الرياضة سفيرة السلام والإنسانية
من المؤسف أن تتزايد الاضطرابات والحروب والأزمات في العالم، بخلاف المتوقع والمنطق الذي يقول بأن يؤدي ارتفاع مستوى التعليم، وتقدم وسائل التواصل وانتشارها في كل أرجاء المعمورة، إلى تعزيز القيم الإنسانية وتوطيد السلام والاستقرار والاحترام بين شعوب الأرض، لكن واقع الأحداث وطبيعة العلاقات بين الدول يخالفان ذلك كثيرا، رغم تزايد المنظمات الأممية وعقد المعاهدات وإقرار القوانين وإنشاء المحاكم الدولية.
لعل التنظيم الرائع لمونديال كأس العالم لكرة القدم بدولة قطر الشقيقة، الذي لم يسبق له مثيل من حيث التنظيم وحسن الضيافة، أسهم بدرجة ملحوظة في تعزيز التقارب بين الشعوب المختلفة، علاوة على تعميق المفاهيم الصحيحة للثقافة العربية والإسلامية في نفوس شعوب الأرض، لا أقول التعريف بالثقافة العربية والإسلامية فهي معروفة لدى الجميع، لكن تجديد التعريف بها بأسلوب محبب للنفوس من خلال الرياضة، كونها المرة الأولى التي تنظم كأس العالم في دولة عربية.
هناك وقفات تستدعي الإشارة، منها إبراز المنطقة العربية للعالم، ففي هذا المونديال تشارك أربعة منتخبات عربية مميزة، هي: المغرب، والسعودية، وقطر، وتونس. ومن الملاحظ أن تشجيع هذه المنتخبات الأربعة أدى إلى مزيد من التقارب بين الشعوب العربية بعد تفكك واضطرابات نتيجة ما يسمى الربيع العربي، وأكد هذا المونديال أن الشعوب العربية قريبة من بعضها معتزة بعروبتها، واتضح ذلك جليا بعد فوز السعودية على الأرجنتين، وما أحدثه ذلك الفوز من بهجة لدى الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، وتكرر ذلك عندما فازت المغرب على كندا. وبناء عليه، قد يقول قائل لقد أثبتت الرياضة أنها أكثر فاعلية في تعزيز هذا التقارب والتفاعل بين الشعوب العربية من الفعاليات الثقافية والمؤتمرات السياسية.
وعلى المستوى الدولي، فإن حفل الافتتاح الأسطوري المبهر بفقراته المعبرة التي تمزج بين التقاليد القطرية والثقافة العالمية، شهد تقاربا سياسيا بحضور قادة دول كثيرة، في مقدمتهم: ولي عهد المملكة العربية السعودية، وملك الأردن، ونائب رئيس دولة الإمارات، وولي عهد الكويت، والرئيس المصري، والرئيس الجزائري، والرئيس التركي، ورئيس السنغال، ورئيس رواندا، ورئيس ليبيريا، إلى جانب وزير خارجية المملكة المتحدة، وغيرهم.
وعلى مستوى الأفراد، برز خلال هذا المونديال تفاعل إيجابي بين المشجعين من دول غربية وشرقية من جهة، والجماهير العربية، خاصة الخليجية، من جهة أخرى، ما يؤكد التسامح لدى العرب وتقبلهم الآخر مع اختلاف الأعراق واللغات، خلاف ما تبثه بعض وسائل الإعلام الغربية.
ومن المواقف الإنسانية الجميلة التي تتداولها مواقع التواصل الاجتماعي بإعجاب شديد مشهد لاعب أمريكي يواسي لاعبا إيرانيا بعد المباراة الحاسمة بين إيران والولايات المتحدة، هذا الموقف الإنساني الرائع يتجاوز الخلافات والمواقف السياسية الساخنة بين البلدين.
ختاما: إن الرياضة لا تؤدي إلى زيادة التقارب والترابط بين الناس في الأسرة الواحدة، أو داخل الوطن الواحد، بل بين الناس في أوطان مختلفة، ومن ثم تسهم في تعزيز الانطباعات الإيجابية بين شعوب الأرض، ما يؤكد أن الرياضة سفيرة السلام والتقارب الإنساني بين دول العالم، وفيها يقول الشاعر معروف الرصافي:
يتراكضون وراءها في ساحة ** للســوق معـتــرك بهـا وصدام
لا تسـتـقـر بحالة فكأنها ** أمل به تتقاذف الأوهام
إن الجسوم إذا تكون نشيطة ** تقـوى بفضـل نشاطهـا الأحلام