«بريكست» .. هل وجدت الشركات صوتا يمثلها؟
بعد ما يقارب عامين من دخول اتفاقية التجارة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي - بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي - حيز التنفيذ، كان رؤساء الشركات في قاعات المؤتمر السنوي لاتحاد الصناعة البريطاني "سي بي آي" الشهر الماضي ما زالوا يتحدثون عن معاناتهم الخلافات على الحدود، وعدم الوصول إلى العمال المهرة من الاتحاد الأوروبي.
لكن الاختلاف الملحوظ عن الاجتماع في العام الماضي هو أنه للمرة الأولى منذ مغادرة المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي، كان قادة الشركات يأملون إجراء محادثات أكثر واقعية مع السياسيين حول الآثار السلبية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في التجارة والاستثمار.
"أقول لمؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إن أفضل ضامن لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو الاقتصاد الذي ينمو، وإن أكبر المخاطر هي الاقتصاد الذي لا ينمو"، كما قال توني دانكر، المدير العام لاتحاد الصناعة البريطانية، الذي يمثل نحو 200 ألف شركة.
تعرض اتحاد الصناعة البريطانية في الماضي لانتقادات من أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من حزب المحافظين، الذين هاجموا الاتحاد على خلفية دعمه حملة البقاء في الاتحاد الأوروبي في 2016. قدم النواب والمسؤولون في داونينج ستريت مرارا وتكرارا ملخصات ضد قادة الشركات بسبب ضغطهم على الحكومة لتحسين العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي، ولا سيما بقيادة بوريس جونسون الذي قيل إن رده على مخاوف الشركات بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان بقوله "اللعنة على الشركات".
لطالما أكدت مجموعات الشركات أن سياسة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد طغت على الحقائق الاقتصادية. لكنهم قالوا "إنهم بدأوا يلحظون هذا العام تحولا في المزاج السياسي"، ويرجع ذلك نسبيا إلى التغييرات الوزارية بعد خروج جونسون وليز تراس، وأيضا لأن التأثير الاقتصادي لـ"بريكست" يصبح أكثر وضوحا، بعد أن حجبته الجائحة في البداية.
قال بن فليتشر، رئيس السياسة في منظمة ميك يو كيه، التي تمثل عديدا من الشركات المصنعة التي ما زالت تواجه صعوبات في استيراد القطع والبيع في الخارج "تبدو المحادثات مع الوزراء الآن طبيعية أكثر بكثير مرة أخرى، حيث عادت لتصبح محادثات صادقة حول ماهية المشكلات وما يقترحه الناس. ففي السابق كانوا يتحاشون الحديث حول هذه الأشياء، لكن الناس الآن بدأوا يصغون لنا".
فيما قالت سارة بولارد، المديرة المالية في "بي زد كاسونز"، للمندوبين في مؤتمر اتحاد الصناعة البريطاني "إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان له تأثير واضح للغاية في المقدرة للوصول إلى المواهب وكسب ثقة المستهلك"، وأضافت أن "الارتباط الوثيق مع أوروبا، كما هو الحال مع أي تكتل تجاري رئيس، من شأنه أن يمنح الاقتصاد مزيدا من المرونة والازدهار".
كما ركز عديد من النقاشات التي تخللت المؤتمر على النمو بدلا من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وشدد على الحاجة إلى تخفيف الضربة التي نجمت عن البيئة الاقتصادية المتدهورة. قال قائد إحدى الشركات "هذه ليست محادثات حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. بل هي محادثات حول النمو".
في إشارة إلى تجدد العلاقات، دعت الحكومة مجموعات الشركات إلى اقتراح أفكار لتحسين مناخ الاستثمار في الوقت المناسب قبل إصدار الميزانية المقبلة في الربيع. وقال أحد كبار رجال الأعمال "قيل لنا إن البيان الذي سيصدر في الخريف سيكون حول النداءات المالية الصعبة، لكنه تناول موضوع الوزراء الذين سيرجعون الربيع المقبل بسياسة صناعية مؤيدة للنمو".
تعد الشركات واقعية بشأن المدى الذي تدفع به لتغيير السياسات، حيث قال فليتشر "لا أحد يريد إلغاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. لكن يمكننا التحدث عن كيفية جعله يعمل بشكل أفضل وكذلك حل بعض المسائل مثل نقص العمالة مع إعادة فتح قائمة النقص في المهن".
كما أصبحت الشركات أكثر جرأة للتحدث بصراحة، وذلك بسبب تأثير الفوضى السياسية التي شوهدت في الأشهر الأخيرة، التي أثرت بشكل واضح في ثقة المستثمرين. قال كارل إنيس، الرئيس التنفيذي لشركة سيمنز في المملكة المتحدة لـ"بي بي سي" الأسبوع الماضي "إن ما نفتقر إليه في المملكة المتحدة هو الاستقرار (...) لقد رأينا أنه من الصعب جدا جذب رأس المال إلى المملكة المتحدة، وهذا يشمل الصناعة بشكل عام".
قال جوني راوتافوري، الرئيس التنفيذي لشركة ثارسوس، وهي شركة مصنعة مقرها في بليث، التي فاز المحافظون في 2019 بمقعدها الذي يوصف "بالجدار الأحمر" - تعبيرا عن الدوائر الانتخابية التي تدعم حزب العمال في وسط وشمال بريطانيا ـ "إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا يزال مصدرا لعدم اليقين"، وأضاف أيضا "إن اللعبة النهائية غير واضحة، فإذا كنت تقدم عطاء لمشروع طويل الأجل، أو إذا كنت ترغب في الاستثمار، فكيف سيكون المستقبل؟ لا علاقة للتنظيم بهذا. إن الأمر يتعلق بالقدرة التنافسية".
كانت الانتقادات للحكومة وسياساتها صريحة خلال العشاء السنوي لجمعية الصناعات الكيماوية، الذي أقيم ليلة إلقاء جيريمي هانت بيان الخريف.
رفضت الحكومة إرسال وزير لحضور المناسبة، كما جرت العادة في الأعوام السابقة، لكن عندما تم الإعلان عن ذلك، صفق الجمهور الذي كان يضم مئات المندوبين من بعض أكبر الأسماء في الصناعة البريطانية بعفوية.
تعد صناعة الكيماويات - التي تصدر ما تزيد قيمته 50 مليار جنيه استرليني سنويا، التي تذهب نصف صادراتها إلى الاتحاد الأوروبي - مكونا رئيسا في التصنيع في المملكة المتحدة وتوظف 150 ألف عامل ماهر بشكل مباشر.
كانت الخطب التي ألقاها رئيس جمعية الصناعات الكيماوية ورئيسها التنفيذي يائسة من التناوبات الأخيرة للمحافظين على منصب رئيس الوزراء، مع ظهور صور غير جذابة لجونسون وتراس على شاشات كبيرة الحجم.
قال توم كروتي، رئيس جمعية الصناعات الكيماوية، "إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ما زال يتسبب في حدوث رياح معاكسة للصناعة"، وسأل "لماذا تبدو المملكة المتحدة كأنها لا تحترم أكبر شركائنا التجاريين".
اتفق آخرون معه في ذلك. حيث كانت فلورنس فيرزيلين، نائبة الرئيس التنفيذي للصناعة والتسويق والاستدامة في شركة داسولت سيتيميز، قد أشارت إلى أنه لا يمكن للشركات اعتماد سوى أحدث التقنيات وتطبيق أفضل الممارسات من خلال "حقوق التجارة الشاملة العابرة للحدود (...) ما يسمح بالوصول إلى التبادل المعرفي بين المؤسسات المختلفة عبر الدول".
وأضافت "ينبغي أن يكون هناك وصول مستمر عبر الحدود لتسهيل المشاركة والعلاقات بين العلماء وخبراء التكنولوجيا في مختلف الدول، بدلاً من العودة إلى عالم لا توجد فيه هذه المهارات إلا في دولة واحدة فقط".
يأمل قادة الشركات أن يكون جرانت شابس وزير التجارة الجديد أكثر انفتاحا من أسلافه في استكشاف طرق لمساعدة الشركات على التعامل مع التحديات التي تواجهها. حيث كان وزراء التجارة السابقون مهتمين فقط بالاستماع إلى الفرص التي يوفرها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدلا من التحدث عن كيفية معالجة المشكلات، وفقا لأشخاص شاركوا في المناقشات مع الوزراء.
فيما يرى سايمون فرينش، كبير الاقتصاديين في "بانميور جوردون"، حدوث تحول في الطريقة التي تتم بها مناقشة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد أن أشارت تقارير غير مؤكدة - قبل أن يتم دحضها بعد ذلك - إلى أن الحكومة يمكن أن تدرس إبرام اتفاقية تجارية مع الاتحاد الأوروبي على النمط السويسري.
قال فرينش "إن حقيقة التطرق إلى الموضوع من الأساس قد أثار نقاشا بين المستثمرين. لقد تساءل المستثمرون المحليون أخيرا عن نتيجة إعادة تقييم المملكة المتحدة كمكان للاستثمار... هل هي خطة مبتكرة تهدف إلى النمو، هل هي إصلاحات لجانب التوريد، أم أن الطبقة السياسية في المملكة المتحدة لا تتظاهر بصراحة بأنها تؤمن بشيء غير صحيح إطلاقا؟".
وأضاف "سأجادل بأن السؤال الأخير هو الأكثر أهمية على المدى القصير. إذ إن وزراء المملكة المتحدة لا يبدون كأشخاص جادين، إذا كانوا يتظاهرون بأن تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي غير حقيقي".
كانت الشركات تسعى لتتعامل مع المسؤولين فيما يخص السياسة المستقبلية. في الأسبوع الماضي، أرسلت لجنة تشكلت من المجموعات التجارية والقانونية والعمالية والبيئية البريطانية برسالة إلى شابس، تجادل فيها بأن مشروع قانون الاتحاد الأوروبي المحتفظ به، الذي يسعى إلى إزالة القوانين المستمدة من الاتحاد الأوروبي من كتاب النظام الأساسي بحلول نهاية العام، سيثبت أنه مكلف وبيروقراطي ومن شأنه أن يقوض اليقين والاستقرار الذي يحتاج إليه العمال والشركات إذا كان للاقتصاد نصيب من الازدهار.
في حديثه أثناء وجوده في مصنع هوليوود الجديد التابع لشركة فورد بعد الإعلان عن استثمار بقيمة 150 مليون جنيه إسترليني الخميس، قال تيم سلاتر، رئيس شركة فورد في بريطانيا "ما يهم المملكة المتحدة حقا هو الاستمرار في التأكيد على اتفاقية التجارة والتعاون مع الاتحاد الأوروبي وضمان استقرارها".
وأضاف "إذا أنفقنا كل هذه الأموال، فسيكون استثمارا يمتد بين عشرة إلى 15 عاما، و نحتاج إلى التأكد من أن تبقى البيئة مستقرة. إن أهم مسألة بالنسبة إلينا هي أن ترعى الحكومة هذه الاتفاقية وتحميها".
مع ذلك، هناك مخاوف من أن الضعف السياسي لسوناك يمكن أن يدفعه بسهولة إلى تشديد موقفه تجاه "بريكست" من أجل كسب الفصائل المتعنتة في حزبه إلى جانبه. يقول بعض قادة الشركات "إنهم لم يشهدوا تقدما يذكر حتى الآن في تعاملاتهم مع المسؤولين".
كما قال وليام باين، رئيس السياسة التجارية في غرف التجارة البريطانية، "إنه شعر الآن بقدوم مزيد من الرياح المواتية لإثارة القضايا المتعلقة بالحواجز غير الجمركية في اتفاقية التجارة والتعاون"، ولكن لا يزال هناك اختلاف بسيط في المشاركة العملية على المستوى الرسمي.
وقال "يجب أن يتعاملوا معنا بنشاط أكثر فيما يتعلق بالحلول التي قدمناها نحن وغيرنا. لا يزال هناك فرق ملحوظ بين المشاركة في التجارة العالمية وتلك التي تشمل الاتحاد الأوروبي".