الانتقال الحتمي
تداعت صور من ذهبوا وأنا أتابع حديث أحد علماء الدين عن اللحظات الأخيرة في حياة الواحد منا. تحدث الرجل عن بشارات يراها من يصل إلى مرحلة النهاية، فتذكرت قوله تعالى، "فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون"، ولهذه الآية شواهد رأيتها بأم عيني لمن وصلوا إلى مرحلة النزع الأخير، وهم يشاهدون ما لا نشاهد وينتقلون من عالم إلى عالم بكل بساطة.
الانتقال الحتمي لكل واحد منا حاصل، ولا يمكن أن ينكره أحد لأنه مخالف لما وضعه الله من قوانين تحكم الحياة الدنيا، ومن يعيش فيها، ولا يغرنك من يتحدثون عن تناسخ الأرواح وعودة الواحد إلى عالم الدنيا بعد الموت، فذلك أمر مستحيل، ولهذا فنحن مطالبون بأن ننجز كل ما نريد إنجازه في هذه المهلة التي بين أيدينا فلا بديل لها ولا عودة لمن انتهى منها.
عندما يؤمن الواحد بتلك الحقيقة ويستوعبها ويعلم أن وقتها ومكانها أمران ليس له فيهما أي تدخل أو قرار، يصبح البحث عن الخاتمة الحسنة أمرا حتميا، وبه يستعين الواحد لما سيقابله في الحياة المقبلة. عندنا نحن المسلمين وأغلب من يؤمنون بالأديان السماوية علم بعالمين آخرين، هما عالم البرزخ وعالم الآخرة، ولكل منهما علامات تدل عليه ومواقف وحال تميزه.
مع أنني أميل إلى أن عالم البرزخ هو عالم ينتفي فيه عنصر الزمن، حيث يبقى أول من مات من البشر وآخر واحد، الوقت نفسه، وهي أهمية يجب أن نؤمن بها بناء على العدل الذي هو من القيم التي خلقها الله ويحققها للجميع. فما يكون لواحد أن يبقى في تلك الحياة أكثر مما يعيشه آخر، وهذا المفهوم نفسه الذي ينطبق على الحياة الدنيا نفسها مع اختلاف في تأثير الزمن في أهل الأرض بحكم سيطرة الزمان والمكان ولجمهما لكثير من حركات وسكنات البشر.
لا أهدف إلى تقديم محاضرة عن رؤيتي للأمور، وإنما الهدف هو نشر مفهوم مراجعة النفس كل يوم وإن أمكن أكثر من ذلك، لأن الحياة الدنيا دار ممر، ولنعيش في السعادة الأبدية لا بد أن نستعد إلى دار المقر وهي الدار الآخرة التي لا نهاية لها وتحمل من المزايا والمخاطر ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.