أسئلة كبيرة في عالم لا يكف عن «التفلسف»

أسئلة كبيرة في عالم لا يكف عن «التفلسف»
تتسم الفلسفة بروح حيوية، جدل وتناقض، وفي المحصلة تكوين رأي.
أسئلة كبيرة في عالم لا يكف عن «التفلسف»
عبدالله الغذامي
أسئلة كبيرة في عالم لا يكف عن «التفلسف»
"اليونسكو": الفلسفة مفتاح لتعزيز مستقبل سلمي.

تعلمنا الفلسفة أن كل شيء مهما كان صغيرا أم كبيرا، فإنه قابل للتفكك والتعمق فيه، في ‏رحلة مستمرة من البحث، فهي مفتاح للمعرفة، باعتبارها وسيلة لتنظيم الفكر، وتطوير العلوم، وبوصلة يهتدي بها الباحث عن الحقيقة.
تزامنا مع اليوم العالمي للفلسفة الذي يصادف الخميس الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر)، عقدت مبادرة الشريك الأدبي المنبثقة عن هيئة الأدب والنشر والترجمة مجموعة من الفعاليات والأنشطة في المقاهي الشريكة، لتجعل منه يوما عربيا بامتياز، يجيب عن أسئلة كبيرة تدور في الأذهان.

رياضة التفلسف
في يومها العالمي، تصبح الفلسفة منصة للتفكير والنقاش الفلسفي، لتقدم مساهمة أساسية لرفاهية الإنسان، وهي مفتاح لتعزيز مستقبل سلمي، كما تراه منظمة اليونسكو، وتتسم بروح شبابية، جدل وتناقض، وفي المحصلة تكوين رأي، مع عدم الثبات على مبدأ معين.
وفي أمسية وجلسة حوارية أقيمت قبل أيام في بينالي الدرعية، ضمن برامج جمعية الفلسفة السعودية، وبدعم من هيئة الأدب والنشر والترجمة، تناول الدكتور عبدالله الغذامي والدكتور شايع الوقيان، استشكالات الأطفال الفلسفية، وتحدث الغذامي فيها عن رياضة التفلسف، حينما ينشط الذهن بطرح أسئلة طابعها فلسفي.
الغذامي أجاب في حديثه عن أسئلة الأطفال ضمن برنامج "الفيلسوف الصغير"، التي جاءت ضمن فكرة رياضة التفلسف، مبينا أن الفلسفة تصلح للجميع، دون تحديد سن، وقد حاول البعض إثبات أن الفلسفة تصلح للصغار، بدليل أن هناك أسئلة جاءت على ألسنة الأطفال لتثبت على ذهنية تفلسفية عند الأطفال، مستدركا "هذا أختلف فيه كمنتم للنظرية النقدية، فالعبرة بالنص وليست بالشخص، والحكم هو السؤال نفسه، هل هو سؤال فلسفي أم لا؟ ومن هنا لا بد أن نتعامل مع الأذهان بصيغة أخرى، وهي ثلاثة أنواع: الذهن الفطير، الذهن الصنيع، الذهن الناقد".

الأطفال يسألون
يرى الناقد الدكتور عبدالله الغذامي أن السؤال هو حجة ذاته، دون الاحتكام للسن، وبين أن الذهن الفطير تكون أسئلته من غير روية أو تفكر، حتى إن كان السؤال فلسفيا، بل انبثق السؤال هكذا، أما الذهن الصنيع فيعني أن السؤال نتج عن تفكر وتبصر وروية.
وأوضح أن الذهن الفطير يقوم على خمس خصائص، فهو يحدث في كل مرة يكون الذهن خاليا، حتى لو السن كبيرا، ويحدث في كل مرحلة من مراحل العمر، ولا ينتهي مع مرحلة الطفولة، ويحدث دون تفكر أو روية، وغايته استكشافية وليست جدلية، ويمكن أن يكون ظاهره فلسفيا، مثل سؤال الطفل، لماذا يذهب إلى المدرسة كل يوم؟".
وعند الكبار، أعطى الغذامي نماذج عن الأسئلة الفطرية، منها سؤال واجهه في جامعة الملك سعود، حينما كان في محاضرة لمعلمين في المستوى الثامن "فصل التخرج"، حينما سأله عن الكاتبة السعودية فوزية أبو خالد، فسأل كيف تكون فوزية وليست أم خالد؟ ورغم سذاجة السؤال، لكن كان فطريا.
أما السؤال الصنيع، فحتما يأتي بالتفكر والتدبر، ودعا الآباء إلى التروي والتعامل مع أسئلة أطفالهم على أنها أسئلة فطرية، لا تحمل أي نوع من الفلسفة، فذهن الطفل تساؤلي حافزه التعرف والاستكشاف، وقال إنه واجه في الجلسة الحوارية أسئلة للأطفال مقبلة من ذهن صنيع فلسفي، لأطفال من نجران، أسئلة وصفها الغذامي كبيرة، يقول، "لا أدري كيف نضجت هذه الأسئلة في أذهانهم؟ وتفرض على الجميع أن يتعامل معها تفلسفيا، وليس فلسفيا، لأن السؤال نص قائم بذاته، وهذه الأسئلة كانت، ما الهدف من الأخلاق؟ لماذا يحتاج الإنسان إلى قوانين لتردعه.. والدول التي لا تتبع أي ديانة من أين تأتي بقوانينها؟ ما هو الوعي؟ كيف سنستفيد من الفلسفة في المستقبل؟ هل نمتلك إرادة حرة؟".
الفضيحة الفلسفية
بعض أسئلة الأطفال كانت مثيرة للدهشة كما وصفها الوقيان، فيما أجاب عنها الدكتور الغذامي بقوله إن الوعي غير قابل للتعريف، وليس قائما بذاته، ويعرف بعلاماته، فالمفاهيم الكبرى تعرف بعلاماتها وليس بذاتها، والجريمة علامة على الوعي، لأن الجريمة التي تقع دون وعي لا تصبح جريمة، ومن شرط الجريمة أن تكون عن وعي، مثل الأسد الذي يأكل الإنسان، ولا نحاسبه على أنها جريمة، وكذلك الإنسان الذي تقع منه جريمة في غياب حالة الوعي ليست جريمة.
وحول الإرادة الحرة، أجاب بأنه لا بد من وجود الوعي لوجود الإرادة الحرة، فهي دليل على الوعي، وضرورة توافر التمييز، مثل التمييز بين الخير والشر، ثم يختار الشر ويعي أنه شر وإثم وذنب، ويعي الإنسان أنه مسؤول عن عمله ويعاقب عليه.
والسؤال الذي يطرحه البعض، هل نملك إرادة حرة؟ يصب في أخطر مبحث اليوم الذي تحدث عن الفيلسوف الأمريكي جون سيرل تحت اسم "الفضيحة الفلسفية"، ووفقا لسيرل، فإن الفلسفة في القرنين الأخيرين لم تعد في سؤال الإرادة الحرة إلا أنها تكرر ما قيل من قبل في القرون السابقة، أي تكرر الأجوبة الفلسفية القديمة، وسماه "فضيحة" لأن الفلاسفة بدأوا يستسلمون لفكرة العجز، ويحيلونها إلى علم الأعصاب.
وينتمي الغذامي للأقلية التي تقول إن الإرادة الحرة حقيقة وليست وهما، وهي حتمية بيولوجية، وكل ما فعلته وما ستفعله لاحقا هو مكتوب و"مبرمج" بيولوجيا لك، وأنت تتوهم بأن لك إرادة حرة.

أسئلة مربكة
يأتي اللقاء في ذكرى مرور عامين على تأسيس الجمعية الأهلية غير الربحية، المعنية بالشأن الفلسفي السعودي، وأجاب الدكتور شايع الوقيان فيه عن سؤال يقول، ما سبب حدوث العنصرية؟ وقال إنه سيجيب عنه من منهج الخبرة المعيشية، ويرى أنها ظاهرة جماعية وليست فردية، رغم أن من يمارسها أفراد، وما يحدث فرديا هو تنمر أو تعال وغرور وليس عنصرية في الغالب.
الوقيان، الذي يعرف بنفسه "فيلسوفا" عبر حسابه على تويتر، هو عضو مؤسس لجمعية الفلسفة، وله مؤلفات متخصصة في الفلسفة، منها الوجود والوعي، قراءات في الخطاب الفلسفي، الفلسفة بين الفن والأيديولوجيا، والكتاب المترجم "الهرمنيوطيقا"، أكد في الجلسة التي أدارها الدكتور عماد الزهراني، مشرف برنامج الفيلسوف الصغير في الجمعية، أن بعض أسئلة الأطفال تسبب إرباكا وإحراجا للبالغين، ليس بسبب أنها صعبة على الحل، وإنما هي أسئلة يطرحونها لا ننتبه لها بسبب انغماسنا في الروتين اليومي الذي يحجب عنا رؤية العالم كما هو، بعكس الأطفال الذين يرون الأشياء على طبيعتها، وتصدر أسئلتهم بشكل عفوي.

الأكثر قراءة