التنويع بعيدا عن الصين.. ليس خيارا سهلا

التنويع بعيدا عن الصين.. ليس خيارا سهلا

أصبحت المواجهات التي تحدث في أكبر مصنع في الصين لهواتف آيفون في العالم تؤثر في المتسوقين في جميع الأنحاء. وصلت أوقات الانتظار لطرازات هواتف أبل الذكية المتميزة في الولايات المتحدة إلى مستوى قياسي يصل إلى 37 يوما - ما يعني أنه قد لا يتم تسليمها قبل "الكريسماس"، وفقا لشركة كاونتربوينت ريسيرتش. على الرغم من أن التأخيرات تبدو بسيطة، فإنها تعد علامة واضحة على المشكلات التي تمر بها حاليا سلاسل التوريد العالمية للصناعة.
كان مصنع أبل الرئيس للتجميع في مدينة جانغشاو، الذي يصنع نحو ثلاثة أرباع أجهزة آيفون في العالم، بما في ذلك طراز برو 14 الأحدث، يعاني اضطرابات عمالية وإغلاقات بسبب كوفيد- 19. هذه ليست حالة وحيدة. في جميع أنحاء البلاد، تتعامل الصين مع واحدة من أهم موجات الاحتجاج التي تشهدها منذ عقود كما تتعامل مع عدد قياسي من الإصابات الجديدة بكوفيد- 19.
هناك طريقتان أمام بكين للتصرف. يمكن للسلطات إخماد مزيد من الاضطرابات الاجتماعية والتمسك بعمليات الإغلاق، أو أن تتجه نحو تحرك تدريجي لتخفيف القيود من أجل تهدئة مشاعر الاستياء المتنامية. لكن السيناريو الثاني هو المرجح للحدوث، يتوقع محللون أن تعيد الصين الآن تحرير اقتصادها بالكامل من قيود الإغلاق قبل الربع الثاني من 2023 الذي كان متوقعا في السابق.
لكن الضرر سيكون قد لحق بالاقتصاد في كلتا الحالتين. حتى لو تخلت الصين عن سياسة صفر كوفيد في وقت أبكر من المتوقع، ستصبح المشكلة حينها معدل التطعيم المنخفض نسبيا لديها. وبسبب سياسات العزل الصارمة التي حدثت على مدى العامين الماضيين، أصبح عدد الحالات التراكمية - والمناعة الطبيعية - في البلاد منخفضا للغاية عند 0.01 في المائة من السكان، الأمر الذي يزيد من خطر تفشي العدوى بعد معاودة الفتح.
يعمل ما يقارب ثلث سكان الصين في قطاع التصنيع. سيكون للارتفاع المفاجئ في حالات الإصابة بفيروس كورونا تأثير مباشر في سلاسل التوريد، وسيؤدي إلى زيادة خطر حدوث نقص حاد في أعداد العاملين.
من المتوقع أن تؤثر القيود الحالية الأخف والأقصر في أكثر من خمس إجمالي الناتج الصيني. كما أن زيادة عمليات الإغلاق لتشمل مدنا أكثر ولفترات أطول من شأنها أن تتسبب في إحداث تأثير دائم وكبير في الاقتصاد العالمي. تسبب فرض القيود لمدة شهرين في مدينة واحدة فقط هذا العام، وهي شنغهاي، في تقويض سلاسل التوريد العالمية لأشهر عديدة.
في حقيقة الأمر، تعد درجة اعتماد عمليات التصنيع على الصين هائلة. تتصدر الصين الحصة السوقية العالمية للإنتاج في ثلاثة أرباع فئات التصنيع في العالم التي تتتبعها الأمم المتحدة، بما في ذلك الملابس والأدوية والمواد الكيميائية وأجهزة الحاسوب والمعدات الكهربائية والصناعية. كما تسيطر على أكثر من 80 في المائة من عمليات التكرير واستخراج المواد الخام في العالم التي تدخل في صناعات رئيسة كبطاريات السيارات الكهربائية. فيما تتأكد هذه المخاطر من خلال حقيقة أن مدينة قوانغتشو - مركز التصنيع في البلاد - أصبحت بؤرة لأحدث موجات الإصابة بالمرض.
لذلك، ليس من المستغرب أن التنويع بعيدا عن الصين قد تم طرحه منذ أعوام كحل للاضطرابات في سلسلة التوريد. لكن، حتى لو كانت الإرادة موجودة، فما مدى سهولة فعل ذلك؟ قبل عقد فقط، عندما كانت مرتبة الصين متدنية في سلسلة القيمة التصنيعية وكانت أهمية المستهلكين الصينيين بالنسبة إلى الشركات العالمية محدودة، ربما كان هذا الخيار أسهل.
أما الآن، أصبح النظام البيئي الشامل للتصنيع الذي يختلف من موردي المكونات إلى الحلول الهندسية جزءا لا يتجزأ من مراكز التصنيع في الصين. هذا يخفض التكاليف ويجعل الإسراع في إحداث تغييرات في المنتجات وطرحها أمرا ممكنا، لكنه يجعل مسألة نقل التصنيع إلى دول أخرى أكثر تعقيدا.
كما أنه لا يوجد كثير من البدائل المنطقية عن الصين. خيارات التصنيع الموجودة في جنوب شرق آسيا تفتقر على الأقل إلى أحد العاملين اللذين جعلا الصين "مصنع العالم"، وهما الحجم وانخفاض تكاليف العمالة. فيتنام، التي تملك قوة عاملة أقل من عشر القوة العاملة في الصين، تفتقر إلى الحجم. بينما تعد تكاليف العمالة في تايلاند أعلى نسبيا. كما أن الناتج التصنيعي للهند يبلغ عشر الصين.
ستؤدي الزيادة الناتجة في تكاليف العمالة والخدمات اللوجستية من التنويع أيضا إلى زعزعة أسس نموذج الأعمال الخاص بالمصنعين المتعاقدين الذين يعملون من خلال هوامش تشغيل ضئيلة للغاية. كان هامش شركة فوكسكون التي تصنع هواتف آيفون أقل من 2.5 في المائة العام الماضي، في حين كان هامش نظيرتها شركة بيغاترون يبلغ 1.3 في المائة.
الأهم من ذلك، الصين أصبحت أكبر سوق استهلاكية خارج الولايات المتحدة لعدد متزايد من الصناعات والشركات. بالنسبة إلى المجموعات الأجنبية مثل تسلا وأبل وسامسونج، فإن نقل الإنتاج إلى مكان قريب من السوق يساعدها على التقرب من بكين حتى تتغلب على المعوقات أمام الأعمال التجارية الأجنبية.
يبدو أن الاضطرابات ستستمر إلى ما بعد "الكريسماس". كما أن معظم الشركات متجذرة أصلا لدرجة أنها لا تستطيع إجراء تغييرات كبيرة على العمليات. لذا يجب الآن التخطيط لمخاطر سياسية أعلى وصدمات متواترة في سلاسل الإمداد باعتبارها تكلفة عادية لممارسة الأعمال التجارية في الصين.

الأكثر قراءة