«فيفا» .. الاحتكار المقبول

أسس الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" في 1904، وذلك لتنظيم لعبة الكرة القدم، وتحفيز منافساتها، والإشراف عليها، ودعم تطورها. و"فيفا" منظمة دولية غير هادفة للربح، تضم في عضويتها الاتحادات الكروية القطرية والقارية.

وتفيد المنظمة بأنها تعيد استثمار إيراداتها في مجالات تطوير لعبة كرة القدم. وقد وقف "فيفا" منذ بداية نشأته خلف فكرة منافسات كأس العالم، بل هو الذي اقترحها. يجني "فيفا" معظم إيراداته من بطولات كأس العالم لكرة القدم التي يحتكرها بشكل كامل.
حصد "فيفا" مبالغ ضخمة من كؤوس العالم السابقة، ومن المتوقع أن يجني مبالغ قياسية من تنظيم كأس العالم الحالية في قطر. وتشير التوقعات إلى أن إجمالي إيراداته من البطولة سيصل إلى نحو 7.5 مليار دولار. في المقابل، خصص "فيفا" ما يقارب 1.7 مليار دولار كتكاليف تشغيلية للبطولة، وستستقطع من إجمالي الإيرادات.

وهذا يعني أن فوائض تنظيم البطولة التي ستذهب لخزينة "فيفا" ستقارب 5.8 مليار دولار. يصدر "فيفا" ميزانية دورية كل أربعة أعوام لتنسجم مع دورات كأس العالم.

أما إنفاقه السنوي فعادة ما يعاني عجزا ماليا في الأعوام التي لا تنظم فيها البطولة، لكن الميزانية الدورية تحقق فوائض إجمالية كل أربعة أعوام.
نظرا لهيمنة الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" على لعبة كرة القدم العالمية، فإنه مثال جيد للاحتكار العالمي.

ويستغل "فيفا" قوته الاحتكارية في الحصول على معظم إيرادات بطولات كرة القدم العالمية، خصوصا كأس العالم للرجال. ويجني "فيفا" معظم إيراداته من احتكار حقوق نقل البث التلفزيوني، وبيع تذاكر المباريات، وتسويق المنتجات.

من جانب آخر، يحمل "فيفا" الدول المستضيفة للبطولات التكاليف الأمنية المصاحبة لإقامتها، وتكاليف المنشآت والتطوير المصاحب للبطولة في البلد المضيف. كما أنه يفرض شروطا على الدول المضيفة بشأن خصائص ومواصفات المنشآت الرياضية التي تقام عليها بطولات كأس العالم، ويحصل أيضا على إعفاءات ضريبية.
تتضمن تكاليف إقامة بطولة العالم التشغيلية الحالية البالغة 1.7 مليار دولار مكافآت الفرق المشاركة والمحققة مراكز متقدمة والبالغة 440 مليون دولار.

وسيحصل الفريق الفائر بالكأس على 42 مليون دولار، بينما سيتلقى الوصيف 30 مليون دولار، وصاحبا المركزين الثالث والرابع على 27 و25 مليون دولار على التوالي. وسيحصل كل فريق مشارك على تسعة ملايين دولار، أما الفرق المتأهلة لدوري الـ16 فسيحصل كل واحد منها على 13 مليون دولار.

ويتحمل "فيفا" تكاليف سفر وإقامة الفرق المشاركة، وسيتم دفع بعض المبالغ للأندية التي ينتمي إليها اللاعبون مقابل اشتراكهم في كأس العالم. ويشارك في عضوية "فيفا" 211 اتحاد كرة قطري وقاري، حيث ستحصل هذه الاتحادات على بعض المبالغ المالية من إيرادات كأس العالم.
تشير المصادر المختلفة إلى أن الدول المنظمة للبطولات تتحمل تكاليف باهظة لإنشاء وتهيئة منشآتها الرياضية والأساسية وفق متطلبات "فيفا".

وتأمل الدول المنظمة من وراء استضافة المسابقات الرياضية في زيادة جاذبيتها للسياحة والاستثمار، لكن يبدي معظم المراقبين شكوكا حول حجم المنافع المالية المتحصلة من تنظيم بطولات كأس العالم. وتتنافس دول كثيرة في استضافة بطولة كأس العالم، ما يعطي "فيفا" قوة إضافية في فرض شروطه على الدول المستضيفة.

ويبدو أن الدول الساعية لاستضافة البطولة لا تضع المكاسب الاقتصادية في مقدمة أولوياتها، لكنها تسعى لمكاسب غير مادية، كالترويج لنفسها، والفخر الوطني، وإرضاء جماهيرها الكروية، وتقوية قواها الناعمة، وتحسين نظرة العالم إليها، وكسب الرأي العالمي، وتعريف العالم بمنجزاتها وحضارتها وثقافتها.

وهنا ينبغي الإشارة إلى أن قدرة وإمكانات الدول المتقدمة الكبيرة على استضافة البطولات أكبر بكثير من قدرات الدول النامية والأقل تطورا وحجما، نظرا لتطور ووجود وضخامة بنيتها الأساسية الرياضية والعامة، ما يعطيها ميزة في استضافة البطولات العالمية على الدول الأصغر والأقل تطورا.

ولرفع جاذبية استضافة البطولات، خصوصا لدى الدول الأقل تطورا والأصغر حجما ينبغي مراجعة سياسة احتكار "فيفا" إيرادات المنافسات الدولية بالكامل، وتخصيص جزء ولو يسيرا من الإيرادات للدولة المستضيفة.
يتصرف "فيفا" عموما كمحتكر عالمي للبطولات العالمية لكرة القدم، لكنه يتمتع بقبول واسع ولا يواجه معارضة من دول العالم.

ويعود هذا على ما يبدو لاختلافه عن الاحتكارات التجارية، كمشاركة جميع دول العالم تقريبا في صنع قراراته، ولكون احتكاره في خدمة ترفيهية وليست ضرورية، كذلك تختلف أهداف "فيفا" عن أهداف الاحتكارات التجارية لأنها غير هادفة ومعظمة للأرباح، كما أنه يسخر موارده عموما لهدف عالمي وهو تطوير اللعبة.

يضاف إلى ذلك عدم تحمل الحكومات دفع اشتراكات عضوية اتحاداتها الكروية فيه، بل تلقيها بعض المخصصات والاستفادة من المعونات الفنية التي يقدمها "فيفا". ونظرا لكون "فيفا" يجني إيراداته من القطاع الخاص والجمهور لهذا نادرا ما تسمع معارضة قوية من أي دولة لممارسات "فيفا".

صحيح أن هناك بعض التساؤلات حول إدارة "فيفا"، لكن كل المؤسسات في العالم معرضة لممارسات غير قانونية، والمهم هو الحد - قدر الإمكان - من حجم وتأثير الممارسات غير القانونية. لقد تطورت لعبة كرة القدم كثيرا وانتشرت على مستوى العالم، لكن جهود "فيفا" ليست الوحيدة التي تقف وراء ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي