الإجماع غير دقيق .. المخاطر عالية لكن الركود ليس حتميا
بعد العملية التأديبية التي أعقبت مقولة "التضخم العابر" في العام الماضي، قد تعتقد أن إجماع المتنبئين سيكون أكثر انفتاحا فيما يتعلق بالكيفية التي يصفون بها الركود الأمريكي الذي يتوقعونه في 2023.
مع ذلك، هم على ثقة بأن الركود المرتقب سيكون "قصيرا وضحلا" ويشجعوننا مرة أخرى على ذلك. لكني أشعر بالقلق من أن هذا قد يكون تكرارا لمصائد التحليلات والسلوكيات التي ظهرت مع مقولة "التضخم العابر" المشؤومة العام الماضي، التي لم نتخلص من عواقبها بعد.
اسمحوا لي أن أؤكد مقدما أن هذا العمود الصحافي لا يتعلق بتوقعي بحدوث ركود. في الواقع، أرى أن المخاطر عالية بشكل غير مريح، إلا أنني لست مقتنعا بأن الركود أمر حتمي كما يتوقع كثيرون. كما أنني لا أتوقع كيف سيبدو هذا الركود. بل أنا أكتب هنا للتحذير من المصائد التي تقوض آخر التوقعات المجمع عليها.
ما لا شك فيه، أن مقولة "إن الركود سيكون قصيرا وضحلا" لها ما يدعمها، سوق العمل قوية، مع وجود عدد كبير من الوظائف الشاغرة التي تعمل على امتصاص الصدمات وتعزل الوظائف عن الانخفاض في النمو. والميزانيات العمومية للقطاع الخاص قوية نسبيا، ولا يزال مخزون المدخرات المرتفعة يحمي الاستهلاك الأسري، وتحتفظ الشركات بالنقد ومواعيد استحقاق الديون، تم فعليا ترحيلها في الميزانيات العمومية دون تحمل ديون جديدة. ومن غير المرجح أن يتصرف النظام المصرفي بطريقة مسايرة للدورة الاقتصادية نظرا لقوة ميزانياته العمومية وصافي الدخل الأفضل بسبب هوامش الفائدة الأكثر ملاءمة، والتخلف المحدود للشركات عن السداد.
كل هذا يشير إلى أن القطاع الخاص لن يكون السبب الذي يضخم الركود ويطيل أمده. ويجادل بعضهم بأن الشيء نفسه يمكن أن يقال عن القطاع العام، لأن معدل التضخم المتراجع بسرعة من شأنه أن يسمح لمجلس الاحتياطي الفيدرالي بالتحول إلى الخفض، ومن ثم التوقف عن رفع الفائدة. في الوقت نفسه، من المستبعد أن تتضمن الميزانية إجراءات تقشفية كبيرة لمكافحة الديون الحكومية المرتفعة، بسبب انقسام الكونجرس.
كل هذه الحجج صحيحة، لكنها ليست حتمية. فما ينطبق على الاقتصاد عموما لا ينطبق بالضرورة على جميع السكان. الأشخاص والشركات الأكثر ضعفا استنزفوا مدخراتهم، ويواجهون فرص دخل محدودة بدرجة أكبر وإمكانية وصولهم إلى ائتمان منخفض التكلفة باتت أقل. وتأثيرهم الضار في النمو لا يمكن تعويضه بسهولة من قبل الجهات الأفضل حالا.
وبينما ينخفض معدل التضخم في الأشهر القليلة المقبلة، من المرجح أن نرى ثباتا في قيمة الفائدة عند نحو 4 في المائة. هناك عديد من الأسباب التي تدعو إلى ذلك، بدءا من الأجور إلى الطبيعة المتغيرة للعولمة، مرورا بالتأثير الذي سيمتد لأعوام بسبب إعادة تشغيل سلاسل التوريد، والتحول في الطاقة. هذا الوضع صعب بالنسبة إلى مجلس الاحتياطي الفيدرالي. وما يزيد الأمر تعقيدا هو حقيقة أن ذلك لا يقتصر على إدارة معضلة النمو قصير المدى والتضخم التي أصبحت أكثر غموضا بسبب الآثار المتأخرة للزيادات الهائلة في أسعار الفائدة وتضاؤل المعروض النقدي. كذلك الاحتياطي الفيدرالي يتعامل مع ثلاثية تنطوي أيضا على الاستقرار المالي.
في حين إن السياسة المالية لن تتحول بشكل حاد إلى التقشف بمعناه المطلق، إلا أنها ستكون انكماشية على أساس نسبي. وسيتأثر التمويل على نحو مشابه، من المرجح أن يزداد حذر البنوك بشأن الإقراض بسبب ضغط السيولة وزيادة النفور من المخاطرة في أوساط المؤسسات غير البنكية.
ثم هناك الزاوية العالمية. الولايات المتحدة ليست هي الاقتصاد الوحيد المهم الذي يواجه نموا بطيئا. أوروبا دخلت في حالة ركود، ولا تزال الصين تعاني سياسة "صفر كوفيد". أيضا، هناك خروج اليابان الصعب من التحكم في منحنى العائد. كل هذا يحدث في وقت تحتاج فيه نماذج النمو إلى تجديد كبير.
هذه التقلصات المتزامنة في النمو تفتح الباب أمام حلقات ردود فعل ضارة، ما يبرز الحاجة إلى مزيد من التواضع عند التنبؤ بما هو قادم. وكذلك الحال بالنسبة إلى الاعتبارات السلوكية.
عندما يتم إخراجنا من منطقة الراحة لدينا بسبب الأخبار المقلقة، غالبا ما تعمل أمانينا على جعل الأخبار أقل إثارة للقلق. تلخصت نسخة العام الماضي لإجماع المتنبئين في "نعم، لدينا تضخم مرتفع، لكن لا داعي للقلق لأنه سيكون عابرا"، أما نسخة العام الحالي فهي "نعم، نحن نواجه ركودا، لكن لا داعي للقلق لأنه سيكون قصيرا وضحلا".
وتشير كل من العوامل التحليلية والسلوكية إلى أننا يجب أن نكون حذرين بشأن مقولة الإجماع بأن الركود سيكون "قصيرا وضحلا". يجب على الشركات والحكومات والأسر والمستثمرين في الأسهم التخطيط بعناية للتعامل مع مجموعة من النتائج المحتملة، حيث لا تكون لأي منها السيطرة كمعيار أساسي. مثل هذه المرونة تتطلب حماية أكبر قدر الإمكان ضد أخطاء السياسة، وأخطاء الشركات، وحوادث السوق.
التخطيط للسيناريوهات للتعامل مع مجموعة أوسع من النتائج المحتملة هو عمل شاق ويستغرق وقتا، وسيثبت في النهاية أن كثيرا منه لا لزوم له. مع ذلك، المراهنة على توقعات إجماع هشة يمكن أن تثبت أنها أكثر ضررا.
*رئيس كلية كوينز في كامبريدج