعادة تخصيص الموارد المرغوبة في الاقتصاد، مع تجنب الوقوع في مصيدة سعر الفائدة الصفري "الحد الأدنى الصفري" حيث، كما كان معتقدا، لم يعد بالإمكان خفض أسعار الفائدة أكثر من ذلك لتحفيز الاقتصاد. وعد منخفضا بما يكفي لضمان استقرار التوقعات التضخمية.
لفترة من الوقت الراهن، يتجاوز التضخم مستهدف الاحتياطي الفيدرالي بكثير. في حين كان يشهد مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي - مقياس التضخم المفضل للفيدرالي - انخفاضا في الأشهر الأخيرة، فإنه لا يزال ثلاثة أضعاف المستهدف.
ما يثير القلق أيضا تحول عملية التضخم. لم تعد تسيطر أسعار الطاقة والمواد الغذائية على محركات التضخم، بل أصبحت تأتي بصورة متزايدة من قطاع الخدمات. في هذا القطاع، أظهرت أحدث بيانات كشوف الأجور الشهرية في الولايات المتحدة ارتفاع الأجور 0.6 في المائة في تشرين الثاني (نوفمبر)، أي ضعف توقعات الإجماع، ورفع المتوسط المتحرك لثلاثة أشهر المتزايد باطراد ليصل إلى 6 في المائة.
رافق هذا النمو المتسارع في الأجور مكاسب شهرية قوية في الوظائف. لا يزال عدد الوظائف الشاغرة المرتفع باستمرار يفوق عدد العاطلين عن العمل بمعامل 1.7 وسط انخفاض المشاركة في القوى العاملة. إلى جانب تضخم أسعار المدخلات الذي ينخفض بوتيرة أبطأ من توقعات الإجماع، هناك سبب يرجع إلى الخدمات وحدها يدعو إلى القلق من احتمالية استمرار التضخم في تجاوز توقعات الاحتياطي الفيدرالي التي خضعت بالفعل لتعديلات باستمرار.
هناك أيضا أسباب أخرى، منها إعادة تنظيم سلاسل التوريد العالمية، والطبيعة المتغيرة للعولمة، والتحول إلى الطاقة المستدامة. بطبيعة الحال، لا يزال الاحتياطي الفيدرالي يحاول المواكبة لترويض ارتفاع الأسعار بعد سوء وصفه المطول للتضخم العام الماضي بأنه "مؤقت" وخطواته المترددة في البداية لسحب الحوافز النقدية.
بدلا من أن يشهد تضخم نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي في الولايات المتحدة انخفاضا ليصل إلى 2-3 في المائة بحلول نهاية العام المقبل، من المحتمل أن يثبت عند نحو 4 في المائة أو أعلى. هذا ما يحدث عندما يسمح للحظة تضخمية أن تكون جزءا من النظام الاقتصادي. يواجه البنك المركزي الأكثر نفوذا في العالم الآن خيارين غير سارين العام المقبل، تقليص النمو والوظائف للوصول إلى مستهدفه البالغ 2 في المائة، أو إعلان مستهدف تضخم أعلى، والمخاطرة بجولة جديدة من التوقعات التضخمية المزعزعة للاستقرار.
بطبيعة الحال، فإن ملاءمة مستهدف التضخم بمعدل 2 في المائة في حد ذاتها تمثل مشكلة. من غير الواضح على الإطلاق إذا ما كان الاحتياطي الفيدرالي سيختار هذا المعدل إذا بدأ من جديد اليوم. من المرجح أنه سيحدد مستهدفا يراوح بين 3 و4 في المائة في نهاية المطاف، نظرا إلى سيولة جانب العرض، وتحول الطاقة، وإعادة تخصيص الموارد المطلوبة، وبالطبع، تجربة تطبيق سعر الفائدة الصفري في العقد الماضي.
بالنظر إلى كل هذا، قد يكون أمرا محفزا أن يستمر الاحتياطي الفيدرالي في الإشارة إلى سعيه لتحقيق مستهدف تضخم بمعدل 2 في المائة، لكن عمليا، ينتهي به الأمر إلى السعي نحو مستهدف أعلى، على أمل أن يتقبله العامة بمرور الوقت أنه هدف ممتاز ومستقر حقا.
هذا، بالطبع، أبعد ما يكون عن النهج الأمثل. إن تحقيقه صعب، ويتضمن قضايا أخلاقية حساسة قد تثير مزيدا من الشكوك حول مساءلة الاحتياطي الفيدرالي ومصداقيته واستقلاليته. لكن نظرا إلى مدى عدم اليقين الاقتصادي والهشاشة المالية، فقد ينتهي الأمر بالاحتياطي الفيدرالي إلى الاعتقاد بأن هذا النهج السياسي البعيد عن الكمال ربما هو المسار الأفضل ليتبناه.
لاحظ صديق عزيز لي ذات مرة أن مجموعة أولية من القرارات السيئة غالبا ما تجعل العودة بسرعة إلى الوضع الأمثل صعبة جدا، على الرغم من النوايا الحسنة وقصارى الجهود المبذولة لفعل ذلك. هذا، مع الأسف، هو الفخ الذي وقع فيه الاحتياطي الفيدرالي ليس بسبب خطأيه في السياسة خلال عامي 2021 - 22 فحسب، بل بسبب اعتماده المفرط على السياسات غير التقليدية في العقد الذي سبق ذلك. لسوء الحظ لنا جميعا، فإن الطريق الذي سيسلكه من هنا لن يصبح أكثر سهولة عما قريب رغم انخفاض التضخم.

*رئيس كلية كوينز في جامعة كامبريدج ومستشار لأليانز وجرامرسي

الأكثر قراءة