44 مليار ريال صكوك وسندات قائمة للمصارف السعودية بنهاية النصف الأول من 2022
أظهر رصد لـ"الاقتصادية"، أن الصكوك والسندات القائمة للمصارف السعودية بلغت 44.16 مليار ريال بنهاية النصف الأول من العام الجاري 2022، وذلك في مؤشر إيجابي، خصوصا أن معظم أنشطة الاستدانة جاءت عبر فوائد منخفضة، ما يعزز تمويل نمو القروض وتعظيم عوائد المساهمين.
يأتي هذا الحراك وسط طفرة تاريخية لإصدارات أدوات الدين المقومة بالريال من القطاع المصرفي السعودي.
ولم يتضمن الرصد الإصدارات الدولية المقومة بالعملات الصعبة والصادرة من البنوك السعودية. ويقصد بأدوات الدخل الثابت "القائمة" إصدارات السندات والصكوك التي تم إصدارها في الأعوام الماضية ولم يحن أجل إطفائها.
وأسهمت جاذبية الفائدة على السندات والصكوك في جعل قطاع المصارف يفضل الاستدانة المحلية على نظيرتها الدولية.
وتوزعت الإصدارات القائمة من أدوات الدين على تسعة مصارف مدرجة في السوق السعودية.
وفي الآونة الأخيرة، لاحظ المراقبون أن صعود أسعار الفائدة الدولارية قد عزز طلب الشركات المحلية على أدوات الدين المقومة بالريال، ولا سيما أن الاقتراض بالريال أصبح أرخص منه بالدولار. وإذا استمرت أسعار الفائدة الدولارية في ارتفاعها فإن من شأن ذلك أن يؤدي إلى تباطؤ التوجه نحو السندات المقومة بالعملات الصعبة.
وفي الوقت الحالي هناك انقسام بين المصرفيين حول وضع الإصدارات الخليجية من السندات خلال الفترة المقبلة، حيث وجدت جهات الإصدار نفسها بين مواجهة تحديات تقلبات الأسواق أو المضي قدما في الإصدارات.
وعلى الرغم من أن هناك وفرة في أعداد المستثمرين الراغبين في شراء أدوات الدين الخليجية، إلا أن ذلك تقابله صعوبة تقبل الشركات لدفع علاوة سعرية للتعويض عن مخاطر السوق.
نوعان من أدوات الدين
تتم الاستعانة بنوعين من أدوات الدين، التي تتميز عن غيرها، الموجودة في الأسواق، لكونها داعمة لرأسمال البنوك الخليجية ولتصبح بذلك بمنزلة مصدات رأسمال قوية لمواجهة أي تحديات ائتمانية.
وبحسب رصد وحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية"، يحظى توجه البنوك السعودية والخليجية نحو الصكوك والسندات في الآونة الأخيرة بأهمية كبيرة للقطاع المالي، نظرا لكون هذه الإصدارات أصبحت بمنزلة "الظاهرة" وعديد من المساهمين يبحثون عن أهمية الاستعانة بتلك الأدوات.
مع العلم أن تلك الأدوات المالية ستسهم في تمويل التعافي الاقتصادي للمنطقة، عبرعمليات الإقراض الجديدة سواء للأفراد أو القطاع الخاص.
وتتباين نوعية أدوات الدين التي تستعين بها البنوك الخليجية. فعلى سبيل المثال برزت إلى السطح أدوات دين نادرة متوافقة مع "بازل 3" (النوع الأول). وتبرز تلك الأدوات إلى واجهة القطاع المصرفي الخليجي، لكون خصائص تلك الأدوات تمزج بين خاصية الأسهم والدين، الأمر الذي جعلها بمنزلة "مصدات رأس مال قوية" من وجهة نظر المساهمين وشركات التصنيف الائتماني العالمية والجهات التنظيمية المحلية.
على الجانب الآخر هناك الصكوك والسندات الدائمة perpetual. وأظهر الرصد أن إجمالي قيمة ما تم إصداره من أدوات الدين الدائمة - ليس لها تاريخ محدد لأجل استحقاقها - الخاصة بالبنوك السعودية يصل إلى 10.1 مليار ريال بنهاية الربع الأول من 2021، شاملة للإصدارات المقومة بالريال والدولار، وذلك وفقا للبيانات المتاحة.
وعلى الرغم من ان أدوات الدين الدائمة ليس له تاريخ استحقاق، فإنه يحق للبنك الاختيار بين سداد قيمة الصك بعد خمسة أو ستة أعوام من الإصدار. ويرجع سبب تسديد بعض البنوك الخليجية قيمة استحقاق تلك الأدوات قبل انتهاء مدة صلاحية خيارات إعادة الشراء لإظهار قوتها المالية. فعلى سبيل المثال قد يدفع أحد البنوك لمدة ستة أعوام من إصدار السندات الدائمة عائدا 5.25 في المائة. إلا أن هذا العائد قد يصبح 3.75 في المائة في حال قرر البنك عدم استرداد أداة الدين، الأمر الذي يقود إلى تخفيض تكلفة التمويل إلى مستويات قياسية مقارنة بخيار إعادة التمويل.
إلا أن المستثمرين لن يكونوا سعداء بحصولهم على عائد أقل على الرغم من أن المستندات القانونية تسمح بذلك لجهة الإصدار. لذلك تفضل البنوك القوية استدعاء تلك الأدوات لتبقي على ودية علاقاتها بالمستثمرين الأجانب. يذكر أن بعض البنوك الخليجية تسير على نهج تلك المنهجية التفضيلية للمستثمرين.
وتنظر جهات التصنيف الائتمانية بإيجابية نحو تلك الأدوات لأنها داعمة للمتانة المالية الخاصة بالمؤسسات المالية. وتتميز تلك الإصدارات بأنها تدعم قاعدة رأسمال البنوك الخليجية وترفع من كفاية رأس المال إضافة إلى تنويع مصادر التمويل. وبخلاف أن تلك الإصدارات داعمة لرأس المال، فإنها تسهم في تمكين البنك من تقديم تمويل "قروض" طويلة الأجل وتخفض من النسبة الخاصة بنسبة القروض إلى الودائع.
واستند الرصد حول إجمالي الإصدارات السعودية المدرجة في السوق المحلية والدولية، إلى بيانات منصة "سي بوندز" التي يستعين العاملون في أسواق الدخل الثابت بمنصتها من أجل تتبع حركة مؤشرات أسواق الائتمان العالمية، فضلا عن تقييم أداء السندات التي يستثمرون فيها.
يذكر أن تلك الإصدارات لا تزال مستمرة حتى الآن من البنوك الخليجية. فعلى سبيل المثال، نقلت منصة "ريد"، المتخصصة في التحليلات المتعمقة عن أدوات الدخل الثابت في الأسواق الناشئة - عن مصادر مصرفية لم تسمها - توجه عدة بنوك خليجية نحو إصدار صكوك دولارية، داعمة للشريحة الثانية.
موقف وكالات التصنيف الائتماني
تحمل إصدارات الصكوك الدائمة معها علاوة سعرية بسبب التباين في درجة التصنيف الائتماني بين الصك نفسه وبين المصرف "جهة الإصدار". ويرجع ذلك إلى كون الجهة المصدرة لديها تصنيف من الدرجة الاستثمارية - على سبيل المثال "A3" - إلا أن الصك نفسه يتم منحه تصنيفا دون الدرجة الاستثمارية - على سبيل المثال "B2" - حيث يثق المستثمرون بمتانة تلك البنوك، وهم كذلك على استعداد لتحمل إيقاف الدفعات الدورية، إن حدث ذلك الأمر.
وتظهر نظرة تاريخية أن بنوك منطقة الخليج تعد أول من تبنى صكوك بازل في 2012 عبر بنك أبوظبي الإسلامي "ذلك قبل ماليزيا". وخلال تلك المرحلة المبكرة، لم تواكب البنوك المركزية الخليجية ذلك كما يجب، وذلك عبر سن القواعد التنظيمية التي تيسر على البنوك الخليجية تبني هذا النوع من الهياكل بشكل أوسع.
وعلى الرغم من أن إصدارات تلك الفترة كانت داعمة لرأسمال البنوك إلا أن بعض المستشارين القانونيين يرون أن بعض هذه الإصدارات في الحقيقة لا تمتثل لمتطلبات "بازل 3"، إلا أن موقف البنوك المركزية في الخليج قد تغير بدرجات متفاوتة منذ 2018 وأصبحت البيئة التنظيمية مشجعة لمثل هذه الإصدارات.
فوائد منهجية
يعطي توجه البنوك السعودية إلى لأسواق الدولية، بعد الانضمام إلى مؤشرات الأسهم العالمية، مؤشرات إيجابية على سعيها نحو تنويع مصادر تمويلها من أجل مواكبة حجم النمو الائتماني المحلي غير المسبوق والمستمر حتى الآن.
وأشار رصد سابق للصحيفة نشرته في 20 يونيو 2020، إلى وجود ما لا يقل عن ثماني فوائد للمصارف، التي تستعين بأدوات الدين بشقيها من السندات والصكوك، أولها، أن تلك الاستراتيجية تسهم في تحسين مستويات "نسبة القروض إلى الودائع" التي أصبحت أدوات الدين للمصرف تدخل في حسبتها، بحسب اقتصادي "بلومبيرج".
وثانيها، زيادة أحجام النمو الائتماني للمصرف، الأمر الذي قد يعزز من أرباح المساهمين، فضلا عن أن الاستدانة الدولارية الخارجية تسهم في تعزيز فائض سيولة القطاع المصرفي المحلية.
وإضافة إلى ذلك، فإن بعض متحصلات أدوات الدين الدولارية للمصارف يعاد توظيفها لمنح كبار العملاء قروضا بنكية في العملة الصعبة بدلا من اقتصار القروض المجمعة على المصارف الدولية، خامسا، وهي أهم فائدة، تكمن في تحسين إدارة آجال الاستحقاق عبر إطالتها، لتتواءم مع الآجال الطويلة للأصول العقارية.
سادسا، تسهم تلك الاستراتيجية في تعزيز القاعدة الرأسمالية للبنك عبر دعم الأنشطة المصرفية، وسابعا تسهم الإصدارات في تنويع مصادر التمويل بدلا من الاعتماد الكلي على الودائع أو الاكتتاب في أسهم جديدة.
وأخيرا يسهم استغلال بيئة الفائدة الثابته في تثبيت lock in فائدة أداة الدين لخمسة أعوام فأكثر، والتحوط من ارتفاع الفائدة في المستقبل.
طلب قوي على صكوك نادرة
ازداد طلب مستثمري الأسواق الناشئة على العدد القليل من أدوات الدين الخليجية على نوع نادر من الصكوك "الدائمة" أو ما يعرف بـPerpetual التي تصدرها المصارف الخليجية من أجل الامتثال للقواعد التنظيمية لرأس المال.
ويرجع سبب الطلب عليها لكون الجهة المصدرة لها تتميز بتصنيفها الاستثماري المرتفع الممزوج بالعائد الربحي السنوي الذي يكون ما بين نطاق 6 في المائة إلى 8 في المائة، الذي يوزع على المستثمرين بشكل سنوي. ولو كان الإصدار بالهيكلة الكلاسيكية للصك، لكان العائد أقل من 5 في المائة لجهة الإصدار ذات الدرجة الائتمانية الاستثمارية نفسها.
وأسهم الطلب المتعاظم على الصكوك التابعة لرأس المال التكميلي في الأسواق الثانوية في جعلها تتداول داخل نطاق القيمة العادلة لنظيرتها من سندات الشريحة الأولى من رأس المال الصادرة من البنوك الدولية ما بين 50 نقطة أساس إلى 200 نقطة أساس، في إشارة إلى مقدار الإقبال الإيجابي من المستثمرين على الصكوك.
وتوافق الطلب على الصكوك التي تمزج بين الديمومة والعائد الرفيع جعل هذا النوع من الأصول النادرة يحقق الأداء الأفضل طوال العام خلال التداولات الثانوية.
الصكوك الدائمة
تتميز تلك الإصدارات بأنها تدعم قاعدة رأسمال البنوك الخليجية وترفع كفاية رأس المال إضافة إلى تنويع مصادر التمويل، وبخلاف أن تلك الإصدارات داعمة لرأس المال، فإنها تسهم في تمكين البنك من تقديم تمويل "قروض" طويلة الأجل وتخفض نسبة القروض إلى الودائع.
وقبل الصكوك الدائمة، ابتدأت البنوك الخليجية في إصدار الصكوك المكملة لرأسمالها قبل عشرة أعوام، إلا أن هيكلة الصكوك أخذت في التطور تزامنا مع إرشادات "بازل 3" وتوجيهات الجهات التنظيمية.
وتتميز الصكوك "الدائمة" بأنها ليست مرتبطة بتاريخ استحقاق معين، وهذه النوعية من الهياكل غير منتشرة داخل المملكة، لكنها تحظى بشعبية لدى المؤسسات المالية في منطقة الخليج.
تعزيز نسب كفاية رأسمال البنك
تكمن الغاية من إصدارات الصكوك القادمة من البنوك الخليجية في أن معظمها موجه نحو دعم القاعدة الرأسمالية للبنوك، وفق متطلبات "بازل 3"، وهذه الإصدارات تختلف عن الصكوك العادية التي هي في النهاية دين.
وتعد "الصكوك الممتثلة لبازل" بحسب نوعية الهيكلة، تمويلا رأسماليا "أقرب إلى الأسهم" وليس دينا، ويسهم هذا النوع من الإصدارات في إيجاد طريقة أخرى لتعزيز توظيف رأسمال البنك إلى جانب الطريقة الكلاسيكية جمع رؤوس أموال من إصدار أسهم إضافية.
وتعزز إصدارات الصكوك تلك عمل "مكونات" الأدوات الاستثمارية التابعة لرأس المال الأساس والتكميلي، وهذه المكونات تشتمل على الأدوات الهجينة والثانوية، فرأس المال الأساسي Tier1 يتكون من أسهم الملكية وكذلك الشريحة الأولى، أي أن رأس المال الأساسي ينضوي تحت أسهم عادية وصكوك.
ويرافق رأس المال المساند الشريحة الثانية Tier 2 الأدوات الاستثمارية من صكوك وأدوات هجينة وغيرها، وتتميز صكوك "بازل" بأن الإصدار دائم وليس له تاريخ استحقاق، ويحق للبنك سداد قيمة الصك بعد خمسة أعوام من الإصدار.
ولا تعد البنوك صكوك بازل بمنزلة "المطلوبات" liability بل تعدها من مكونات رأس المال، ويملك البنك الحرية في وقف توزيعات الأرباح الدورية على حملة الصكوك عند شروط معينة، وتلك الأرباح غير الموزعة لن تتراكم ولا يحق للمستثمرين المطالبة بها.
وحدة التقارير الاقتصادية