العملات المشفرة .. هل يتم إيقاف انتشار العدوى؟
هدد انهيار بورصة "إف تي إكس" للعملات المشفرة الشهر الماضي بحدوث سيل آخر من فشل الشركات، في عام عصيب تمر به بالفعل صناعة الأصول الرقمية.
أدى سقوط إمبراطورية بانكمان فرايد للتشفير إلى انهيار منصة "بلوك في" المتعثرة، حيث لحقت أخيرا مقرضة العملات المشفرة بنظيراتها "فوياجر ديجيتال" و"سيليوس نتورك" ولجأت إلى الفصل الـ11 من قانون الإفلاس.
أدت تلك الإخفاقات وغيرها من إخفاقات الشركات المعرضة بدرجة كبيرة للإفلاس - مثل صندوق التحوط "ثري آروز كابيتال" في وقت سابق من العام - إلى تغيير أدوار المحامين والمصارف الاستثمارية والمستشارين المحترفين الآخرين في الساحة.
حتى عهد قريب، كانت شركات كثيرة متورطة في صراعات مستمرة مع السلطات بشأن الكيفية، إن وجدت أصلا، التي يجب أن تخضع بها العملات المشفرة للتنظيم مع ازدهار الطلب على العملات الافتراضية والأصول الرقمية الأخرى. الآن، يتم التعاقد مع بعض الشركات نفسها، إلى جانب خبراء إفلاس وإعادة هيكلة آخرين، لاسترداد القيمة المتبقية للدائنين.
يقول كريس بريندلر، كبير المحللين في مصرف دي آي ديفيدسون الاستثماري: "هذا يشبه إلى حد ما الأزمة المالية لعام 2008 (...) وكانت تلك الشركات، في معظمها، شركات عامة تخضع لكل أنواع الرقابة، ولم تكن لدينا فكرة عن مدى انتشار هذه العدوى".
لقد كان عاما حافلا بالفعل لبعض شركات المحاماة الرائدة قبل انهيار "إف تي إكس"، إذ انخرطت في محاولات لدعم شركات التشفير المتعثرة الأخرى.
عينت "سيلسيوس نتوورك" خبراء إعادة الهيكلة من "أكين جامب شتراوس هاور وفيلد" القانونية في حزيران (يونيو)، لكن في غضون شهر استبدلتهم بخبراء من "كيركلاند آند إليس" المنافسة بعد أن تقدمت البورصة بطلب الحماية من الإفلاس وفقا للفصل الـ11 في يوليو. كما تمت الاستعانة بـ"كيركلاند آند إليس" لتقديم المشورة لمنصة فوياجر المتعثرة لإقراض العملات المشفرة قبل أن تطلب الحماية من الإفلاس في أوائل يوليو، وساعدت على التفاوض بشأن محاولة فاشلة لإنقاذ عملياتها باستثمار مالي من "إف تي إكس".
عملت "سوليفان آند كرومويل" القانونية مع "بلوك في"، التي تقدمت بطلب الحماية من الإفلاس وفقا للفصل الـ11 الشهر الماضي. ساعد هذا الأمر على التوصل إلى تسوية تاريخية بقيمة مائة مليون دولار مع هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية والهيئات التنظيمية الحكومية في وقت سابق من هذا العام، حيث نالت موافقة مزعومة من الهيئة التنظيمية لتسويق منتجاتها بمجرد امتثالها. يعمل محامون من الشركة الآن لمصلحة "إف تي إكس" والشركات التابعة لها في إجراءات الإفلاس لاسترداد الأموال. من جهة أخرى، ظهرت "كيركلاند آند إليس" مرة أخرى، إلى جانب "هاينز آند بون"، لتمثل موكلتها "بلوك في" في إجراءات الفصل 11 حيث تسعى إلى استرداد الأموال من شركات "إف تي إكس" نيابة عن دائنيها.
يرى دانييل جوين، الشريك في شركة المحاماة العالمية "روبس آند جراي"، أن انهيار "إف تي إكس" سيخلف تداعيات طويلة الأجل على النظام البيئي للعملات المشفرة.
يقول: "انهيار إف تي إكس يعد كارثة بالنسبة لتقبل العملات المشفرة ونموها على المدى الطويل لتصبح أداة مالية سائدة".
يأتي انهيار البورصة في أعقاب تباطؤ مطول انخفضت فيه القيمة السوقية لصناعة العملات المشفرة أيضا من أكثر من ثلاثة تريليونات دولار في ذروة السوق الصاعدة العام الماضي إلى أقل من تريليون دولار هذا العام.
مع ذلك، رغم المشكلات في سوق التشفير التي حدثت خلال فترات طويلة من 2022، وقفت "إف تي إكس" ذات مرة شامخة بصفتها حصنا لاستقرار سوق التشفير، وأشيد ببانكمان فرايد لمساعدته شركات التشفير المتعثرة، مثل "بلوك في"، في وقت سابق من هذا العام.
لا يزال حجم الضرر الناجم عن انهيار "إف تي إكس" غير واضح، لكن وثائق المحكمة الأولية تشير إلى أن المنصة المفلسة ربما تواجه أكثر من مليون دائن. أدرج طلب إفلاس "سيلسيوس" أكثر من مائة ألف دائن، في حين ذكر طلب "ثري أروز" الأولي "عددا كبيرا" من الدائنين.
توضح هذه الأرقام احتمالية أن تشكل حماية المستهلكين مصدر قلق أساسي للسياسيين والهيئات التنظيمية أثناء استجابتهم لموجة حالات إعسار شركات العملات المشفرة. يضيف جوين: "حماية المستهلك هي الأولوية الأولى - هذه الأنواع من القضايا تمس المستهلك مباشرة".
مع ذلك، تقول إيمي هارفي، مدع شريك في "أونتير"، إن المستهلكين ما زالوا معرضين للخطر في استرداد الأصول غير المفهومة تماما أو لم تخضع لتدقيق واضح. تقول: "هذه الأصول مبهمة تماما أحيانا في شركات العملات المشفرة، بسبب غياب تنظيم الصناعة"، مضيفة أن إدارة "إف تي إكس" الجديدة "يتعين عليها مراجعة الحسابات المدققة وتحديدها لأنه ما من شيء موثوق فيما قدم".
كما أثار انهيار "إف تي إكس" قلقا متجددا بشأن الطبيعة المترابطة للصناعة. مثلما تشابكت الضغوط المالية التي مرت بها "سيلسيوس" و"ثري أروز كابيتال" وغيرها من المشاريع، بما في ذلك "فوياجر ديجيتال" و"بلوك فاي"، جدد إفلاس "إف تي إكس" المخاوف من حدوث عدوى أخرى أكبر.
قال تشارلي كوبر، المدير الإداري في شركة بلوكتشين "آر ثري": "تتألف هذه الصناعة من مجموعة من الشركات التي تتداول في الرموز المميزة لبعضها بعضا، وتستثمر في منتجات بعضها بعضا، وتوفر منصات تداول لمعاملات تلك المنتجات، وتحتفظ بمنتجات بعضها بعضا. إذا انهارت قطعة واحدة من الأحجية، فستتأثر جميع الشركات بشدة".
كما أثيرت مخاوف بشأن التعامل الآمن مع الأصول الافتراضية الخاضعة لإجراءات الفصل الـ11.
"كان هناك فشل في التعامل مع احتمال حدوث اختراقات في ظروف تشهد انتقال الحماية بين مالكي البورصة إلى يد مختص إعسار"، كما يقول داراج كونيل، المحامي التجاري في "ميتلاند تشامبرز" ومقرها لندن، ويتمتع بخبرة في مجال نزاعات العملات المشفرة.
على المدى القصير، يبدو أن الخبراء القانونيين على أهبة الاستعداد للاستفادة من موجة أعمال الإفلاس وإعادة الهيكلة المربحة حيث تتم متابعة استثمارات بمليارات الدولارات في الأصول الافتراضية.
لكن سلسلة الكسب السهل من تقديم المشورة للعملاء الذين ينفقون بتبذير في قطاع مزدهر سابقا ربما انتهى بالفعل.
ربما أعاد انهيار "إف تي إكس" صناعة التشفير أعواما إلى الوراء، كما أشار جوين من "روبس آند جراي".
"الآن بعد أن فشلت طليعتنا الرائدة في الصمود على جبهتها، بسبب رقابتها المؤسسية إلى حد كبير (...) أعادت صناعة التشفير إلى العصر الحجري تقريبا".