قضية ليبور .. هل كان المتداولون مجرمين أم أكباش فداء؟

قضية ليبور .. هل كان المتداولون مجرمين أم أكباش فداء؟

بعد مرور عقد على فضيحة ليبور، رفضت المحاكم الأمريكية سلسلة من التهم الجنائية ضد متداولين متهمين بالتلاعب في الفائدة، التي كانت تستخدم في السابق كمقياس لمئات التريليونات من الدولارات من العقود المالية.
بين كانون الثاني (يناير) وتشرين الأول (أكتوبر)، رفضت محكمة في نيويورك تهما جنائية ضد توم هايز، وهو متداول بريطاني كان يعمل في التداول لدى "يو بي إس" و"سيتي" و"روجر دارين"، الذي كان هو أيضا متداولا سابقا في "يو بي إس". كما ألغت إدانة اثنين من المتداولين السابقين في "دويتشه بنك"، وهما ماثيو كونولي وجافين بلاك.
هذه الأحكام تعني أن جميع الإدانات التي صدرت عن المحاكمات في الولايات المتحدة بشأن "التزوير" في قضية ليبور قد تم إبطالها الآن.
بالنسبة إلى المتداولين، تبرر الأحكام الشعور الراسخ بأنه تم استخدامهم ككبش فداء للبنوك التي كانت تحتاج إلى تقديم تضحيات بعد الأزمة المالية في 2008. لكن بالنسبة إلى آخرين، فبعض المتداولين ما زالوا يستحقون الإدانة في هذه الفضيحة، بغض النظر عما إذا كانت ترقى إلى مستوى الإجرام.
حتى عندما رفضت محكمة الاستئناف في نيويورك حجج الحكومة بأن تصرف كونولي وبلاك كان إجراميا، قالت "إن سلوكهما ربما انتهك العدالة بكل معانيها".
قالت سو هاولي، المديرة التنفيذية في مجموعة سبوت لايت أون كوربوريشن لمكافحة الفساد "في النهاية، كان التزوير في قضية ليبور ينطوي على سوء سلوك مؤسسي كبير (...) وكان من الصواب تماما أن يسعى المدعون إلى محاسبة المتورطين فيها"، على الرغم من أنها شككت حول إذا ما كان الأشخاص الذين ارتكبوا الجرم قد انتهى بهم المطاف في قفص الاتهام.
كانت ليبور - وهي معدل الفائدة بين البنوك في لندن - تعنى بتقريب متوسط الفائدة الذي يمكن للبنوك أن تقترض النقد على أساسه لمدى قصير الأجل من بعضها بعضا، وفي ذروتها عززت نحو 350 تريليون دولار من الأدوات المالية بما في ذلك رسوم بطاقات الائتمان وقروض الشركات.
اشتعلت الفضيحة حول كيفية تحديد فائدة ليبور بعد 2012، ما أدى إلى توجيه اتهامات إلى المتداولين بالتآمر للتلاعب بالفائدة لمصلحتهم والتلاعب بنحو تسعة مليارات دولار من الغرامات على البنوك في جميع أنحاء العالم.
قال كونولي "إنه كان لا يعلم شيئا عن مزاعم تورطه حتى 2013"، وذلك عندما قدم مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى منزله في مسقط رأسه في نيوجيرسي. كان كونولي البالغ من العمر 57 عاما، الذي لم يتداول شخصيا بفائدة ليبور مباشرة، قد غادر "دويتشه بنك" في 2008، وأدين على خلفية أربع رسائل بريد إلكتروني تحتوي على طلبات تتعلق بتداولات ليبور، وكانت إحدى هذه الرسائل لم ترسل إليه خصيصا بل أرسلت له نسخة منها.
كونولي، الذي رفع دعوى قضائية ضد "دويتشه بنك" للحصول على تعويض بقيمة 150 مليون دولار، قال لـ"فاينانشيال تايمز"، "كان الأشخاص الذين تمت محاسبتهم فريسة سهلة - وتسهل إدانتهم، ويسهل إلصاق جريمة ما بهم بحيث يمكن للمدعين العامين أن يقولوا (انظروا إننا نحرز تقدما في القضية)".
إن مشكلة ليبور - التي كانت تعتمد في كثير من الأحيان على تقديرات لسعر الفائدة في الاقتراض بدلا من قيمة المعاملات الفعلية - كانت كالسر المكشوف منذ فترة طويلة في نواح مختلفة من الأسواق المالية لكنها لم تظهر للوعي العام إلا في أعقاب الأزمة المالية.
يقول جوناثان مايسي، أستاذ القانون في جامعة ييل، "كانت هناك انتقادات هائلة (قبل التحقيقات بشأن ليبور) لدرجة أنه لم يتم سجن أي شخص بسبب الأزمة المالية في 2008، وكان هناك شعور بأن الاحتيال داخل المؤسسات المالية الكبرى كان مستشريا وأنه يجب القيام بشيء ما تجاه ذلك".
في الولايات المتحدة، بين 2016 و2017، تم اتهام كل من كونولي وبلاك وهايز بالضغط على المتقدمين بطلبات ليبور لتحديد الفوائد بحيث تكون مواتية لمراكز التداول في البنوك التي يعملون فيها.
مع ذلك، قضت محكمة الاستئناف في مانهاتن الآن بأن الحكومة فشلت في قضيتي كونولي وبلاك في إظهار أن أيا من الطلبات التي أثر فيها المتداولون كانت "مزيفة أو بغرض الاحتيال أو مضللة". بعد ذلك قام المدعون بسحب الاتهامات ضد هايز ودارين تماشيا من القرار.
قالت المحكمة "إن هناك مجموعة من أسعار الفوائد المحتملة التي يمكن أن تقدمها البنوك، وليس رقما واحدا حقيقيا. كما أن دوافع المتداولين - كمصالحهم التجارية - لم تقوض العروض طالما كان بإمكان البنك الاقتراض بهذا السعر".
قال مايسي "لم تستطع الحكومة في هذه الحالات إثبات أن قيمة فوائد ليبور المقدمة كانت بغرض الاحتيال".
فيما تعتبر المملكة المتحدة حاليا الدولة الوحيدة في العالم التي تجرم هذا النوع من تزوير قيمة فائدة ليبور التي يزعم أن المتداولين تدخلوا فيها، التي لا ترقى الآن إلى مستوى الاحتيال في أمريكا ولم تعتبر غير قانونية في أي مكان آخر.
في لندن، يحاول هايز - وهو أول شخص في العالم تمت إدانته من قبل هيئة محلفين في فضيحة ليبور في 2015 - استخدام الأحكام الأمريكية للحصول على استئناف أخير لقضيته.
وهو يأمل في إقناع لجنة مراجعة القضايا الجنائية، وهي لجنة تحقق في إخفاقات نظام العدالة، بأن القانون تم تطبيقه بشكل خاطئ في قضيته في المملكة المتحدة، كما هي الحال في الولايات المتحدة، حيث قام بتقديم مذكرات جديدة. وكانت لجنة مراجعة القضايا الجنائية تدرس قضيته منذ ما يقرب من ستة أعوام.
إذا نجح في ذلك، يمكن أن يقوض هايز الفرضية الكاملة للإدانات المتعلقة بفائدة ليبور في المملكة المتحدة.
تقول سارة جورج، محامية الدفاع في سيدلي أوستن التي مثلت عددا من المتداولين السابقين في تحقيقات ليبور، التي تقدم النصيحة لهايز بشأن طلب الاستئناف للمنظم المالي في المملكة المتحدة "لدى كثير منا تحفظات عميقة بشأن هذه الإدانات. إن ملاحقة المسؤولين، هي في حقيقة الأمر أن العقاب وقع على صغار المتداولين. لقد تغير الشعور في الرأي السائد...".
ولد هايز في حي شيباردز بوش في لندن، وانضم إلى بنك يو بي إس كمتدرب، وبعد أن قضى فترات لدى بنوك إقراض أخرى، ارتقى في منصبه لدى البنك السويسري ليصبح لامعا في تداول المشتقات في طوكيو، حيث يدعي أنه حقق للبنك نحو 300 مليون دولار من الأرباح بين 2006 و2009.
كان زملاء هايز - الذي يعاني متلازمة أسبرجر - يطلقون عليه ألقابا مثل "رجل المطر" و"تومي تشوكليت"، لأنه كان يفضل شرب الشوكولاتة الساخنة بدلا من البيرة في اللقاءات الاجتماعية مع الوسطاء.
حكم عليه بإحدى أطول العقوبات لجرائم الموظفين الإداريين "وهي الجرائم المالية التي لا تنطوي على عنف" - لمدة 14 عاما في السجن، ثم تم تخفيفها إلى 11 عاما بعد الاستئناف - وقضى عدة أعوام في سجن شديد الحراسة، عاش خلالها في زنزانة مع قاتل مدان.
يقول هايز "لقد ضاع مني ربع حياتي" بسبب الإدانة، وهو يصر على براءته.
كان المدعون العامون في المملكة المتحدة قرروا في الأصل عدم استكمال الملاحقات الجنائية بتهمة "التزوير" في قضية ليبور، لكن بعد دعوات مكثفة من أعضاء البرلمان، قام ديفيد جرين، الذي كان في ذلك الوقت مدير مكتب مكافحة الاحتيالات الخطيرة، بالبدء بالتحقيق في 2012.
أصبح التحقيق معروفا بسبب الرسائل الملونة بين المتداولين. حيث كتب في إحداها، "يا صاحبي. أنا مدين لك جدا! تعال بعد العمل في أي يوم وسأفتح لك زجاجة شمبانيا بولينجر". وأخرى تقول "لدينا تعديل آخر كبير يا توم (مورو) المقصود بها (التمويه بجمع اسم الشخص (توم) وكلمة غدا بالانجليزية)، لأني كنت آمل أن نتمكن من تحديد أعلى فائدة ليبور ممكنة بسبب الحركة في السوق".
في نهاية المطاف، استطاع مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة أن يحدد خمس إدانات، بما في ذلك إقرار بالذنب من بيتر جونسون، المسؤول الرئيس عن تحديد سعر فائدة ليبور في بنك باركليز، بينما تمت تبرئة ثمانية أشخاص، من ضمنهم المتآمرون المزعومون مع هايز. كما حددت الوكالة أيضا أربع إدانات ضد مصرفيين سابقين متهمين بالتآمر في تزوير النسخة الأوروبية من ليبور، التي تسمى يوريبور. لكنها اضطرت إلى إسقاط التهمة عن أربعة آخرين بعد أن قضت محاكم فرنسية وألمانية بأن ما قام به المتهمون لم يخالف القانون، ورفضت تسليمهم إليها.
جادل هايز في المحاكمة بأن ما قام به لم يكن تدليسا بل هي ممارسة اعتاد المصرفيون عليها، وأن رؤساءه حثوه عليها. كما جادل هايز، الذي أدين بالتآمر لغايات الاحتيال، بأنه كان كبش فداء لرؤسائه وللبنوك نفسها.
كما كانت هناك مقترحات بأن كبار المصرفيين كانوا يرزحون تحت ضغط من بنك إنجلترا "للتقليل" من طلبات الفائدة في ليبور، حتى يبدو ذلك وكأنه أمر طبيعي أكثر مما كان عليه بالفعل خلال فترة الضغوط الشديدة في السوق. غير أن بنك إنجلترا نفى الاتهام مرارا وفتح مكتب مكافحة الجرائم المنظمة تحقيقا في "سعر الفائدة المنخفض" لكنه في النهاية لم يوجه أي اتهامات إلى البنك.
اعترف هايز في البداية أمام الادعاء العام في المملكة المتحدة بعدم النزاهة خلال الساعات الكثيرة للمقابلات، لكنه تراجع فيما بعد عن الاعتراف، بحجة أنه كان يحاول تجنب تسليمه إلى الولايات المتحدة. يقول هايز "إنه أصيب بانهيار عصبي عندما قيل له إنه قد يواجه عقوبة بالسجن لمدة 30 عاما في أمريكا، لكنه تجنبها بسبب الوقت الذي أمضاه في السجن في المملكة المتحدة".
لكن اعترافاته كانت تعتبر أدلة كبيرة في المحاكمة.
في سلسلة من جلسات الاستماع التي سبقت محاكمة هايز في 2015، قال القاضي جيريمي كوك "إنه كان من الواضح أن قوانين ليبور حالت دون أي اعتبار للمصالح التجارية عند تحديد فائدة ليبور. لكن هايز اعترض على هذا التعريف كدليل تستخدمه لجنة مراجعة القضايا الجنائية".
حيث قال هايز "لم يكن لاستقلالية سعر الفائدة وجود البتة، هذه مغالطة".
في خطوة غير معتادة، طلبت لجنة مراجعة القضايا الجنائية من هايز تقديم مذكرات حول قرارات المحكمة الأمريكية. لكن قضية هايز تكمن في أن النظامين القانونيين منفصلان عن بعضهما تماما، وأنه يواجه معركة شاقة لإقناع لجنة مراجعة القضايا الجنائية بإعادة قضيته إلى محكمة إنجليزية. لكن اللجنة رفضت مؤقتا القيام بذلك في العام الماضي ويجب أن تعتقد أن دليل هايز الجديد يمكن أن يؤدي بشكل واقعي إلى إلغاء إدانته من قبل محكمة الاستئناف، في حال أعادت قضيته إليها.
انحازت محكمة الاستئناف بالفعل إلى الحكم الأصلي للمحكمة بشأن كيفية عمل قوانين ليبور، كما رفضت سلسلة من الاستئنافات التي طالب بها متداولون سابقون غير هايز.
فيما قال أحد محامي الدفاع الذي لا يعمل في هذه القضية "لقد كان بلا شك كبش فداء، ومن الظلم تماما أن يكون المعاقب بسبب هذا. لقد كانت عقوبة السجن قاسية حقا (...) لكن العوائق أمام إلغاء القضايا صعبة حقا".
غير أن البعض الآخر أقل تسامحا، حتى لو قالوا إن اللوم الحقيقي يكمن في قمة السلسلة الغذائية. قال هاولي "إن العار الحقيقي هو أن البنوك نفسها ومن هم في مقدمة القيادة الذين سمحوا أو غضوا الطرف عن هذا السلوك لا يمكن محاسبتهم في المملكة المتحدة كما ينبغي".

الأكثر قراءة