إجازة التفرغ .. انتحار مهني أم ازدهار؟

إجازة التفرغ .. انتحار مهني أم ازدهار؟

ما الذي يشترك فيه المدير المالي الجديد لبنك "إتش إس بي سي" مع أحد كبار كتاب الجريمة في العالم وملياردير صاحب شركة عملاقة تكنولوجية في وادي السيليكون؟
الجواب ليس واضحا، لأن كل واحد منهم فرد في مجموعة مختلفة عن غيره. لقد أخذوا جميعا إجازة تفرغ من وظيفة يحسدون عليها في شركة وعادوا ليجدوا أنفسهم على طريق نحو نجاح أكبر وأكثر جرأة.
قصة جورج الحيدري هي الأكثر إثارة للدهشة. كان في أواخر الأربعينيات من عمره والرئيس المشارك للخدمات المصرفية الاستثمارية في "إتش إس بي سي" في كانون الثاني (يناير) عندما أعلن أخذه إجازة لستة أشهر من أجل "تطوير ذاته". كانت هذه خطوة نادرة لأي أحد في عالم الخدمات المصرفية الاستثمارية الذي لا يرحم، خاصة أحد كبار المصرفيين. وكذلك ما حدث تاليا.
عندما عاد الحيدري، بعد أن تعلم قليلا من لغة الماندرين، تمت ترقيته إلى منصب المدير المالي في خطوة جعلته منافسا على المنصب الأعلى، الرئيس التنفيذي.
هنا درسان مهمان، بدءا من فكرة أن إجازة التفرغ بمنزلة انتحار مهني لأن أي أحد يأخذها يصبح أقل التزاما بمهنته بوضوح.
يظهر الحيدري خلاف ذلك، ما يؤدي إلى درس ثان، احذر من التحدث بسوء عن زميل في طريقه ليصبح في طي النسيان في بيئة العمل بسبب إجازة طويلة. قد تجده عائدا إلى المكتب بحزم، ويصبح رئيسك في العمل.
يمكن استخلاص استنتاجات مختلفة من أفراد آخرين في مجموعة التفرغ العظيمة. قبل أن يصبح كاتب الجريمة النرويجي الكاتب الأكثر مبيعا، درس جو نيسبو ليصبح محللا ماليا وتلقى عرضا من شركة وساطة كبرى، "دي إن بي ماركتس"، لإنشاء قسم الخيارات فيها.
كان يعزف أيضا على الجيتار في فرقة ليلا، وبعد عام، كان منهكا جدا لدرجة أنه أخبر كلا من رئيسه والفرقة بحاجته إلى إجازة لستة أشهر. كتب ذات مرة، "ركبت على متن طائرة متجهة إلى أستراليا، لأبتعد عن النرويج قدر المستطاع".
على متن الرحلة الطويلة من أوسلو إلى سيدني، ابتكر حبكة لرواية عن محقق ينقصه الكثير لكنه محبوب، يدعى هاري هول. بحلول الوقت الذي عاد فيه إلى وطنه، كان نيسبو قد أنهى تقريبا أول عمل أصبح سلسلة أفلام الإثارة الشهيرة "هاري هول"، وكان في طريقه ليصبح ظاهرة في عالم النشر تقدر بملايين الدولارات.
تقدم قصة نيسبو درسا مختلفا عن إجازات التفرغ، فهي لا تخرج دائما عاملا تعلوه سمرة مرتاح ومتحمس ليعمل بولاء أقوى لأعوام. أحيانا ينتج عنها منافس، مثل مارك بينيوف، المؤسس المشارك لشركة برمجيات سيلزفورس.
كان بينيوف يتقاضى راتبا بملايين الدولارات فيما وصفه في مذكراته، عندما ناله عدم ارتياح شديد، بأنها "أعظم وظيفة يمكن أن أتخيلها على الإطلاق"، في شركة أوراكل ذات النفوذ للبرمجيات. حين أخبر رئيسه بذلك، لاري إليسون، المؤسس المشارك لشركة "أوراكل"، قال له الرجل الأكبر سنا أن يأخذ إجازة لثلاثة أشهر. ذهب بينيوف إلى الهند، جاءه إلهام وبدأ يفكر في إنشاء شركة للبرمجيات. بعد ذلك بعامين، غادر "أوراكل" وأنشأ "سيلزفورس"، مثيرا منافسة شديدة أحيانا مع إليسون.
ماذا يبين كل هذا؟ من جهة، أن الافتراضات السهلة في الأغلب ما تكون خاطئة في الحياة المؤسسية، كما هو الحال في معظم الحياة عموما. الرغبة في نيل قسط من الراحة من أعوام العمل الدؤوب تضيء بتوهج داخل كثير من الناس، بمن فيهم الذين لا يرغبون في الاستقالة أو التقاعس عن العمل.
بالمثل، لا تضمن إجازات التفرغ حصول الولاء للشركة تلقائيا. ستعمل شعبيتها على إلهام عديد من الموظفين الالتزام بالعمل، حتى لو أظهرت الأبحاث أن الآثار المبهجة لستة شهور من الراحة يمكن أن تتلاشى فور العودة إلى العمل. لكن من المستبعد أن يظل أشخاص مثل بينيوف ونيسبو في وظيفتهم نفسها بسبب إغراء الاستراحة الطويلة، بغض النظر عن مدى رغبتهم فيها في ذلك الوقت.
في النهاية، إذا كنت تعمل في شركة تقدم إجازة تفرغ، فأنت محظوظ للغاية، ولا سيما في الولايات المتحدة. عرض 5 في المائة فقط من أرباب العمل إجازة تفرغ مدفوعة الأجر في 2019، وفقا لمسح أجرته جمعية إدارة الموارد البشرية لأعضائها المقيمين في الولايات المتحدة. وما يعد حالا لا بأس به، عرض 11 في المائة منهم برنامج تفرغ غير مدفوع الأجر.
لمعظمنا، يعد هذا النوع من الإجازات ثمينا، لذا تمتع بها إذا استطعت، حتى لو أخفقت في تحقيق كل ما تتوقعه أنت أو زملاؤك أو رؤساؤك.

الأكثر قراءة