ارتفاع أسعار الفائدة يلقي بظلاله على تجارة السيارات المستعملة
البرج الزجاجي من سبعة طوابق الذي افتتح هذا العام في ضواحي سان فرانسيسكو يبدو من بعيد مثل مقر شركة ناشئة في وادي السيليكون. لكنه واحد من 34 "آلة بيع" سيارات تديرها شركة كارفانا، التي تعد بأن تكون التغيير الجذري الرقمي لوكلاء المركبات المستعملة العالقين في مستنقع زمني.
الهياكل اللامعة المنتشرة في جميع أنحاء أمريكا هي شكل ذكي من أشكال العلامات التجارية. رغم أن معظم عملاء شركة كارفانا يشترون عبر تطبيق الشركة ويتم تسليم السيارة عند مداخل منازلهم، إلا أن آلات البيع تعمل على توضيح أن شراء سيارة مستعملة ينبغي أن يكون أسهل بكثير: بسهولة اختيار لوح شوكولاتة.
اجتذب عرض شركة كارفانا العملاء والمستثمرين في آن معا. في العام الماضي، باعت الشركة 400 ألف سيارة، أي ضعف مبيعات عام 2019، حيث أدى النقص في أشباه الموصلات والقطع الأخرى إلى ندرة المعروض الجديد، وبالتالي ارتفاع أسعار السيارات المستعملة. وقد بلغت قيمة الشركة السوقية ذروتها عند 50 مليار دولار وشبه تنفيذيون مسار نمو إيراداتها وتقييمها بعمالقة التكنولوجيا؛ أمازون وجوجل وفيسبوك.
كليفورد سوسين، الذي تعد شركته كاس إنفسمنت بارتنرز رابع أكبر مساهم في كارفانا، قال مع ارتفاع سعر سهم كارفانا العام الماضي: "هل تعد (شركة كارفانا) طريقة أكثر فاعلية لتشغيل وكالة بيع سيارات؟ الإجابة هي ’نعم‘ وبفارق كبير. إنها شركة من الصعب للغاية تكرارها".
لكن خلف الصناديق الزجاجية توجد شركة لديها قواسم مشتركة مع وكلاء بيع السيارات النموذجيين أكثر مما يبدو للوهلة الأولى. أحد هذه القواسم أنها شركة ترجع أصولها إلى سلسلة لتأجير السيارات في أريزونا اسمها أجلي دكلنج Ugly Duckling يسيطر عليها فريق مكون من أب وابنه. مثل الشركات الأخرى التي تحاول جني الأرباح من بيع السيارات المستعملة، تتعرض لضغوط شديدة حين يرفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة ويضغط التضخم على المستهلكين. أسعار السيارات المستعملة الآن في تراجع، ما يجعل من الصعب إعادة بيع المركبات بشكل مربح.
ذكرت الشركة في وقت سابق هذا الشهر أن مبيعات السيارات بالتجزئة انخفضت 8 في المائة على أساس سنوي في الربع الثالث، أول انخفاض سنوي في المبيعات في تاريخها. تراجعت الإيرادات إلى 3.4 مليار دولار، أي دون المستوى المتوقع، في حين اتسعت الخسائر الصافية إلى أكثر من 500 مليون دولار.
ألقت الشركة باللوم في الانخفاض على أسعار الفائدة المتزايدة، التي جعلت سداد الأقساط الشهرية لقروض السيارات المستعملة غير مقدور عليها بشكل متزايد. في الوقت نفسه، أدت جهود مبذولة لخفض التكاليف عن طريق تقليل الإنفاق على الإعلانات والمخزون إلى إبعاد بعض المتسوقين. قالت كارفانا إن لديها نحو أربعة مليارات دولار من السيولة المتبقية، الأغلبية العظمى على شكل قدرة اقتراض وليس نقدا.
تراجعت أسهم الشركة 95 في المائة عن ذروتها في منتصف عام 2021، بينما يتم تداول ديونها عند مستويات يرثى لها. كما تخلص مستثمرون بارزون، مثل شركتي تايجر جلوبال ودي 1 كابيتال بارتنرز، من حصصهم.
أصبحت كارفانا شركة عامة في عام 2017 بعد أن تفرعت عن سلسلة لبيع السيارات المستعملة تسمى درايف تايم. إرنست غارسيا الثالث، الرئيس التنفيذي لشركة كارفانا، هو نجل إرنست غارسيا الثاني، مؤسس شركة درايف تايم. يسيطر غارسيا الأكبر على 84 في المائة من أسهم التصويت في شركة كارفانا، وفقا لإيداع بالوكالة.
لدى إرنست غارسيا الثاني تاريخ متقلب في الشركات. في عام 1990، اعترف أنه مذنب في تهمة احتيال مصرفي وتلقى فترة مراقبة لدوره في صفقة مالية زائفة مع تشارلز كيتنج، قطب العقارات في أريزونا الذي كان في قلب فضيحة تاريخية في صناعة المدخرات والقروض الأمريكية.
استحوذ غارسيا الثاني أيضا على شركة أجلي دكلنغ، وحولها إلى شركة درايف تايم. على مدى الزمن، كان رائدا في الكثير من منتجات التمويل الاستهلاكي، بما في ذلك تغليف قروض السيارات للعملاء في السندات.
أصبح توريق القروض الآن جزءا مهما من نموذج شركة كارفانا.
عبر تقديم عوائد قوية في وقت انخفاض أسعار الفائدة، تمكنت شركة كارفانا من جني مكاسب كبيرة من بيع الأوراق المالية المدعومة بالأصول إلى المؤسسات الاستثمارية. وعززت المبيعات مقياسها المفضل للربحية، أو إجمالي الربح لكل وحدة، أو سيارة تم بيعها.
المكاسب من بيع القروض، إضافة إلى الرسوم الإضافية الأخرى، عادة ما تمثل أكثر من نصف إجمالي ربح كارفانا لكل وحدة. أوضح مستثمر في ديون شركة كارفانا أن "كل شركة السيارات هي شركة تمويل".
في الربع الأول من عام 2021، تجاوز إجمالي الربح لكل وحدة من بيع القروض والرسوم الأخرى 2500 دولار، وهو ما يساوي إجمالي ربح كارفانا العام لكل مركبة في عام 2019.
استفادت شركات التمويل من التقاء شبه مثالي للأحداث في عام 2021. حيث كان الطلب على المركبات قويا وكانت أسعار السيارات في ارتفاع، ما مكن شركة كارفانا من إنشاء حزم توريق كبيرة. وسعى المستثمرون للحصول على هذه الأوراق المالية من أجل عوائدهم في وقت انخفاض أسعار الفائدة، ما أدى إلى تحقيق مكاسب كبيرة على المبيعات عند بيع القروض.
قال المدير المالي مارك جينكينز عام 2018، موضحا سبب كون أعمال شركة كارفانا الائتمانية مربحة للغاية: "يقوم المقرضون بأكبر قدر من العمل: حيث يضمنون القرض؛ ويضعون درجة الائتمان؛ ويسعرون؛ ويتحققون؛ وفي كثير من الحالات، يخدمون القرض (...) ونتيجة للقيام بمعظم الأعمال، يكسب المقرضون أيضا أكبر قدر من الأرباح على قرض معين".
يتساءل المشككون، ومن بينهم البائع على المكشوف، جيم تشانوس، كيف ستسير العمليات مع تغير هذه الظروف. قالت شركة كارفانا إن إجمالي ربحها لكل وحدة من بيع القروض والرسوم الأخرى بلغ 1921 دولارا في الربع الثالث.
يباع نحو 40 مليون سيارة مستعملة في الولايات المتحدة كل عام بقيمة إجمالية تقارب تريليون دولار. وبشكل عام، فإن نحو نصفها معاملات في السوق الخاصة، ويعالج الوكلاء معظم المبيعات المتبقية. في حين تمثل التجارة الإلكترونية نحو خمس مبيعات التجزئة الأمريكية، فإن أقل من 2 في المائة من مبيعات السيارات المستعملة تتم عبر الإنترنت.
تعد عمليات شركة كارفانا صعبة من الناحية الفنية. تحتفظ الشركة بنحو 20 مركزا للفحص والتجديد تنتشر في جميع أنحاء أمريكا حيث يتم صقل وتلميع السيارات الواردة حديثا لتحسين شكلها. يسمح التسوق عبر الإنترنت للشركة التي تتخذ من ولاية أريزونا مقرا لها بتجنب صالات العرض المكلفة ومندوبي المبيعات المكلفين.
لكن شركة كارفانا تتحمل تكلفة تسلم السيارات وتسليمها وقد أنفقت مبالغ كبيرة على الإعلان لبناء علامتها التجارية. حتى بالنسبة للمقياس المفضل لأرباح التشغيل، فإن التكاليف المباشرة والتكاليف العامة مجتمعة تتجاوز عادة الإيرادات. قال دانيال إمبرو، محلل الأسهم في شركة ستيفنز: "نحتاج إلى رؤية المزيد من (الزيادات في مبيعات السيارات) أو تحسنا في الربحية لكل وحدة حتى نرى تدفقات نقدية إيجابية على نحو مستدام".
احتاجت شركة كارفانا إلى جمع السيولة هذا الربيع لشراء شركة مزادات السيارات أديسا في صفقة بقيمة 2.2 مليار دولار. وقالت الشركة إن المواقع المادية لشركة أديسا ستوسع من تواجدها في مراكز التجديد، ما يعزز طاقة المبيعات السنوية إلى ما بين مليونين وثلاثة ملايين مركبة.
لكن تبين أن التوقيت صعب حيث كانت وول ستريت غير مرحبة الشركات النامية في الوقت الذي سعت فيه كارفانا إلى تمويل الصفقة. باعت شركة كارفانا أكثر من ثلاثة مليارات دولار من السندات غير المرغوب فيها المصنفة من فئة سي لمستثمرين مثل شركة أبولو غلوبال مانجمنت بعائد مرتفع نسبيا يزيد عن 10 في المائة. كما باعت 1.3 مليار دولار من الأسهم، مع شراء الثلث من قبل عائلة غارسيا بسعر 80 دولارا للسهم.
لقد تحولت شركة كارفانا من النمو السريع إلى الاحتفاظ بالنقد. قامت بتسريح 2500 موظف، أو 12 في المائة من قوتها العاملة. وقال غارسيا الثالث في مكالمة مع المستثمرين بعد نتائج هذا الشهر "أعتقد بلا شك أن التأرجح في الاستراتيجية من النمو بأسرع ما يمكن إلى تحقيق الربح بأسرع ما يمكن هو تغيير كبير".
أدت جائحة فيروس كورونا إلى طفرة في المبيعات، لكن إجراءات شركة كارفانا في بداية الأزمة أدت إلى التدقيق في حوكمة الشركات التي تتبعها.
في نيسان (أبريل) عام 2020، باعت 600 مليون دولار من الأسهم لمجموعة مختارة من المستثمرين والمطلعين. وكان من بين المشترين، الملياردير المؤسس المشارك لشركة غوغنهايم بارتنرز، مارك والتر، الذي كانت الشركات المتحالفة معه من المستثمرين القدامى في ديون وأسهم شركة كارفانا. اشترت عائلة غارسيا أسهما بقيمة 50 مليون دولار.
رفعت مجموعة من المساهمين دعوى قضائية بشأن بيع الأسهم في عام 2021، بحجة أن شركة كارفانا كانت لديها موارد كافية في بداية الجائحة وأن مجلس إدارتها يفتقر إلى عدد كاف من المديرين المستقلين للتدقيق في صفقة وفرت مكاسب غير متوقعة للمطلعين عندما ارتفع السهم بشكل كبير. باع غراسيا الثاني أكثر من مليار دولار من أسهم شركة كارفانا في عامي 2020 و2021، وفقا لملفات الأوراق المالية المشار إليها في الدعوى القضائية.
في وقت سابق من هذا العام، امتنع قاض في ولاية ديلاوير عن رفض الدعوى. لم يكن لغارسيا الأب، أكبر مساهم فردي في الشركة، دور رسمي في شركة كارفانا. لكن بحسب حكم القاضي، فقد "شارك خلف الكواليس في التخطيط والتنفيذ" لبيع الأسهم.
دفعت شركة كارفانا أيضا ملايين الرسوم إلى شركة درايف تايم والشركات الحليفة الأخرى لعائلة غارسيا. وأخبرت الشركة فاينانشيال تايمز أن هذه المدفوعات مخصصة للخدمات التي تساعد شركة كارفانا على النمو والبقاء متواضعة. قال متحدث باسم الشركة إن "المدفوعات من شركة كارفانا إلى الأطراف ذات الصلة غير مهمة في سياق حجم أعمالنا الإجمالية".
وفي وقت سابق هذا الشهر، سعى الرئيس التنفيذي لشركة كارفانا إلى طمأنة المستثمرين. قال غارسيا الابن في بيان: "على الرغم من أن التقدم نادرا ما يكون خطا مستقيما، إلا أننا ما زلنا في طريقنا لأن نصبح أكبر شركة بيع تجزئة للسيارات وأكثرها ربحية".
يصر المؤمنون بالشركة على إثبات صحة نموذج العمل. قال مسؤول تنفيذي منافس في مجال السيارات: "إذا تمكنوا من البقاء موسرين للعام المقبل، فستكون شركة كارفانا مستقبل شراء السيارات".
مع ذلك، كانت شركة كارفانا تعلن عن تدفقات نقدية خارجة حتى عندما كان سعر سهمها يبلغ ذروته العام الماضي. أسعار السيارات المستعملة تنخفض الآن، حيث انخفض المؤشر الذي جمعته شركة المزادات مانهايم بنسبة 7 في المائة على أساس سنوي.
قال بن أكسلر، مؤسس شركة سبروس بوينت كابيتال مانجمنت، صندوق تحوط كان ناقدا للشركة منذ فترة طويلة وبائعا على المكشوف لأسهمها: "لم تحقق شركة كارفانا أي تدفق نقدي إيجابي منذ تقديم التقارير المالية لأول مرة في عام 2014 – قبل أكثر من ثمانية أعوام".
"الآن بعد أن أصبح رأس المال أكثر تكلفة، فإنها ستختبر بالفعل شهية المستثمرين لتمويل طموحاتها التجارية الخاسرة".