ما الذي لا يدركه ماسك حول هذا الجيل؟

ما الذي لا يدركه ماسك حول هذا الجيل؟

الاستنزاف الكبير للموظفين لا يظهر أي إشارات على التباطؤ. تشير تقارير صدرت أخيرا عن شركة ماكينزي للاستشارات الإدارية إلى أن نحو 40 في المائة من الموظفين يفكرون في ترك وظائفهم، إما للبحث عن مسيرة مهنية مختلفة وإما "لإيجاد عمل غير تقليدي"، مثل الوظائف المؤقتة أو بدوام جزئي.
وفقا لأحد الاستطلاعات، المال هو أحد المشكلات، التي تواجههم، لكنه بالتأكيد ليس المشكلة الوحيدة. "جدوى العمل" و"كفاية مرونة القوى العاملة" حول قضايا مثل العمل من المنزل هي أيضا من الأمور، التي تشغل بالهم. لكن الحل، على ما يبدو، هو الشعور بالتمكن من الذات، لتحديد كيف يتم العمل وأين، وكذلك كيف يتناسب مع القيم الشخصية للعاملين.
بعض قرائنا سيجفلون من هذا، بينما سينظر إليه آخرون على أنه ظاهرة قصيرة المدى برزت أثناء الجائحة، وبمجرد أن تتلاشى هذه البدعة ويعم الركود سيصبح العاملون أقل تطلبا. أو هكذا يدور الجدال الحالي بين كثير من قادة الشركات.
قرر عدد قليل من هؤلاء القادة استخدام السوط. في الأسبوع الماضي، منع إيلون ماسك، المالك الجديد لموقع تويتر، الموظفين من العمل من المنزل. كما أن جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك جيه بي مورجان تشيس الأمريكي، يرغب في فعل ذلك أيضا. وقد يحذو آخرون حذو ماسك في العام الجديد.
وسنرى فيما بعد ما إذا كان لهذا الأمر أي فاعلية. أثار مرسوم ماسك غضبا كان متوقعا على وسائل التواصل الاجتماعي، بينما أخبرني أصدقائي في جيه بي مورجان أن عديدا من زملائهم يحاولون ببساطة البحث عن طرق للعمل من المنزل لبعض الوقت.
هناك كثير من التمرد الهادئ في عالم العمل– مع قلق المسؤولين التنفيذيين بشأنه- لدرجة أن عديدا من الشركات أصبحت أكثر تكيفا مع هذا الوضع. يقول موظفون جدد في صندوق بريدج ووتر إنهم مطالبون بالحضور إلى المكتب يومين في الأسبوع فقط. لكن يبدو أن هذا تناقض صارخ مع سمعة صندوق التحوط في الانضباط وثقافته القوية. أظن أن مزيدا من الشركات ستضطر إلى اعتماد نهج بريدج ووتر.
بمجرد أن تتعمق في بعض هذه التغييرات، لن يكون من الصعب أن ترى أن عمليات الإغلاق خلال الجائحة وبروز ظاهرة الاجتماعات عبر تطبيق زووم هما مسؤولتان بشكل جزئي فقط. هناك عامل آخر مهم- يبدو أن ماسك وديمون تغاضيا عنه- هو أن ظهور التكنولوجيا الرقمية يسير جنبا إلى جنب مع تحول دقيق، لكنه حاسم في الطريقة التي نرى بها أنفسنا. مرحبا بك في جيل قائمة التشغيل Generation Playlist. أو، كما أسميه، الجيل P.
على هذا المحك تبرز قضية حاسمة تتعلق بكيفية النظر إلى الأفراد، مقارنة بفئتهم الاجتماعية. فكما أشار علماء الأنثروبولوجيا، مثل جوزيف هنريش، في معظم الثقافات في جميع أنحاء العالم، وعبر معظم الأزمنة، كان ينظر إلى الأفراد وخياراتهم على أنها نتاج المجتمع. تحدد المجموعة هويات الناس. وكان الخيار هو إما التأقلم وإما الخروج منها.
لكن هذه الرؤية تغيرت بدءا من عصر التنوير في أوروبا. أصبح ينظر إلى المجتمع الغربي على أنه نتاج الأفراد الذين يتمتعون بالحقوق. ومن هنا ظهر أخيرا جيل "الأنا" في الثقافة الشعبية الغربية في القرن الـ20.
بدأ جيل "الأنا" يتطور في القرن الـ21 مرة أخرى. عززت التكنولوجيا فكرة أنه بينما يتربع الأفراد على مركز عالمهم الخاص، فإن باستطاعتهم، بل ويجب عليهم، تصميمه بحسب أذواقهم الشخصية. هذا يحدث الآن في ثقافة المستهلك، حيث نقوم بتخصيص كل شيء أكثر فأكثر– بدءا من مخططاتنا للسفر إلى كيفية شربنا للقهوة، وبالطبع الموسيقى التي نستمع إليها- بدلا من مجرد رضانا بالأمور كحزم محددة مسبقا. كما أن ذلك أدى إلى إعادة صياغة وسائل الإعلام، حيث يستخدم الأشخاص بشكل متزايد أسلوب الاختيار المختلط لمعرفة الأخبار وبشروطهم الخاصة. إذن، مما لا يثير الدهشة، أن ذلك بدأ يتسلل الآن إلى مواقفنا تجاه العمل.
منذ نصف قرن، قبل الموظفون بتعريف الجيل القديم للعمل والمسيرة المهنية. موظفو اليوم، يريدون تصميمه بأنفسهم، وفقا لشروطهم الخاصة. وكما يظهر استطلاع شركة ماكينزي، هم على استعداد لترك العمل إذا لم يتمكنوا من تحقيق ذلك. بالنسبة إلى التقليديين، يبدو هذا الموقف أنانيا وغير ناضج. لكن بالنسبة لمن هم أصغر سنا، وهم الذين حرم كثيرون منهم من الامتيازات التي حصل عليها آباؤهم كأمر مسلم به- من ملكية المنازل إلى دفع رسوم دراسية جامعية بأسعار معقولة– فإن ذلك لا يشعرهم بالتمكين فحسب، بل هو ضروري أيضا. ومن المفارقات أن ماسك يتصرف مثل الجيل P، لأنه على ما يبدو يعتقد أن له الحق في تصميم العالم وفقا لرغباته.
في الواقع، كان هذا التحول حتميا لدرجة أن عديدا من الشباب ينظرون إلى التخصيص على أنه أمر طبيعي تماما. فهم لا يحملون ذكريات عن أسلوب العيش في عالم الأسطوانات السوداء أو حيث كانت الخيارات الوحيدة لتناول القهوة إما "سوداء" أو "بيضاء". لذا، فإن سلبهم الشعور بالقدرة على الاختيار ليس شيئا سيتبناه الجيل P بسهولة.
قد يقلق مديرو الشركات من هذا الاستنزاف الكبير. لكنهم لا يستطيعون معالجته ما لم يحاولوا فهم الجيل P – وأن يدركوا أن هذا التحول في العقلية لن يختفي قريبا، حتى إذا حدث ركود.

الأكثر قراءة