كيف أغلقت البوابات في أداة "بلاكستون" العقارية؟
في تموز (يوليو)، تحدث ستيفن شوارزمان الرئيس التنفيذي لشركة بلاكستون، عن اجتماع مفاجئ مع مستثمر في الإدارة العقارية الخاصة بالشركة التي تبلغ قيمة أصولها 69 مليار دولار والمخصصة للمستثمرين الأفراد الأثرياء.
اتصل هذا الشخص بشوارزمان ليخبره أن الصندوق، الذي يسمى بلاكستون ريل إستيت إنكوم تراست، أو "بريت"، كان أكبر مركز له. ذكر شوارزمان عما قيل في اجتماع مكالمة الأرباح ربع السنوية، "هذا مدهش جدا. جميع أصدقائي يخسرون مبالغ طائلة في السوق بينما لا زلت أكسب المال".
في الواقع، كان المستثمرون حينها يسحبون أموالهم من صندوق بريت، الأمر الذي أثار قلق المراقبين المقربين في بلاكستون. قام المستثمرون بسحب ما يزيد على 2 في المائة من صافي أصوله خلال ذلك الشهر، وفقا لمصادر مطلعة على ما جرى وعلى إيداعات الأوراق المالية أيضا، وكان ذلك تجاوزا للحد الذي تسمح به بلاكستون من عمليات السحب التي يقوم بها المستثمرون.
خلال فصلي الربيع والصيف، كان المستثمرون الآسيويون يسحبون أموالهم من الصندوق بسبب هبوط أسواق العقارات في المنطقة. قال شخصان مطلعان على الأمر إن بعضهم كان يحمل مديونية مالية كبيرة وأنهم تضرروا بطلبات إيداع الهامش. بالإمكان بيع صندوق بريت، الذي ازدادت قيمته هذا العام، بأسعار مرتفعة من أجل تلبية طلبات النقد.
مع كثافة عمليات البيع وانتقالها إلى خارج آسيا، قام كل من شوارزمان ورئيس بلاكستون جوناثان جراي بإضافة أكثر من 100 مليون دولار على استثماراتهما في صندوق بريت هذا الصيف، حسبما قال مصدر مطلع على الأمر. رفضت بلاكستون التعليق على مسألة المشتريات.
اختارت بلاكستون عدم وضع أي قيود على المستثمرين الذين يأملون في سحب أموالهم من صندوق بريت في تموز (يوليو). على الرغم من أنها كانت تخبر مستثمريها دائما أن المنتج شبه سائل، إلا أن مثل هذه الخطوة كانت ستثير المخاوف بين المستثمرين من أنهم لن يتمكنوا من سحب أموالهم بسهولة. لكن موجة متزايدة من طلبات الاسترداد أجبرت بريت على الإعلان الخميس أنه سيرفع أخيرا "البوابات" - الأمر الذي يسمح لمدير الصندوق بالحد من حجم الأصول المستردة - حتى نهاية العام.
أحدثت هذه الخطوة صدمة داخل بلاكستون، حيث شوهت ما أصبح يعرف بأكبر محرك لنمو الأصول والرسوم داخل أكبر شركة لإدارة الأصول البديلة في العالم. تراجعت أسهم بلاكستون بأكثر من 7 في المائة بينما خفض عدد من المحللين توقعاتهم بشأن الشركة بسبب مخاوف من أن القرار قد يتسبب في توقف نموها.
قال مايكل براون، المحلل في شركة كيف برويت آند وودز، "إن قضية تراجع الصندوق وخروج الأموال منه بدأت في التكشف. نحن نتوقع أنها ستظل عبئا كبيرا على الأسهم في الأرباع السنوية المقبلة".
أنشأت شركة بلاكستون صندوق بريت في 2017 كوسيلة للمستثمرين الأثرياء للوصول إلى منصتها المرموقة للاستثمار العقاري. على عكس الصناديق التقليدية المصممة للمستثمرين المؤسسيين مثل صناديق المعاشات التقاعدية، التي تأتي مع مدة قدرها عشرة أعوام، تم تصميم بريت كصندوق "دائم" دون انتهاء لصلاحيته. يمكن للمستثمرين المهتمين الشراء بالقيمة الصافية لأصول الصندوق حيث تفرض بلاكستون رسوم إدارة سنوية 1.25 في المائة ورسوم أداء 12.5 في المائة على أرباحها السنوية عندما تتجاوز حاجز 5 في المائة.
وظفت بلاكستون مئات موظفي المبيعات والتسويق لبيع منتجات بريت وجعلت الصندوق متاحا على نطاق واسع لمستشاري إدارة الثروات. حتى إنها أنشأت "جامعة بلاكستون"، وهي بوابة إلكترونية تقدم التدريب للمستشارين على مزايا الصندوق.
عرضت بلاكستون صندوق بريت على أنه يقدم للأفراد الأثرياء قدرة المؤسسات الكبيرة نفسها على التنويع بعيدا عن الأسواق العامة لكسب أرباح جيدة. لكن حتى يتسنى لهم ذلك، فإن عليهم قبول التنازل عن بعض حقوق السيولة. حيث يسمح الصندوق للعملاء باسترداد الأموال بـ2 في المائة من إجمالي الأصول كل شهر، مع السماح لهم باسترداد ما نسبته 5 في المائة كحد أقصى في كل ربع سنة تقويمية.
حقق صندوق بريت نجاحا هائلا، حيث جذب أصولا بعشرات المليارات من الدولارات. بينما تستثمر بلاكستون الأموال في الأغلب في الخدمات اللوجستية والعقارات السكنية في الولايات المتحدة التي يسكنها أعداد كبيرة من العائلات، حيث توقع بشكل صحيح أن النقص في العرض من شأنه أن يدفع مداخيل الإيجارات نحو الارتفاع. كما تبلغ قيمة المحفظة الآن 125 مليار دولار على شكل أصول إجمالية، تشمل الرافعة المالية التي استخدمتها بلاكستون لشراء العقارات.
في 2021، أطلقت بلاكستون منتجا مشابها مصمما للاستثمارات القائمة على الديون يسمى بي سي آر أي دي. ثم أطلق أقرانها في الصناعة، مثل "كيه كيه آر" و"ستاروود" و"بروكفيلد" صناديق لاستنساخ النجاح الذي حققته بلاكستون حيث كانت أولويتهم أيضا كسب المستثمرين الأفراد الأثرياء كعملاء لهم.
قال مارك روان، الرئيس التنفيذي لشركة أبولو العام الماضي في إشارة إلى بلاكستون، "أشعر بالغبطة لصندوق الاستثمار العقاري غير المتداول. لقد كان هذا رائعا. المجد للشركات التي وقفت أمام هذه السوق وأظهرت لنا حقا مقدار الأموال المتوافرة فيها".
نما صندوق بريت ليصبح جزءا مهما من الموارد المالية الإجمالية لشركة بلاكستون، حيث يمثل نحو 10 في المائة من أصولها مدفوعة الرسوم الخاضعة للإدارة ونحو خمس الأرباح الإجمالية المرتبطة بالرسوم، وفقا للمحللين في بنك باركليز. نظرا إلى أن طبيعة الصندوق دائمة، فقد نسب المحللون إليه مضاعفات تصل إلى 30 ضعفا من إيرادات الرسوم إلى أصول الصندوق.
مع ضخ نحو 100 مليار دولار في بريت وبي سي آر أي دي في الأعوام الأخيرة، تجاوزت القيمة السوقية لشركة بلاكستون في بعض الأحيان قيمة بنك جولدمان ساكس.
لكن هذا العام تبين أنه أكثر صعوبة من غيره، حيث أدى ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض أسهم العقارات المدرجة في البورصة إلى إخافة بعض المستثمرين العقاريين. ذكرت "فاينانشيال تايمز" سابقا أن أكثر من 70 في المائة من عمليات استرداد الأموال في بريت جاءت من آسيا، التي شهدت أسواق العقارات الإقليمية فيها تراجعا.
كما أن نجاح صندوق بريت جعله عرضة لعمليات الاسترداد من قبل المستثمرين. حقق الصندوق عائدا إجماليا قدره 9.3 في المائة هذا العام، بينما تراجعت الصناديق العقارية المدرجة في الولايات المتحدة بنحو 20 في المائة. ونظرا إلى أن الصندوق يعيد شراء طلبات الاسترداد وفقا لقيمة الأصول الصافية للربع الأخير، فقد أصبح من النادر للمستثمرين الذين يتطلعون إلى جمع السيولة البيع بأعلى مستوياتها السنوية.
بدأ المستثمرون الأمريكيون الأثرياء في تقديم طلبات لتقليص أجزاء من ممتلكاتهم هذا الخريف. قالت مصادر مطلعة إن البعض حقق مكاسب على بريت وعوضوا عن الضرائب بخسائر على أصول أخرى. والآن حيث سمحت بلاكستون بعمليات سحب محدودة، فإن طلب المستثمرين لسحب أموالهم من الصندوق قد يزداد.
قال ويليام كاتز، المحلل في كريدي سويس إن عمليات الاسترداد تلقي بظلال من الشك على قيمة صندوق بريت بالنسبة إلى شركة بلاكستون وأن ذلك سيقلل من قدرة الشركة وأقرانها على جمع الأموال من المستثمرين الأثرياء في المستقبل.
قال متسائلا عن مدى استدامة رأس المال هذا، "إن السؤال النهائي يجب طرحه حول فاعلية هذه المنتجات إذا كان العملاء يريدون فقط إخراج أموالهم منها".
كان اندفاع المستثمرين نحو الخروج قد بدأ قبل أن يبلغ صندوق بريت عن أي خسائر مالية ناجمة عن ارتفاع أسعار الفائدة، أو تباطؤ الاقتصاد، أو انخفاض تقييم العقارات. أشار المنتقدون لطريقة تقييم الأدوات الخاصة أن الصندوق قد حقق مكاسب هذا العام بينما تراجعت الأسواق العامة الأكثر تقلبا بشكل حاد. تقول بلاكستون إن تقييماتها تؤكد الأداء المالي الأساسي لممتلكاتها وليس التحول السريع في معنويات المستثمرين وأنهم قد أخذوا في الحسبان ارتفاع أسعار الفائدة.
أعلنت شركة بلاكستون عن بيع 1.27 مليار دولار من حصة الأقلية في اثنين من المقاهي في لاس فيغاس والمملوكين لصندوق بريت، التي قالت عنهما مصادر "فاينانشيال تايمز" إنه يمكن استخدامهما لتوفير السيولة للصندوق. قالت المصادر إن صندوق بريت جنى ضعف أمواله من الاستثمارات على مدى ثلاثة أعوام وباع أصولا بقيمة خمسة مليارات دولار هذا العام بأعلى من قيمتها الدفترية. فيما يدرس صندوق بريت بيع أصول أخرى، لكنه يصر على أنه لن يكون بائعا مضطرا.
يعتقد بعض المستشارين أن القيود المفروضة على عمليات استرداد الأموال ستمنع أي مخاطر حول البيع بأسعار متدنية، لكنهم ينصحون العملاء بالتوقف عن إيداع الأموال في صندوق بريت.
قال آندي كابيرين، كبير مسؤولي الاستثمار في "ريجنت أتلانتيك"، وهو مستشار استثماري مسجل يدير أصولا بنحو ستة مليارات دولار، "إن البوابات هي إحدى ميزات الاستثمار التي تحمي المستثمرين فعليا". أضاف، "لا أعتقد أن مخاطر السيولة ضخمة لدرجة أنه يتعين عليهم حجز مكاسب رأسمالية في سبيل الخروج. أما بالنسبة إلى المستثمرين ممن ليسوا في الصندوق، فإننا نوصيهم باتباع نهج حذر".
قالت شركة بلاكستون في بيان، "حقق صندوق بريت عوائد استثنائية للمستثمرين منذ إنشائه قبل ما يقرب من ستة أعوام، وهو في وضع جيد استعدادا للمستقبل".