أزمة تكاليف المعيشة في المملكة المتحدة تحكم قبضتها .. والتوقعات قاتمة
خفض المستهلكون البريطانيون الإنفاق أكثر من أي دولة صناعية أخرى تقريبا حيث تترسخ أزمة تكلفة المعيشة مع البيانات الأخيرة وتوقعات الاقتصاديين المشيرة إلى استمرار الاتجاه إلى العام المقبل.
في الأشهر الثلاثة الماضية المنتهية في أيلول (سبتمبر)، تراجع إنفاق الأسر 3.2 في المائة مقارنة بمستويات ما قبل الجائحة - أكبر انخفاض حتى الآن بين اقتصادات مجموعة الدول السبع، وثالث أسوأ أداء بين 43 دولة نشرت بيانات الحسابات القومية المفصلة للربع الثالث، وفقا لتحليل من "فاينانشيال تايمز".
على النقيض، زاد إنفاق الأسر 7 في المائة في الولايات المتحدة، و2.7 في المائة في كندا، و1.6 في المائة في اليابان، و0.3 في المائة في فرنسا مقارنة بالأشهر الثلاثة الأخيرة من 2019، آخر ربع كامل قبل انتشار الجائحة.
عزا الخبراء الاقتصاديون الضيق الشديد في الأوضاع المالية في بريطانيا إلى ضعف سوق العمل، وارتفاع تكاليف الطاقة، والتوقعات الاقتصادية التي تزداد سوءا، وتأثير بريكست.
قال بول ديلز، كبير الخبراء الاقتصاديين البريطانيين في "كابيتال إيكونوميكس"، إن ضعف أداء بريطانيا مقارنة بالاقتصادات المتقدمة الأخرى كان "ملحوظا ومثيرا للقلق" وألقى اللوم جزئيا على عدد العمال غير النشطين المتزايد.
كان معدل التوظيف في المملكة المتحدة لا يزال أقل 0.5 في المائة من مستويات ما قبل الجائحة في الربع الثالث، مقارنة بارتفاع متوسط قدره 2 في المائة عبر دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بما في ذلك ارتفاع 4.6 في المائة في فرنسا و3 في المائة في كندا.
إضافة إلى "انتعاش صامت في التوظيف"، ألقت جابرييلا ديكينز، كبيرة الخبراء الاقتصاديين البريطانيين في "بانثيون ماكروإيكونوميكس"، لوم انخفاض مستويات الإنفاق في بريطانيا على ثقة المستهلكين المنخفضة في المملكة المتحدة والأسعار التي "ارتفعت إلى حد أكبر مما هي عليه في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو".
قالت إن سبب ذلك جزئيا هو مواجهة الأسر البريطانية فواتير كهرباء وغاز أعلى على عكس أولئك في منطقة اليورو الذين استفادوا من التدخل الحكومي الكبير، وفي الولايات المتحدة حيث تكاليف الطاقة أقل.
وصل تضخم أسعار استهلاك الطاقة في بريطانيا إلى 59 في المائة في تشرين الأول (أكتوبر)، الأعلى منذ بدء عمليات التسجيل في 1989، مقارنة بـ34.9 في المائة في منطقة اليورو و17.6 في المائة في الولايات المتحدة.
حققت المملكة المتحدة 49 نقطة من 100 نقطة في مؤشر الثقة العالمي من "مورننج كونسولت" الذي تم نشره الخميس الماضي. في المقابل، سجلت الولايات المتحدة 81 نقطة، وكندا 71 نقطة، وراوحت أكبر اقتصادات منطقة اليورو بين 54 و65 نقطة.
تأثير ارتفاع تكاليف الطاقة، وأسعار الفائدة المرتفعة، وانخفاض ثقة المستهلكين، قلص "الانتعاش في إنفاق الأسر هذا العام"، كما قالت يايل سيلفين، كبير الخبراء الاقتصاديين البريطانيين في "كيه بي إم جي".
توقع بنك إنجلترا ومكتب مسؤولية الميزانية، المراقب المالي في المملكة المتحدة، ركودا اقتصاديا طويلا في المملكة المتحدة. حذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الشهر الماضي من أن الاقتصاد البريطاني كان من المتوقع أن يكون الأسوأ أداء في مجموعة العشرين باستثناء روسيا على مدى العامين المقبلين.
قالت سوزانة ستريتر، كبيرة محللي الاستثمار في هارجريفز لانسداون لإدارة الأصول، إن المملكة المتحدة كانت متخلفة عن الدول الأخرى، "حيث يستعد المستهلكون لمواجهة ركود طويل وسط مخاوف من ارتفاع فواتير الطاقة مجددا العام المقبل".
قالت ديكينز من بانثيون، إن الضعف النسبي في إنفاق الأسر كان "المساهم الأساس في أداء المملكة المتحدة الضعيف العام". كان الناتج المحلي الإجمالي البريطاني للربع الثالث أقل بـ0.4 من آخر ربع في 2019، ما يجعلها الدولة الوحيدة من مجموعة الدول الصناعية السبع التي لم تستعد كل ما فقدته أثناء الجائحة.
عزز المقياس الرئيس في المملكة المتحدة من خلال رفع الإنفاق العام، الذي كان أعلى 4.7 في المائة من مستويات ما قبل الجائحة وأعلى من كثير من أقرانها، مثل إيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة.
قال ديل، إن بريكست كان له تأثير أيضا لأنه "أعاق الاستثمار في الأعمال التجارية والصادرات". كانت صادرات السلع والخدمات في المملكة المتحدة مقارنة بمستويات ما قبل الجائحة أقل من أي دولة أخرى من مجموعة الدول الصناعية السبع، وفقا لأحدث البيانات. كانت المملكة المتحدة أيضا الأسوأ أداء في مجال الاستثمار في الأعمال التجارية، الذي انخفض 8.4 في المائة من الربع الأخير من 2019، على عكس زيادة 4 في المائة في الولايات المتحدة.
قالت ستريتر من "هارجريفز لانسداون"، إن البيانات جاءت "كثيفة وسريعة بشأن التداعيات العميقة للتصويت لمغادرة الاتحاد الأوروبي على الاقتصاد، وكتأثير غير مباشر، على استعداد الأسر للإنفاق".
تشير بيانات استقصاء حديثة إلى أن التوقعات الاقتصادية تتدهور حيث قلص المستهلكون من الإنفاق أكثر في الأشهر الأخيرة من العام الجاري مع اشتداد تكاليف أزمة المعيشة.
مؤشرات ثقة قطاع الأعمال لمعهد إدارة المشاريع المراقبة من كثب تشير إلى أن انكماش الاقتصاد في أكتوبر وتشرين الثاني (نوفمبر) الماضيين، في حين وجد مسح مكتب الإحصاءات الوطنية الذي يجرى مرة كل شهرين للأسر أن نسبة متزايدة من الأشخاص خفضوا الإنفاق التقديري والأساسي خلال الفترة نفسها.
حذرت سيلفين من "كيه بي إم جي" من أن التراجع في سوق العمل "قد يؤدي إلى مستويات أعلى من المدخرات الاحتياطية التي تحتفظ بها بعض الأسر ويسهم في ضعف أكبر في الاستهلاك".
حذرت ستريتر من أن انخفاض مستويات إنفاق المستهلك في المملكة المتحدة كان "من المرجح أن يستمر خلال بقية الربع الرابع حتى 2023، خاصة أن سقفا أعلى لأسعار الطاقة سيفرض في الربيع، ما يزيد الضغوط الجديدة على الأسر".
قالت ديكنز إنه من المتوقع أن تجعل احتمالية تشديد السياسة المالية والنقدية بشكل أكبر الاقتصاد البريطاني يتراجع "خلف أقرانه في 2023 أكثر".