أزمة الطاقة .. الصناعة الأوروبية تظهر قدرتها على التكيف

أزمة الطاقة .. الصناعة الأوروبية تظهر قدرتها على التكيف

اشتهر عن روبرت سولو الخبير الاقتصادي الكبير قوله، ساخرا، "إنه يمكن أن يرى ثورة تكنولوجيا المعلومات في كل مكان باستثناء إحصاءات الإنتاجية. وأستطيع اليوم أن أرى أزمة الطاقة في أوروبا في كل مكان باستثناء أرقام الإنتاج الصناعي".
بعد عام من ارتفاع أسعار الطاقة الكبير - إضافة إلى الغاز باهظ الثمن الذي تستخدمه الصناعات في عملية الإنتاج "مادة لقيم" - ألا تتوقع أن تتضرر الصناعة؟ خاصة أننا نعلم أن أوروبا تمكنت على الأقل من خفض استهلاك الغاز بشكل كبير استجابة لاستخدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الغاز كسلاح. ومرتين - على وجه الخصوص - لأننا سمعنا كثيرا من الشكاوى حول كيف أصبح التصنيع الأوروبي غير قادر على المنافسة وأن أمريكا ستجذب القاعدة الصناعية للقارة الأوروبية.
لكن ألق نظرة على حجم الإنتاج الصناعي المصنع في الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو. إذا تمكنت من اكتشاف كيف سحق بوتين الصناعة الأوروبية "ليس بسبب عدم المحاولة"، فأخبرني بذلك. الاتحاد الأوروبي عموما لم ينتج على الإطلاق كميات من البضائع المصنعة أكبر مما ينتجه اليوم. الشيء نفسه ينطبق على منطقة اليورو، على الرغم من أن أحجامها وصلت مرتين من قبل إلى أحجام كبيرة مشابهة، لكن لفترة وجيزة فقط "في أواخر 2017 وربيع 2008".
إذا نظرت إلى دول بعينها فستجد أن الأرقام تقفز قليلا إلى أعلى وإلى أسفل من شهر إلى آخر، لذلك لا شك في أنه يمكنك العثور على ما يبدو كأنه بضعة أشهر من الاتجاه التنازلي في بعض الدول. لكن جميع دول الاتحاد الأوروبي تقريبا زادت إنتاجها الصناعي في الفترة من أيلول (سبتمبر) 2021 إلى أيلول (سبتمبر) 2022 "آخر الأرقام الكاملة"، غالبا بكميات كبيرة. فإذا كافحت مع أسعار الطاقة غير العادية هذا العام، فهذا فعليا صراع نسبي تماما.
الأرقام تقريبية للغاية، ولا تقدم رؤى دقيقة حول كيفية تكيف المصانع في أوروبا. لكن هناك عديدا من الدراسات على المستوى القطري التي تتناول قطاع التصنيع بشكل أكثر شمولا، وهي تؤكد إلى حد كبير الصورة الكبيرة التي مفادها أن الصناعة أكثر قوة مما قد تبدو.
الأعمال الأكثر شمولا التي رأيتها كانت في ألمانيا. في الأسبوع الماضي نشر معهد إيفو مسحا أظهر أن من بين 59 في المائة من الشركات الصناعية التي تستخدم الغاز في عملية الإنتاج، ذكر 75 في المائة "نسبة مذهلة" أنها تمكنت من تقليل استخدام الغاز دون الحاجة إلى تخفيض الإنتاج. وأفاد ما يقارب 40 في المائة أن لديها مجالا للمناورة لاستهلاك كميات أقل من الغاز دون معاناة في الإنتاج. ولأن الغاز غير المستخدم في الإنتاج هو غاز يمكن استخدامه لتوليد الطاقة، فإن هذا يرقى إلى درجة عالية من القدرة على التكيف مع أسعار الطاقة المرتفعة.
باعترافها، حذرت أقلية صغيرة من الشركات من أنها قد تضطر ليس فقط إلى تقليص الإنتاج، بل إيقافه تماما إذا تعين عليها تقليل استخدام الغاز. وهناك أمثلة على إغلاق مصانع - للأمونيا المتعطشة للغاز، مثلا. لكن الوضع عموما أكثر إبهاجا مما قد يعتقده المرء.
على المنوال نفسه، تأتي الأفكار الأكثر تفصيلا من دراسة اقتصادية قياسية لاستهلاك الغاز من قبل جميع القطاعات الاقتصادية "صغار المستخدمين والمستخدمين الصناعيين ومحطات الطاقة" أجراها مركز معلومات لايبنيز للاقتصاد. يستبعد الباحثون في هذه الدراسة التأثيرات الخارجية في استخدام الغاز، كالطقس. واستجابة لارتفاع الأسعار منذ خريف 2021، وجد الباحثون أن الصناعيين وصغار المستخدمين قلصوا الاستهلاك بكميات كبيرة تصل إلى 19 و36 في المائة، على التوالي.
نشر بن مكويليامز، من مؤسسة بروجل للأبحاث، أرقاما على تويتر تظهر أن الصناعة الإيطالية استخدمت أخيرا غازا أقل بنسبة 24 في المائة من متوسط الفترة 2019 - 2021، بينما بقي إنتاجها الصناعي صامدا تماما. وقد أبدى ملاحظة مشابهة حول الصناعة الألمانية.
ما المحصلة النهائية؟ أوروبا خاضت الحرب الاقتصادية على أفضل مما تنسبه إلى نفسها في هذا الصدد. فالحرب هي الحرب. الاقتصادات الرأسمالية الديمقراطية الليبرالية قابلة للتكيف بشكل ملحوظ، ليس دون جهد، ولكن لأنها تمتلك الموارد الاقتصادية والسياسية، والأدوات اللازمة لاستخدامها، لامتصاص الصدمات بعزم.
يبدو أن الصناعيين أنفسهم أدركوا أن الضربة لم تكن بالصعوبة التي كانوا يظنونها. ويبدو أن قادة الشركات يتنفسون بسهولة أكبر مما كانت عليه الحال قبل أسابيع وشهور. ربما ينبغي لنا أن نشعر بالارتياح، لكن قليلا فقط، لأن الأمور إذا سارت بشكل أفضل مما كنا نخشاه، فإن قليلا من الرضا عن النفس هو كل ما يتطلبه الأمر لقلب الطاولة.

الأكثر قراءة