البريطانيون يقاسون الشتاء بين عداد ذكي وآخر غبي
في أوائل 2020، قبل الجائحة والحرب الروسية - الأوكرانية، كشفت قصة صغيرة عن أمر مهم بشأن حالة بريطانيا. رفعت شركة بريتيش جاز الحد الأدنى للمبلغ الذي يمكن للناس أن يشحنوا به عدادات الغاز والكهرباء المدفوعة مسبقا، من جنيه استرليني إلى خمسة جنيهات. تسبب هذا في رد فعل عنيف. بعض العملاء لم يتمكنوا من تحمل دفع خمسة جنيهات دفعة واحدة. تدخل النواب وعدلت "بريتيش جاز" عن قرارها.
عندما يتعلق الأمر بالطاقة، فإن المملكة المتحدة دولتان مختلفتان فعلا، هناك الدولة التي يدفع فيها الناس فواتيرهم بسلاسة، عادة عن طريق الخصم المباشر، والدولة التي على الناس فيها دفع ثمن ما يستهلكونه مقدما. في الدولة الأخيرة، يمتلك بعضهم عدادات ذكية يمكنهم شحنها عبر الإنترنت، لكن كثيرين آخرين لديهم عدادات "غبية" يجب شحنها في مكتب البريد أو بعض محال بيع الصحف. عليك أن تتذكر الدفع مسبقا قبل سفرك حتى لا يذوب الثلج في المجمد "الفريزر". عليك أيضا أن تحسن ضبط مقدار الطاقة التي تحتاج إليها في الذروات الموسمية. في هذه الدولة، إذا كنت تدين بمال لشركة الطاقة التي تتعامل معها، فعندئذ في كل مرة تشحن فيها، تؤخذ نسبة من قيمة الشحن لسداد دينك. كما تدفع مقابل الطاقة التي تستهلكها سعرا أعلى قليلا ممن يتم الخصم منهم مباشرة، لأن الشركات تقول "إن تشغيل النظام يكلف أكثر".
يفضل بعض الناس عدادات الدفع المسبق لأنهم يستطيعون إدارة ما ينفقونه دون فواتير. كثيرون آخرون لا يفضلونها ولا يريدونها، لكن مالك عقارهم يصر عليها، أو فرضتها شركات الطاقة بسبب الديون.
يرتفع عدد المدينين لشركات الطاقة ارتفاعا حادا بسبب أزمة الطاقة. تظهر بيانات من "أوفجيم"، الهيئة التنظيمية، أن عدد العملاء الذين سددوا ديونا لمورديهم في الربع الثاني من هذا العام كان 1.5 مليون عميل للكهرباء و1.1 مليون عميل للغاز، أعلى مستوى منذ ما يزيد على 15 عاما. من المفترض أن تلجأ شركات الطاقة إلى تحويل العملاء المدينين إلى عدادات الدفع المسبق فقط باعتبارها خيارا أخيرا، لا يطبق إذا كانوا غير مقتدرين ماليا، لكن الجمعيات الخيرية و"أوفجيم" تقولات إنهم لا يستكملون دائما الإجراءات والمراجعات اللازمة.
إيمي تايلور، مستشارة الديون ورئيسة مجموعة جريتر مانشستر موني أدفايس للاستشارات المالية، كانت على الهاتف الشهر الماضي مع امرأة خائفة مع رضيعها وطفلها من ذوي الإعاقة. كانت المرأة مختبئة في الطابق العلوي من رجل معه أمر لتركيب عداد الدفع المسبق. انتهى الأمر بتايلور في محادثة رباعية لحل المشكلة.
لا يستلزم التحول إلى الدفع المسبق شخصا ما على عتبة الباب دائما. إذا كان لديك عداد ذكي، يمكن للشركات تحويلك إلى وضع الدفع المسبق دون حاجة إلى حضورهم. أنبت "أوفجيم" أخيرا شركات الطاقة لتحويلها أشخاصا إلى الدفع المسبق عن بعد "دون أي مراعاة لشروط الترخيص، ما أدى إلى إلحاق ضرر جسيم بهؤلاء المستهلكين".
إذا وقع الناس في الديون لأن الطاقة باهظة الثمن بالنسبة إليهم، فإن توقع دفعهم ثمن هذه الطاقة "بسعر أعلى قليلا" وتسديدهم الديون في آن معا يبدو غير واقعي. تظهر بيانات "سيتيزينز أدفايس" ارتفاعا حادا في عدد الذين لا يستطيعون تحمل تكلفة شحن عداد الدفع المسبق على الإطلاق. شهدت مؤسسة "فويل بانك"، التي توفر الكهرباء والغاز في حالات الطوارئ لمن لا يملكهما، أو يعيش من دونهما في اليوم أو اليومين التاليين، زيادة 75 في المائة في الإحالات هذا العام. ما يقارب نصف هؤلاء الناس على رأس العمل. "نرى أشخاصا يشغلون وظائف تقليدية جدا، في التمريض، وممن يعملون في المدارس"، كما يقول ماثيو كول، الذي يدير المؤسسة.
ما العمل؟ من بين الأفكار فكرة تأجيل رسمي مؤقت لسداد الديون. الفكرة طبقتها "أوفو"، إحدى الشركات الموردة، ووعدت بأن "كل قرش ينفق على العداد سيذهب نحو التدفئة، وليس لسداد الديون هذا الشتاء". من جهتها، دعت "سيتيزينز أدفايس" إلى حظر تحويل أشخاص إلى الدفع المسبق خلال فصل الشتاء. كما أن التخلص من النظام بالنسبة للجميع، باستثناء أولئك الذين يفضلونه، تعد فكرة أفضل. مثلا، في فرنسا ليس هناك عدادات للدفع المسبق. بدلا من قطع الطاقة عن العملاء المثقلين بالديون تقلل شركة إي دي إف الكهرباء إلى الحد الأدنى: واحد كيلو فولت، أي ما يكفي لتوفير الإضاءة وإبقاء الثلاجة والمجمد قيد التشغيل.
لكن توجد صورة أكبر هنا أيضا. لم يكن مستوى دخل أفقر خمس من السكان عشية الجائحة أعلى مما كان عليه في 2004 - 2005، وفقا لمؤسسة ريزوليوشن فاونديشن. في بريطانيا الخمس الأفقر من الأسر ازداد فقرا بنسبة تجاوزت 20 في المائة مقارنة بنظيراتها الفرنسية والألمانية. مشكلات البلاد المتعلقة بشبكة الأمان البالية كشفت عنها الأزمة، لكن المشكلات لم تنجم عنها أساسا. لطالما كان الشتاء سيصبح قاسيا، لكن ما كان ينبغي أن يكون بهذه القسوة.