بعد التقاعد .. العودة إلى العمل تلوح في الأفق
بعد أن كبرت، عرفت أن التوقف عن العمل كان أسوأ شيء يمكن أن يحدث. لقد كذبت والدتي بشأن عمرها لتستمر في سداد الرهن العقاري حتى بلغت 74 عاما. وأملى علي والدي مقالته الأخيرة في مجلة من فراش الموت. لقد جلبت وظائفهما المال والفخر والمعنى. لذا فإن رد فعلي على حقيقة أن تسعة ملايين بريطاني لا يعملون ولا يبحثون عن عمل - بعضهم يتقاعد في سن الـ50 - هو رد فعل عاطفي وعملي في الوقت نفسه.
هل قلبت الجائحة التحول النفسي النادر في بريطانيا؟ بدأت أعتقد ذلك. بينما يحذر بنك إنجلترا من أن تقلص القوى العاملة لدينا يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع التضخم حتى في حالة الركود، فإن المملكة المتحدة تبدو شاذة أكثر من أي وقت مضى. لم نكن الدولة الوحيدة التي خرجت من الجائحة بمعدلات توظيف أقل من ذي قبل، كانت الحال نفسها في أيسلندا وسويسرا ولاتفيا والولايات المتحدة. لكن هذه الدول الأربع بدأت في النهوض، لكننا لسنا كذلك. بحلول آذار (مارس)، يتوقع معهد دراسات التوظيف أننا قد نكون الدولة المتقدمة الوحيدة التي يقل فيها معدل التوظيف عما كان عليه قبل كوفيد - 19.
لقد كتبت سابقا عن الأعداد المتزايدة، مستشهدة بالمرض المزمن كسبب التوقف عن العمل، إلى جانب تراكم أعمال هيئة الخدمة الصحية الوطنية. لكن هذه ليست القصة كاملة. جاءت 55 في المائة من الزيادة في "نقص" العاملين من الذين تراوح أعمارهم بين 50 و64 عاما. يتقاعد كثيرون في وقت مبكر ليس لأنهم مرضى لدرجة تمنعهم من العمل، لكن لأنهم سئموا العمل. وجدت استطلاعات الرأي الجديدة أن هذه المجموعة تعبر عن كراهية أكبر لوظائفها من نظيراتها في ألمانيا والولايات المتحدة، ومن المرجح أن تقول إن الجائحة جعلتها تعيد التفكير. علاوة على ذلك، تعتقد هذه المجموعة أنه يمكنها تحمل عواقب هذه الخطوة. في المملكة المتحدة، أفاد 18 في المائة من الأشخاص غير النشطين اقتصاديا ممن تراوح أعمارهم بين 50 و64 عاما أنهم أصبحوا أفضل حالا نتيجة للجائحة، مقارنة بـ8 في المائة في الولايات المتحدة و4 في المائة في ألمانيا.
ستكون من المفارقات المطلقة إذا كانت الجائحة التي أضرت باقتصادنا قد تركت جزءا كاملا من السكان يعتقد أنه يمكنه الخروج من العمل. أجرت شركة ببلك فيرست استطلاعا لمصلحة مؤسسة فينيكس إنسايت الفكرية، التي أعمل في مجلسها الاستشاري. الاقتباس التالي جعلني أشعر بالذهول "مشاهدة الجيل الأكبر سنا يتم دفعه إلى دار الرعاية وترك مصيره لكوفيد جلبت إدراكا قويا بأنني كنت أنظر إلى نسخة محتملة من مستقبلي". الشخص الذي تمت مقابلته تقاعد مبكرا قائلا "لأستمتع بما تبقى لدي من وقت بشكل كامل".
ما الذي فعلناه؟ يبلغ متوسط عمر الوفيات بسبب كوفيد 80 عاما، وليس 50 عاما. إن الحكومة التي أبقت ملايين على قدميها عبر مدفوعات سخية للتسريح المؤقت عن العمل لا تزال تجعلنا نشعر بأننا وحدنا. بعض الذين تجاوزوا الـ50 من العمر يعتنون بأزواجهم أو أحفادهم أو أقارب مسنين. ربما وقع بعض ضحية وهم العمل من المنزل، وجد معهد الدراسات المالية أن العمل عن بعد يجعل الناس أكثر احتمالية للتقاعد المبكر. قد يكون آخرون خدعهم الاعتقاد بأن وجودا أكثر توازنا يمكن أن يستمر عبر خطة التسريح المؤقت التي كان من المفترض أن تنتهي في وقت سابق، في دولة تسمح للناس بالحصول على معاشاتهم التقاعدية مبكرا.
قد لا نعرف أبدا. لكن ما يتضح من دراسات متعددة هو أن الصحة والسعادة في أواخر الحياة ترتبطان ارتباطا وثيقا بالشعور بالهدف. إنني أتوقع أن يكون هناك توجه كبير إلى عدم التقاعد في غضون بضعة أعوام، عندما تتلاشى الحداثة وتنخفض أسعار المنازل. في هذه المرحلة، سنحتاج لأن يدرك أصحاب العمل أن العملاء يقدرون الموظفين من العمر نفسه، وأن كبار السن يمكن أن يكونوا أكثر ولاء من الشباب. تطالب مجموعات ناشطة بمزيد من العمل المرن. لكن تقديم كل شخص فوق سن الـ50 على أنه يحتاج إلى معاملة خاصة يلعب دورا في التفرقة العمرية ويضر بكل من هم في قمة مستواهم في هذه الفئة العمرية. على الرغم من ضيق سوق العمل، قابلت محاسبين وأكاديميين واستشاريين وجراحين مهرة، يبدو أن أرباب عملهم مصممون على دفعهم إلى الخارج في سن الـ60.
كما تم طرح مصطلح "التدريب" باعتباره حلا سحريا. لكنه يحتاج إلى التعديل. يختلف التحدي المتمثل في إقناع المهنيين ذوي الأوضاع المالية الجيدة بعدم التقاعد عن مساعدة الأشخاص البالغ عددهم 5.3 مليون شخص الذين يطالبون حاليا بدراسة أهليتهم للإعانات المالية للعطالة. لقد أدت الجائحة إلى زيادة كبيرة في الأشخاص الذين يتلقون إعانات بدون "شروط عمل" - أو ليس لديهم التزام بالبحث عن عمل - بسبب مشكلات الصحة العقلية المبلغ عنها أو المرض المزمن. يقدر مركز العدالة الاجتماعية أن عدد هذه المجموعة يبلغ الآن 3.5 مليون، ويحث الحكومة على دعم واحد من كل ثلاثة ممن يقولون إنهم يرغبون في مساعدتهم على العودة إلى العمل. هل يمكن أن تكون العاقبة الوبائية الأخرى هي فشل وزارة العمل والمعاشات التقاعدية في القيام بعملها؟
إن الخوض في بيانات وزارة العمل والمعاشات التقاعدية بمنزلة تذكير محزن بتاريخ بريطانيا من البطالة طويلة الأمد، التي ظلت لفترة طويلة تخفيها الهجرة. إن مستويات الخمول الاقتصادي أكثر حدة في بعض المناطق الأكثر حرمانا في الدولة، بين ذوي الاحتياجات الخاصة والآباء الوحيدين الذين لا بد أن تكون ضغوط الأعوام القليلة الماضية قد أضرت بهم بشكل خاص. تم إحراز تقدم في تضييق الفجوة بين هذه المجموعات وبقية المجموعات على مدار العقد الماضي، لكن انعكس ذلك الآن. إذا تمكنا من إغلاق نصف فجوات التوظيف هذه على أفضل وجه في أوروبا، وفقا لمعهد دراسات التوظيف، فسيكون هناك مليون شخص إضافي في العمل.
تعد الصحة الجيدة حجر الزاوية للقدرة على العمل، لكن يصعب تحديدها. يشار إلى اعتلال الصحة بشكل متزايد على أنه السبب الرئيس للخمول، لكن ثاني أكبر حالة يعانيها الناس، بعد مشكلات القلب، ليست المرض العقلي أو مشكلات الظهر أو الجهاز الهضمي بل "أخرى". إذا كانت هذه صرخة طلبا للمساعدة بعد السلسلة المروعة من عمليات الإغلاق العقابية، فإنها تحتاج إلى معالجة.
ما زلت أعتقد أن العمل هو أفضل طريق للخروج من الفقر، وطريقة رائعة للحفاظ على الشعور بالهدف في أواخر الحياة ودعم الصحة العقلية. إذا قرر البريطانيون أن العمل اختياري، أو أنه حتى معاد، فإننا في ورطة خطيرة.