جينيسيس .. مبادرة لدعم عقود السندات الخضراء

جينيسيس .. مبادرة لدعم عقود السندات الخضراء

ربما لا يبدو هذا الوقت اللحظة المثالية لمؤسسة مثل "جولدمان ساكس" لتؤيد فوائد البلوكتشين أو الترميز. ففي النهاية، هاتان الكلمتان الطنانتان هما أول الكلمات التي ذاع صيتها في قطاع العملات المشفرة، الذي فقد ثلثي قيمته خلال العام الماضي. ومن المرجح أن يتسبب الانهيار الأخير لإمبراطورية سام بانكمان فرايد، "إف تي إكس"، في تجنب عديد من خبراء المال التقليديين الأصول الرقمية - إن لم يقللوا منها باعتبارها احتيالا.
مع ذلك، عندما اجتمع نشطاء البيئة والسياسيون والعلماء في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمناخ "كوب 27" الشهر الماضي، كانت روزي هامبسون، المديرة التنفيذية في "جولدمان ساكس"، تتحدث بسعادة عن كلتيهما. في الأشهر الأخيرة، انضم بنك وول ستريت إلى هيئة النقد في هونج كونج وبنك التسويات الدولية ومؤسسات مالية أخرى، لإطلاق مبادرة أسواق رأس المال المعروفة باسم جينيسيس "اسم تتشاركه للأسف مع وسيط التشفير المتعثر". تهدف مبادرة "جينيسيس" هذه إلى استخدام تكنولوجيا البلوكتشين والترميز المميز الرقمي لمساعدة المستثمرين الذين يشترون سندات متعلقة بالمناخ على تتبع أرصدة انبعاثات الكربون المرتبطة بها في الوقت الفعلي.
قالت هامبسون في حدث جانبي خلال مؤتمر المناخ "مع مبادرة جينيسيس، نفكر في كيفية استخدام البلوكتشين وتكنولوجيا العقود الذكية وأجهزة إنترنت الأشياء لدعم عقود السندات الخضراء". أشارت إلى أن هذا بإمكانه تغيير العملية من "البناء السعري وصولا إلى الإصدار الأولي وخدمة الأصول (...) وعنصر السوق الثانوية".
أو كما كررت بينيديكت نولينس، من بنك التسويات الدولية، في لقاء صوتي "بودكاست" أخيرا، "من الصعب في الواقع بيع سندات خضراء اليوم. لكن إذا تمكنت من إرفاق تعويض الكربون المستقبلي مع الترميز، فستصبح أكثر جاذبية للمستثمر النهائي".
لم يلق هذا رواجا في المؤتمر. لعله ليس مستغربا. يكره عديد من ناشطي البيئة المفهوم الكامل لتكنولوجيا البلوكتشين منذ الإصدارات المبكرة لهذه الطاقة المستهلكة. ونوع الدعاة الشباب المناهضين للمؤسسة الذين اندفعوا إلى العملات المشفرة في الأعوام الأخيرة يكرهون عموما فكرة مشاركة البنوك المركزية.
لكن على المستثمرين الانتباه. في حين لا تزال "جينيسيس" في طور التجربة، فهي ترمز إلى مغزى أكبر بكثير مفاده: على الرغم من أن انهيار العملات المشفرة ترك المستثمرين يعانون، إلا أنه لم يوقف تجارب البلوكتشين والترميز.
علاوة على ذلك، بدأت هاتان التكنولوجيتان تمتدان وتصلان إلى بعض الأماكن غير المتوقعة، مع تزايد الدعم الحكومي. يعمل البنك الدولي حاليا على تطوير أداة لسجلات أرصدة انبعاثات الكربون تستخدم نظام البلوكتشين يسمى "تشيا". وفي النظام المصرفي السائد، تجرى اختبارات للعملات الرقمية الصادرة من البنوك المركزية، التي تستخدم في معاملات الجملة "من بنك إلى بنك".
مثلا، تعمل هيئة النقد في هونج كونج حاليا مع بنك الشعب الصيني "المركزي" وبنوك مركزية أخرى على ما يسمى "إم بريدج"، مشروع لتمكينها من مبادلة الأصول على الفور. في أوروبا، كشف بنك فرنسا والبنك الوطني السويسري عن "جورا"، مشروع تجريبي لصرف العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية الأجنبية.
مع أن هذه المبادرات لا تزال مجرد مبادرات تجريبية، إلا أنها تمثل "بنية جديدة تماما"، كما قال أوسمين ماندينج، مستشار شركة أكسنتشر، أخيرا في اجتماع لمجموعة "يورو 50" في واشنطن. أو كما ردد أدريان توبياس، من صندوق النقد الدولي "الأمور الرئيسة التي استفدنا فيها من التشفير هي أفكار الترميز والتشفير ودفتر الأستاذ الموزع. إنها تكنولوجيات مهمة للغاية وهناك تجارب كثيرة جارية".
ما لا يثير الدهشة أن اللاعبين الذين يحركون هذه التجارب حريصون على إبعاد أنفسهم عن فضائح مثل انهيار "إف تي إكس"، مؤكدين أنهم يعملون تحت إشراف مؤسسي مكثف. كما يؤكدون أنهم يحاولون نشر هذه التكنولوجيات لحل مشكلات العالم الحقيقي، بدلا من مجرد استخدامها من أجل مصلحتهم.
مثلا، تحاول مبادرة جينيسيس حل المشكلة المتمثلة في أن سوق أرصدة انبعاثات الكربون اليوم مجزأة وغير شفافة لدرجة تجعل من الصعب على المستثمرين تتبع التضليل المحتمل حول الممارسات البيئية. ففي حين باع المصدرون الصينيون سندات خضراء بقيمة 300 مليار دولار، إلا أن الشفافية حولها منخفضة للغاية.
لكن باستخدام دفتر الأستاذ المحوسب الموزع المنسق "البلوكتشين"، يقول بنك التسويات الدولية و"جولدمان ساكس"، "إنه سيكون من الممكن القضاء على خطأ الحساب المزدوج والتحقق من أرصدة انبعاثات الكربون في المصدر". وبالمثل، يجب أن يجعل الترميز الرقمي تبسيط توزيع السندات وجذب مستثمري معاملات التجزئة إلى السوق لأول مرة ممكنا، وذلك بتقسيم السندات إلى أجزاء صغيرة. أو هكذا تقول الحجة.
هل يمكن تحقيق ذلك دون تكنولوجيات الأصول الرقمية؟ ربما. يمكن للبنوك نظريا بيع أجزاء من السندات الخضراء باستخدام العمليات الحالية. ربما تكون قادرة أيضا على إنشاء دفتر أستاذ عالمي واحد محوسب لأرصدة انبعاثات الكربون، إذا تعاونت مع بعضها بعضا ومع القطاع العام.
لكن الحقيقة القاسية هي أن هذه المبادرات الرشيدة لم تطبق بعد، في حين إن مجرد ظهور العملة المشفرة يثير إعادة التفكير في الممارسات الحالية بين اللاعبين القدامى وكذلك الدعاة الرقميين. لكن ربما ينتهي بإنتاج فوائد، حتى لو لم يتم اعتماد تكنولوجيا البلوكتشين نفسها على نطاق واسع.
هذا لن يجعل المستثمرين العاديين أقل تشككا في العملات المشفرة، لكنه يبين موضوعا أكبر: عندما ظهرت التكنولوجيات المغيرة في الماضي، سواء كانت السكك الحديدية أو الإنترنت، فإن النتائج على المدى القصير ليست هي المهمة دائما. لا يزال من المبكر الحكم على إذا ما كانت الأصول الرقمية يمكن أن تغير العالم، أو تجعله أخضر.

الأكثر قراءة