"مايكروسوفت" تناضل للفوز بمعركة تاريخية
إذا اعتقدت شركة مايكروسوفت أنها وجدت طريقة لتهدئة واشنطن وعزل نفسها عن رد الفعل التنظيمي العنيف الذي أصاب شركات التكنولوجيا الكبرى، فقد توصلت للتو إلى صدمة إدراكية.
يمثل الطعن القانوني الذي قدمته لجنة التجارة الفيدرالية الخميس بشأن شراء شركة البرمجيات لشركة الألعاب، أكتيفيجن بليزارد، بقيمة 75 مليار دولار، أول تهديد تنظيمي مباشر لشركة البرمجيات الأمريكية العملاقة منذ أكثر من عقدين. مع تكثيف سلطات المنافسة في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي لتحقيقاتها الخاصة، هدد الطعن بإطلاق سلسلة من الإجراءات التي يمكن أن تبطل أكبر صفقة في صناعة الألعاب.
يعد تدخل لجنة التجارة الفيدرالية، بتوجيه من الرئيسة لينا خان، واحدة من أولى العلامات الواضحة على أن الجهات التنظيمية ستحاول منع شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى من توسيع مدى وصول إمبراطورياتها عبر الاستحواذ – حتى عندما تبدو الصفقات مرضية في ظل معظم التحليلات التقليدية لمكافحة الاحتكار.
قال ويليام كوفاسيتش، الرئيس السابق للجنة التجارة الفيدرالية، "هذا هو تحدي الاندماج الأهم الذي جلبته وكالات مكافحة الاحتكار تحت إدارة بايدن حتى الآن". أضاف أنه من المقرر أن يكون "معركة تاريخية" ستحدد "التزام الإدارة بتطبيق نهج أكثر صرامة لضبط عمليات الاندماج ولشركات التكنولوجيا الكبرى خصوصا".
يهدد هذا الإجراء محاولة حذرة من قبل مايكروسوفت للنأي بنفسها عن معارك مكافحة الاحتكار السابقة التي استغرقت أعواما. أصبح براد سميث، كبير محامي الشركة ورئيسها منذ فترة طويلة، عنصرا أساسيا في واشنطن وبروكسل، حيث سعت الشركة إلى تأسيس فرق واضح بين ممارساتها التجارية ومنافسيها من شركات التكنولوجيا الكبرى.
عند الإعلان عن الصفقة في وقت مبكر من هذا العام، كانت "مايكروسوفت" تبذل قصارى جهدها لتضع نفسها كمنافسة أكثر "انفتاحا" لما جادلت بأنه عوالم الهواتف الذكية التقييدية لشركتي جوجل وأبل، مواءمة نفسها مع التشريع المقترح في واشنطن الذي سيجبر الشركات المنافسة لها على فتح متاجر تطبيقات الأجهزة المحمولة الخاصة بها.
كما سعت إلى تصوير نفسها على أنها منافسة صغيرة لعملاقة الألعاب، شركة سوني، وصانعة جهاز بلاي ستيشن "المهيمن"، ولشركة ألعاب الهاتف المحمول الضخمة تينسنت في الصين.
كان عمق فشل "مايكروسوفت" واضحا في الإجماع التنظيمي الدولي المتشدد الذي كان يتشكل ضد صفقة أكتيفيجن. إذ حملت حجج لجنة التجارة الفيدرالية صدى وثيقا لهيئة المنافسة والأسواق في المملكة المتحدة، التي فتحت أخيرا تحقيقا من المرحلة الثانية.
كانت أهم شكاوى الجهات التنظيمية تكمن في الخطر المتمثل في أن شركة مايكروسوفت قد تجعل ألعاب شركة أكتيفيجن حصرية على أجهزة إكس بوكس الخاصة بها، ما يضر بالشركات المنافسة الصانعة لوحدات التحكم. وانصب قدر كبير من الاهتمام على كول أوف دوتي، وهي لعبة حققت إيرادات تزيد على 30 مليار دولار في عمرها البالغ 19 عاما.
كتب سميث في تعليق في صحيفة "وول ستريت جورنال" في وقت سابق من هذا الأسبوع أنه سيكون من "غير المنطقي اقتصاديا" لشركة مايكروسوفت أن تأخذ ألعاب شركة أكتيفيجن بعيدا عن أجهزة الألعاب المنافسة. قال إنه إلى جانب قطع أحد مصادر الدخل، فإن هذا سيمنع "اللعب المشترك" الذي يتيح للاعبين الذين يستخدمون أجهزة مختلفة الانضمام إلى ألعاب متعددة اللاعبين، وهذا أمر من شأنه أن يجعل لعبة كول أوف دوتي أقل جاذبية لجميع اللاعبين.
رفضت لجنة التجارة الفيدرالية حججا كهذه من قبل. حيث رفعت شركة نفيديا الأمريكية لصناعة الرقائق قضية مشابهة عندما حاولت شراء مجموعة أرم لتصميم الرقائق المملوكة لشركة سوفت بانك قبل عامين، مدعية أن مصلحتها الاقتصادية تكمن في الاستمرار في إتاحة تصاميم شركة أرم مجانا للآخرين. تخلت عن الاستحواذ عندما رفضت الجهات التنظيمية على جانبي الأطلسي قبول ضمانتها.
لتعزيز قضيتها، حسنت شركة مايكروسوفت من شروط عرض سابق بالقول إنها ستجعل لعبة كول أوف دوتي متاحة لمدة تصل إلى عشرة أعوام على وحدات التحكم المنافسة. قبلت شركة نينتندو هذا العرض في وقت سابق من هذا الأسبوع، ما منح شركة مايكروسوفت دفعة حيث وصلت قضيتها مع لجنة التجارة الفيدرالية إلى ذروتها. لكن شركة سوني رفضت تغيير موقفها.
في شكوى قانونية محررة جزئيا صدرت في وقت متأخر من الخميس، قالت لجنة التجارة الفيدرالية إن شركة مايكروسوفت قدمت ضمانات مشابهة من قبل، لكنها فشلت في تنفيذها. حيث ذكرت أن شركة مايكروسوفت، عند شرائها شركة الألعاب زين ماكس العام الماضي، أخبرت الاتحاد الأوروبي أنها لن يكون لديها حافز لحجب ألعاب الشركة عن وحدات التحكم المنافسة، فقط لتتراجع عن أقوالها بعد إتمام الصفقة.
في صدى آخر لتحفظات الجهات التنظيمية في المملكة المتحدة بشأن الصفقة، قالت لجنة التجارة الفيدرالية إن الصفقة ستمنح شركة مايكروسوفت ميزة غير عادلة في السوق الجديدة لاشتراكات الألعاب. قال جوست ريتفيلد، الأستاذ المساعد في جامعة كوليدج لندن والمتخصص في المنصات والألعاب، إن هذا قد يكون جزءا أقوى في قضية الجهات التنظيمية من الحجج المتعلقة بالحصرية. قال، "إنه يضعها في وضع المهيمن على هذا القطاع".
مثل شركة سي إم إيه في المملكة المتحدة، قالت الجهات التنظيمية الأمريكية أيضا إن امتلاك ألعاب شركة أكتيفيجن يمكن أن يساعد مايكروسوفت للهيمنة على السوق الناشئة للألعاب السحابية - ما يمنحها الفرصة لقيادة سوق بث جديدة بالطريقة نفسها التي فعلتها نتفليكس في مجال الفيديو. مع ذلك، الألعاب السحابية ليست سوى جزء صغير من الصناعة، ما يضعف هذا الجزء من القضية، وفقا لريتفيلد.
سيواجه النهج التوسعي الذي تتبعه لجنة التجارة الفيدرالية بعض الاختبارات الجادة. جاءت قضيتها ضد "مايكروسوفت" في اليوم نفسه الذي استمعت فيه محكمة أمريكية إلى طلب الوكالة إصدار أمر قضائي ضد صفقة أخرى، شراء شركة ميتا لشركة تطبيقات الواقع الافتراضي ويذين.
قال أحد كبار محامي الاندماج والاستحواذ إنه إذا رفضت المحكمة حجة لجنة التجارة الفيدرالية في هذه القضية، "فسيكون ذلك مؤشرا آخر على أن الوكالات مفرطة في العدوانية في جهودها، أكثر بكثير من القانون القائم لمكافحة الاحتكار".
لكن الشكوى الصادرة الخميس يمكن أن تكون بمنزلة نقطة انطلاق لإجراء دولي أوسع ضد صفقة أكتيفيجن. حيث قال كوفاسيتش إن إجراء لجنة التجارة الفيدرالية "قد يكون له تأثير في تشجيع السلطات الأخرى" التي تحقق في الصفقة في لندن وبروكسل، وتحييد خطر النظر إلى أي إجراء تتخذه ضد مايكروسوفت على أنه إجراء حمائي ضد الشركات الأمريكية".
من غير المقرر الاستماع إلى قضية الوكالة حتى آب (أغسطس). وقبل ذلك بوقت طويل، في نهاية نيسان (أبريل) على أبعد تقدير، من المقرر أن تصدر السلطات البريطانية حكمها. بالنسبة إلى جهود شركة مايكروسوفت لتصبح قوة أكبر في عالم الألعاب، فإن الاضطرابات على وشك الحدوث.