«سي إن إن» محايدة في أمريكا المنقسمة .. فهل سيشاهدها أحد؟
بعد مضي ستة أشهر على عمله الجديد، توجه كريس ليخت، الرئيس التنفيذي لشبكة سي إن إن، إلى غرفة المؤتمرات المضاءة بنور الشمس، لتقديم أفكاره المتعلقة بإنقاذ أول قناة إخبارية أمريكية تعمل على مدار 24 ساعة من فوضى منتصف عمر خطيرة. كان ذلك في منتصف تشرين الأول (أكتوبر) وكان حول طاولة الاجتماع على الأرجح جمهور فردي بالنسبة إلى ليخت: حيث اجتمع مجلس إدارة شركته الأم وورنر براذرز ديسكفري، في فندق فاخر في لوس أنجلوس من أجل "التراجع" الاستراتيجي الأول للشركة المدمجة.
كان ديفيد زاسلاف الرئيس التنفيذي القلق لشركة وورنر، حاضرا في الغرفة، إلى جانب مرشده جون مالون، الملياردير الليبرالي في صناعة البث والمتبرع السابق لترمب، وستيف نيوهاوس أكبر مساهم في شركة وورنر، وسليل عائلة وسائل الإعلام التي تقف وراء شركة كوندي ناست. كان لدى هؤلاء الرجال الثلاثة مجتمعين خبرة قرن في صناعة البث، ولم يكن يوجد نقص في وجهات النظر حول ما هو أفضل بالنسبة إلى شبكة سي إن إن.
جاء ليخت، المنتج التلفزيوني المحترم الذي أدار أخيرا برنامج ليت شو مع ستيفن كولبرت، مسلحا بثرثرة مرحة ومجموعة من شرائح العرض. لكن لا شيء يمكن أن يخفي التحول المشؤوم في حظوظ شبكة سي إن إن.
بكل مقياس مالي يمكن تصوره، فإن الشبكة التي كانت تجلب الأخبار التلفزيونية الأمريكية تتعثر. انخفضت الإيرادات، والمبيعات والأرباح، في حين ارتفعت التكاليف. في الوقت نفسه، التقييمات مروعة، ففي وقت سابق من هذا الشهر، تراجعت شبكة سي إن إن عن شبكة إم إس إن بي سي في ليلة الانتخابات الأمريكية للمرة الأولى في تاريخها، حيث اجتذبت 2.6 مليون مشاهد مقابل 7.4 مليون مشاهد لقناة فوكس نيوز و3.2 مليون لقناة إم إس إن بي سي. يقول أحد المسؤولين التنفيذيين في شبكة سي إن إن، "أكره أن أقول هذا لكن عندما أنظر إلى المستقبل، أرى مشكلات بلا نهاية". التخفيضات الحادة، بما في ذلك تقليص مئات من الوظائف، أصبحت وشيكة.
كانت خطة ليخت، التي تم عرضها على مجلس الإدارة، هي إعادة شبكة سي إن إن إلى جذورها، أقرب إلى الروح التأسيسية لتيد ترنر، الذي سعى إلى "جعل الأخبار هي النجم" بدلا من الآراء التي تنتشر عبر القناة في الأعوام الأخيرة. على حد تعبير زاسلاف، فإن شبكة سي إن إن الجديدة "ستناضل من أجل مبدأ الصحافة أولا"، وستكون "أكثر من مجرد سياسة". كانت حركة ليخت هي محاولة جعل شبكة سي إن إن تبدو كأنها صحيفة، عبر تغليف الأخبار العاجلة بمحتوى آخر متعلق بنمط الحياة والرياضة على أمل أن يبقي المشاهدين مشدودين للحظة، حتى في الأيام التي تخلو من الأخبار المهمة.
ستبقى بعض الآراء، لكن بنهج مختلف بشكل ملحوظ. أخبر ليخت "فاينانشيال تايمز"، "واحد من أكبر المفاهيم الخاطئة حول رؤيتي هو أنني أريد أن أكون سلاميا، وأن أكون وسطيا. هذا هراء. يجب أن تكون مقنعا. ويجب أن تكون لديك ميزة. وفي كثير من الحالات، يجب أن تنحاز إلى أحد الأطراف. وفي بعض الأحيان، تطرح فقط الأسئلة غير المريحة. لكن في كلتا الحالتين، لا يمكنك رؤية الأمور من خلال عدسة اليسار أو اليمين".
لاحظ الزملاء لاحقا أحد الجوانب المثيرة للفضول في بيان المجلس. لم يواجه ليخت أي استجواب مالي، وفقا لأشخاص مطلعين على الاجتماع. أوضح كل من زاسلاف، ومالون ونيوهاوس الأمر: كانت الأرقام ثانوية لإعادة بناء علامة تجارية رأوا أنها ملطخة بالدعم ذي الميول اليسارية، والأمر الذي أصبح أكثر وضوحا خلال أعوام إدارة ترمب. لقد أرادوا إصلاح ذلك، ووقفوا بقوة وراء ليخت.
كان لدى ليخت تفويض من الأعلى. لكن بالنسبة إلى منتقديه في أوساط كبار المسؤولين في شبكة سي إن إن، كانت هذه هي المشكلة بالضبط. سأل مسؤول تنفيذي ثان ساخط على شبكة سي إن إن "ماذا يقول ذلك عن استقلالنا التحريري؟"، كان غاضبا من أعضاء مجلس إدارة شركة وورنر الذين انتقدوا "سي إن إن" علنا، ولا سيما دعوة زاسلاف "لصراخ أقل" ومناشدة مالون الشبكة للحصول على مزيد من "صحافيين فعليين".
لعل الأهم من ذلك هو أن النهج الجديد يسعى إلى تحدي حقيقة غير مريحة لجميع الشبكات الإخبارية في أمريكا. حقبة ترمب - المليئة بالغضب والانقسام والخلاف - حققت تقييمات جيدة بشكل مذهل وأرباحا قياسية. كان الانقسام جيدا للأعمال. كانت محطة سي إن إن تحت إدارة ليخت ستحاول ما يبدو مستحيلا: إصلاح الشؤون المالية للشبكة وفي الوقت نفسه معارضة هذا التيار.
يقول المدير التنفيذي لشبكة سي إن إن، "لا أتذكر أبدا معلنا واحدا اشتكى من أن القناة كانت متعنته. انظر، ليس هناك جمهور وسطي الرأي. لا وجود له. إنه سراب".
على الرغم من التشاؤم، فإن شبكة سي إن إن علامة تجارية إخبارية عالمية لا تزال تدر مبالغ كبيرة من المال، إذ قدر فريق ليخت أن الأرباح التشغيلية هذا العام ستراوح بين 700 مليون دولار و750 مليون دولار، وفقا لثلاثة أشخاص مطلعين على الحسابات. لكن هذا يمثل انخفاضا بمقدار نصف مليار دولار تقريبا عن ذروة ربحية شبكة سي إن إن في عهد جيف زوكر سلف ليخت، مدير تلفزيوني قاد شبكة سي إن إن الأكثر ثراء في الرأي خلال طفرة الأخبار في عهد ترمب.
إذا استمر هذا الانخفاض، فهذه مشكلة لا يمكن لشركة وورنر براذرز ديسكفري، التي تحمل 47.5 مليار دولار من صافي الديون، تحملها. فبعد ستة أشهر فقط من إتمام اندماج شركة وارنر مع شركة ديسكفري بقيمة 43 مليار دولار، يتعرض زاسلاف لضغوط من المستثمرين لخفض النفقات بمليارات الدولارات من خلال إعادة هيكلة وصفها أخيرا بأنها "فوضوية". تم تخفيض أسهم الشركة إلى النصف هذا العام حيث فقدت وول ستريت صبرها مع "حروب البث المباشر" المسرفة في هوليوود. بطريقة أو بأخرى، في الأعوام المقبلة ستحتاج شبكة سي إن إن إلى كسب قوتها داخل نطاق شركة وارنر. هل يمكن ليخت قلب الموازين؟
الخدع الذكية
فقدت جميع قنوات الأخبار التلفزيونية الرئيسة مشاهديها منذ خروج ترمب من البيت الأبيض، لكن تقييمات "سي إن إن" كانت الأسوأ في المجموعة. في نهاية أكتوبر، انخفض جمهور شبكة سي إن إن في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوى له منذ 2015، حيث جذبت 431 ألف مشاهد فقط يوميا. في ليلة الانتخابات، انخفض جمهورها 49 في المائة عن التصويت في انتخابات منتصف المدة الأخير 2018، ما تسبب في قشعريرة للجميع في غرفة الأخبار. وعلق أحد صحافيي "سي إن إن" قائلا، "عادة ما نسيطر على الليلة".
لعل الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن حصة شبكة سي إن إن من رسوم المشتركين في البث، النعمة التي جعلت أنموذج أحد أعظم أعمالها في تاريخ الأخبار، من المتوقع أن تنخفض بنسبة تصل إلى 6 في المائة في 2022، وفقا لشخصين مطلعين على الحسابات. هذا هو العام الثاني على التوالي من الانخفاض. ولا يرى المديرون التنفيذيون نهاية تلوح في الأفق. بعد ثلاثة عقود من توزيع الأموال التي تدفع الشركة، تحتاج قيادة "سي إن إن" إلى مصادر جديدة للإيرادات لمجرد البقاء في مكانها.
وصف أحد الموظفين القدامى في شبكة سي إن إن الأمر على أنه "أسوأ وقت" في الشبكة منذ أن التحق بها في منتصف التسعينيات. تم طرح النقطة نفسها على ليخت الأسبوع الماضي خلال احتفال مميز في قاعة المدينة استضافته أليسين كاميروتا مذيعة "سي إن إن"، طرحت فيه أسئلة صريحة قدمها الموظفون ألقت بظلال من الشك على استراتيجية الرئيس التنفيذي ومصداقيته وحتى إذا ما كانت الرسالة التي وجهها إلى الموظفين، التي تحذر من تخفيضات مقبلة في الوظائف "إنسانية".
قال ليخت نادما، وفقا لتسجيل حصلت عليه "فاينانشيال تايمز"، "كان هذا العام جحيما. قلت في أول حفل لي في قاعة المدينة كيف كانت هذه المنظمة تتعرض للضربات المؤلمة. كان آخر ما أريده هو أن أصبح ضربة مؤلمة أخرى. وأعلم أن ما نقوم به الآن يعد ضربة مؤلمة أخرى".
على مدار 42 عاما في صناعة البث، شهد أسلاف ليخت كثيرا من حالات الصعود والهبوط: الذعر بسبب التقييمات، والفضائح التحريرية والمشكلات الاستراتيجية. كما كان الاستقرار على هوية "سي إن إن" صراعا شبه دائم منذ أن تطوقت من قبل قناة "فوكس نيوز" على اليمين، وقناة "إم إس إن بي سي" على اليسار.
لكن تحديات إعداد البرامج كانت دائما ضد خلفية النمو التجاري. حتى في حالة انخفاض مبيعات الإعلانات، استمرت عوائد توزيع البث الثابت في التدهور. انخفضت أرباح شبكة سي إن إن بشكل حاد هذا العام، لكنها لا تزال ضمن أفضل ست نتائج للشركة البالغة من العمر 42 عاما.
ينبع تحدي ليخت الفريد من كونه أول قائد لشبكة سي إن إن يواجه أزمة التقييمات، والركود الإعلاني، والروح المعنوية المنخفضة، والأهداف الصعبة لخفض التكاليف، وإعادة الضبط التحريري والانحدار الهيكلي في أنموذج أعمال "سي إن إن"، كل ذلك في الوقت نفسه.
يقول زميل تنفيذي ثالث "لقد أعطيت له أصعب المهام. يبدو كأنه لم يقم بعمله على أكمل وجه. لكن هذه ليست الحقيقة. تمتع سلفه بظروف أكثر اعتدالا". في غضون أسابيع قليلة من توليه منصب الرئيس، تم تكليف ليخت بإلغاء "سي إن إن بلص"، مشروع بث قيمته 300 مليون دولار لم يمر عليه سوى أسابيع قليلة.
إضافة إلى التحدي، فإن المنظمة لا تزال حزينة على رحيل زوكر، الذي أطيح به في وقت سابق من هذا العام بعد فشله في إعلان أن له علاقة غرامية بزميلة كبيرة. كونه حادا، ومفرط الحركة، ويميز المخفي والظاهر، أصبح حضورا فريدا في شبكة سي إن إن الحديثة. كاد دون ليمون أن يبكي عند ذكره مغادرة زوكر مباشرة على الهواء.
يقول أحد الموظفين المخضرمين في غرفة الأخبار في "سي إن إن"، "كان جيف محبوبا للغاية من نواح عديدة. لقد قاد المنظمة كاملة بطريقة شخصية للغاية وانهار كل شيء بعد مغادرته (...)، ألقى بنا خروج زوكر في دوامة من الارتباك. ولم نتعاف حقا"، يضيف مسؤول تنفيذي لشبكة سي إن إن، "ليس لدى ليخت قوة فائقة، ليس مثل زوكر. الشخص الوحيد الذي أنقذه هو زاسلاف، وذلك لأنهم يهتمون بالسياسة أكثر من الشركة".
كان الجانب السلبي لارتفاع التصنيفات في ظل حكم زوكر - ورئاسة ترمب التي دفعته - هو التأثير في علامة "سي إن إن" التجارية.
ما كان يوصف يوما ما بأكثر الأسماء ثقة في الأخبار أصبح أكثر العلامات التجارية الإخبارية استقطابا في أمريكا. لا يوجد أي منفذ إخباري تلفزيوني آخر فيه فجوة كبيرة بين المستجيبين ذوي الميول اليسارية الذين يثقون بإنتاج "سي إن إن"، وأولئك على اليمين الذين يعتقدون أنها متحيزة، وفقا للاستطلاعات التي أجريت منذ 2018 من معهد رويترز لدراسة الصحافة في جامعة أكسفورد.
يقول ريك ديفيس، المدير التنفيذي السابق لشبكة سي إن إن الشهير الذي تقاعد العام الماضي بعد أطول مسيرة في أمريكا في مجال قنوات الأخبار، "إن الموقف غير المريح للشبكة مع المشاهدين ذوي الميول اليمينية يسبق هجمات ترمب القاسية". وتذكر راش ليمبو رائد البرامج الإذاعية الحوارية المحافظ، الذي انتقد "شبكة كلينتون الإخبارية"، التي لم تواجه في منتصف التسعينيات أي منافسة في مجال الأخبار المتداولة.
يقول ديفيس، الذي أنتج برامج الفترة المسائية في قناة سي إن إن على الهواء في 1980 واستمر في الإشراف على ثمانية برامج سياسية منفصلة، "يمكنك تجاهل سي إن إن. لقد تغيرت الدولة كاملة. لا أحد في أمريكا يعتقد أن المشهد السياسي كما كان عليه قبل عشرة أو 20 عاما من حيث كيفية تغطيتك للأخبار (...) كان من المنطقي تضمين مزيد من التحليل والرأي المستنير الذي ساعد على إيجاد برامج مميزة".
يعترف مسؤول تنفيذي سابق آخر في شركة وورنر، عمل مع زوكر، بأنه "بينما غير ترمب كتاب القواعد للصحافة، فقد بالغت شبكة سي إن إن في حالتها"، يقول "في تاريخ سي إن إن (...) في كل مرة تحرف سي إن إن علامتها التجارية الإجمالية إلى السياسة، تخسر".
بدأ ليخت في إعادة ضبط نهجه. فالمواهب البارزة على الهواء كبريان ستيلتر المذيع الإعلامي، وجون هاروود مراسل البيت الأبيض، تركوا شبكة سي إن إن. وأصبحت لافتات "الأخبار العاجلة" التي كانت موجودة في الأوقات الماضية أكثر ندرة الآن. ليخت، الذي لديه سجل في تنقيح البرامج الصباحية على قنوات سي بي إس وإم إس إن بي سي، أطلق أيضا قناة سي إن إن هذا الصباح، داعما ثلاثيا من المذيعين الذين ينحدرون من لويزيانا وألاباما ومينيسوتا. تريد "سي إن إن" أن ينظر إليها على أنها تنسحب من السياسة.
إنها بعيدة كل البعد عن أن تكون ثورة، لكن المطلعين على "سي إن إن" يقولون "إن استطلاعات الرأي تشير إلى أن الجماهير قد لاحظت بالفعل التغيير في النهج". ويرى ليخت ببساطة أنها عودة إلى الأساسيات بعد انحرافها في أعوام ترمب، "لو كان كل شيء يمثل أزمة، إذا كان كل شيء أخبارا عاجلة، فلن يستمع أحد عندما تكون هناك أزمة بالفعل. مثل عندما تقول، "لا، لا - حقا - إن المنزل يحترق الآن".
البحث عن النمو
إن السؤال الذي لم يتم الرد عليه هو إذا ما كان التحول التحريري منطقيا من الناحية التجارية.
يعتقد جون كلاين، الذي أدار عمليات "سي إن إن" في الولايات المتحدة في حقبة ما قبل زوكر، أن "الصحافة الموضوعية" هي "أذكى استراتيجية لشبكة سي إن إن والاستراتيجية الوحيدة التي ستنجح".
يقول "سيحصلون على تقييمات أعلى إذا توقفوا عن الضغط على الرأي العام لكن عليهم الإسراع. فالانفصال يحدث". يعتقد كلاين أن "الأخبار الموثوقة التي لا تحاول تغيير رأيك" هي فرصة تجارية هائلة.
كما أن فريق مبيعات الإعلانات في شركة وورنر مقتنع أيضا بأن المعلنين سيقدرون فرصة الظهور بجانب علامة تجارية موثوق بها، ودفع علاوة مقابل ذلك. تبيع "سي إن إن" بالفعل الإعلانات بمعدلات أعلى لكل مشاهد من قناة فوكس نيوز أو إم إس إن بي سي، وفقا لشركة إس آند بي ماركت إنتليجنس. يراهن ليخت على استراتيجيته التحريرية التي تعزز هذه الميزة.
لكن الأسئلة الجدية لا تزال قائمة، حتى في أوساط كبار فريق ليخت. فمشاهدو الأخبار على القنوات الإخبارية المنتظمون هم أكثر تعصبا للأحزاب ومولعون بالأخبار في دولة شديدة الاستقطاب. في الوقت الذي كانت تقدم فيه قنوات فوكس وإم إس إن بي سي لهؤلاء المشاهدين ما يريدونه، اعتمدت "سي إن إن" في الماضي على الأحداث الكبيرة لجماهيرها الأكبر. لكن المجموعة الهائلة من منافذ الأخبار الرقمية وخيارات الترفيه قوضت حتى هذه الميزة.
إن ليخت يتجاهل الشكوك. ويقول "إن هناك عشرات الملايين من الأشخاص الذين قرروا أن قنوات الأخبار القديمة لم تعد جزءا من حياتهم، وأن الأمر لا يستحق وقت فراغهم. علي أن أتخيل أنه يمكننا الوصول إلى مرحلة، لا أعرف، يكون فيها لديك 250 ألفا منهم تراوح أعمارهم بين 24 و54 عاما يتفاعلون معك. سيبدو ذلك كأنه نجاح باهر".
سيكون رهانه الكبير الآخر على الأصول الرقمية لشبكة سي إن إن، التي تشمل أحد أكبر مواقع الأخبار باللغة الإنجليزية في العالم، وتستضيف أكثر من 500 مليون زيارة شهريا، وفقاً لموقع سيميلار ويب التحليلي. تم إهمال العملية داخل شبكة سي إن إن خلال العامين الماضيين، واستثمر ليخت في التكنولوجيا لتحسين تجربة المستخدم عالية الأداء.
تتضح حاجة "سي إن إن" إلى إيجاد مصادر جديدة للنمو في نهاية المطاف في عالم حيث رسوم القنوات الاخبارية، التي لا تزال تمثل أغلبية إيراداتها، في تراجع على المدى الطويل. في الوقت الحالي، العقود المبرمة مع موزعي القنوات الإخبارية تمنع "سي إن إن" فعليا من القدرة على بث قناتها الإخبارية على منصات الإنترنت "لا تحتوي النسخة الأمريكية من سي إن إن بلص على أخبار مباشرة". لكن المديرين التنفيذيين في شركة وورنر يأملون التغلب على ذلك. إذ سيتم إطلاق منصة جديدة العام المقبل لتحل محل قناة إتش بي أو ماكس، ومن المتوقع أن تكون "سي إن إن" علامة تجارية بارزة في حزمة وورنر للبث المباشرة
إن قلق ليخت المباشر هو التخفيضات داخل "سي إن إن"، التي تعاني بالفعل الإلغاء المفاجئ لقناة سي إن إن بلص. بينما طلب ليخت من فريقه التنفيذي النظر في طرق "تصحيح حجم" الشبكة، أصبح هذا التمرين الافتراضي في الأسابيع الأخيرة بمنزلة دافع شامل لخفض التكاليف. إذ يجب توفير نحو مائة مليون دولار هذا العام، وهو ما يعادل أقل بقليل من عشر ميزانية "سي إن إن". من المتوقع ألا يؤدي ذلك إلى تخفيض مئات الوظائف فحسب، بل سيؤدي إلى إغلاق البرامج وربما حتى محطات كاملة في إمبراطورية "سي إن إن". قال ليخت للموظفين "سيتم الكشف عن تخفيضات الوظائف في أوائل كانون الأول (ديسمبر)".
إن هذه التخفيضات منفصلة من الناحية الفنية عن التخفيضات البالغة 3.5 مليار دولار التي تسعى مجموعة وورنر إلى تحقيقها عبر المجموعة. لكن مشكلات وورنر المالية تضع معايير لأهداف أداء صعبة لشبكة سي إن إن. تحت ملكية مجموعة الاتصالات المترامية الأطراف "إيه تي آند تي"، لم تكن "سي إن إن" كبيرة بما يكفي لتكون جوهرية لشركتها الأم، واستمتعت بتركها تفعل ما تشاء. مع وورنر، أصبح جونار فيدينفيلس المدير المالي للمجموعة الرقيب الأول عليها. إذ يقول أحد أعضاء فريق إدارة "سي إن إن"، "لم أر مديرا ماليا بهذه القوة من قبل".
أدت حاجة شركة وورنر إلى إصلاح ميزانيتها العمومية وسداد بعض ديونها إلى تغذية التكهنات الدائمة بأنه قد يتم تعليق قناة سي إن إن في الأشهر المقبلة. قال أحد المسؤولين التنفيذيين السابقين في شركة وورنر "إن مشترين محتملين اتصلوا به أثناء تقييمهم لما إذا كانوا سيقدمون عرضا أم لا".
يرى بعض كبار المسؤولين في "وورنر" أن "سي إن إن" هي أحد الأصول القابلة للفصل التي يمكن بيعها دون الإضرار بأعمال البث الأساسية لشركة وورنر. لكن زاسلاف أوقف الحديث الجاد عن البيع. فهو ما يطلق عليه ليخت أحد "المعجبين بسي إن إن"، الذي يرى أنها أصل ثمين للغاية بحيث لا يمكن التخلي عنه. حتى لو تم بيعها، فإن تراجع "سي إن إن" في الربحية قد يعني أن الأصل قد ينتقل إلى مالك آخر مقابل مبلغ ضئيل يراوح بين ستة مليارات دولار وثمانية مليارات دولار، وهو ما لا يكفي لتغيير حجم مديونية مجموعة وورنر.