قراءات

قراءات
قراءات
قراءات

مدخل جانبي إلى البيت
لماذا يذكرنا هذا الكتاب بمزيج عجيب من جماليات المكان لباشلار، ومتوالية أصلان المنزلية، حتى فضاءات المكان لجورج بيريك؟ لا تأخذنا أمل السعيدي إلى أماكن عدة، بل إلى ذاتها الأكثر عمقا وتموضعها في "المسكن" بتفاصيله الساكنة والأقل ملاحظة، من "بورتريه لفرشان الأسنان" و"مقص الحبوب المنومة" إلى "سأقتل أبي" و"في الحقل، أنا غياب الحقل" بكتابة سردية جديدة خاصة لا تجافي الشعر ولا تتلون بالقص كثيرا. "لم يكن للبيت جيران، منزل جدي فقط، صنعنا هيئة المكان، تأويلاته المقتضبة، أليست هذه كلمة كبيرة؟ في أيام العمل والعطلات، في أوقات الفرح والحزن، أي سيارة ستمر من هنا ستكون لفحة حياة الآخرين التي تحيط بصاحبها هي حياتنا نحن، كان صوت العصافير يسيل في المكان أكثر من أي ضجيج قد نصدره في أوقات النهار، أما في الليل فإن الضباع التي تسكن في الوادي القريب تتكفل بإضافة جو ملحمي وبعجل فريد قد أمسى طبيعيا، كان صوت الأشياء الجامدة قويا، ولم نكلف أنفسنا عناء فعل شيء ما".

روما تيرمني
ينبهر المتابع لتجربة الروائية نجوى بن شتوان من دأبها على التجريب، ليس فقط على مستوى السرد بعناصره المختلفة، بل إنها تنبش كثيرا حتى تخرج لنا بموضوع -على أهميته ووضوحه- نكاد نلمسه جديدا وغنيا، وسريا أيضا. إذ بعد روايتيها "وبر الأحصنة" و"زرايب العبيد" ترحل بنا إلى إيطاليا في "روما تيرمني" لنلتقي المهاجرة "ناتاشا" التي تعمل في منزل لعجائز إيطاليات ثلاث، يعشن في ثراء الرأسمالية التي وهبتهن حياة رخية في الظاهر، يتسلطن بها على بقية شعوب الأرض، لكن لم ينل أبناؤهن منها شيئا، وكأن الأبناء في هجرة داخلية موازية. تتساءل ناتاشا في حوار لها "ما حاجتي للنجوم، أنا حاجتي بالمال فقط، غادرت بلدي من أجله ومن أجله سأعمل تحت أي سماء" لترد عليها إحدى العجائز الثلاث "ليست لإيطاليا قدرة عليكم أنتم المهاجرون، تغزونها من كل مكان وتسدون فرص العمل في وجوه شبابنا". إنها رواية عن حياة المهجر المعاصرة، عن التنازلات التي يضطر المهاجر لها الآن، عن الضحية الملامة دوما لا لذنب اقترفته بل لهويتها ومن تكون، عن هذا العالم المعاصر بخريطته البشرية دائمة التحول والسيلان، لا تلك الجغرافية بألوانها الثابتة، فالهجرة فعل لا ينقطع، ويبدأ فعليا ساعة الوصول إلى المهجر، أكان بلدا أو مجرد فكرة.

عباد الشمس
لم تحم الرقة، الشابة العشرينية النبيلة إيڤيلين من خيبات الحب، فتهجر بودابست ذاهبة إلى منزل أجدادها في قرية على ضفاف نهر تيسا، علها تحظى هناك بالسكينة وتنعم بالهدوء. لكن شعورها بالطمأنينة يهتز مع تصاعد شكوكها بوجود شخص يطوف حول منزلها. أتراه حبيبها كالمان؟ لا تعرف ما إن كانت تأمل ذلك أم تخشاه! تغرق إيڤيلين في عالم غرائبي يختلط فيه الأموات بالأحياء، والواقع بالأسطورة، فيبدو كل ما هو مستغرب شديد الاعتيادية، فتاة تعشق شجرة، رجل يتمدد في تابوته ويقرأ كتاب الصلوات، وأشباح عشاق خائبين يطاردون عشيقاتهم... في "عباد الشمس" يعتمد الكاتب الهنغاري جولا كرودي اللغة الوصفية والتداعي الحر الذي يختلط فيه الحلم بالحقيقة، ليدخل القارئ في أعماق شخصياته ويجعله يرى الطبيعة بعيونهم، راسما صورة الريف المجري الذي يمضي فيه الناس حياتهم باحثين عن الحب، كما تتحرك زهرة عباد الشمس بحثا عن الضوء.

الأكثر قراءة