حان وقت رفع الستار عن غموض الشركات

حان وقت رفع الستار عن غموض الشركات

كتب مايكل لويس، في كتابه الشهير "ذا بيج شورت" The Big Short، أنه "عندما حول جون جوتفرويند في 1981 مصرف سالومون براذرز من شراكة خاصة إلى الشركة العامة الأولى في وول ستريت منذ تلك اللحظة، أصبحت شركة وول ستريت صندوقا أسود لا يعرف سير الأعمال داخله".
على الرغم من أن لويس كتب عن الخدمات المصرفية، فإنه كان يشير إلى مشكلة موجودة ليس فقط في "سالومون"، أو حتى داخل القطاع المالي فقط، بل في جميع الشركات الأمريكية تقريبا، حتى العامة منها. في جميع المجالات، باستثناء المعلومات المالية الأساسية، تظل الشركات صناديق سوداء سرية.
إن الغموض يصعب على المنظمين والمستثمرين والعاملين والعملاء اكتشاف حقائق مهمة، بدءا من مراكز المخاطرة المالية الكاملة للشركات الكبرى "يشير تقرير صندوق النقد الدولي لـ2018 إلى أن التمويل خارج الميزانية العمومية قد زاد منذ 2007"، وصولا إلى ما إذا كانت تلتزم بقيمها التي تتبناها، وما إذا كانت تعامل الموظفين الأفراد بإنصاف.
قال الاقتصادي ميلتون فريدمان في 1970 إن المسؤولية الاجتماعية للمديرين هي "كسب أكبر قدر ممكن من المال مع الامتثال للقواعد الأساسية للمجتمع، سواء تلك الواردة في القانون أو تلك الموجودة في العرف الأخلاقي". هذا منطقي تماما. لكن ماذا لو لم تفصح الشركات حتى عن بيانات كافية ليعرف الناس ما إذا كانت تلتزم بالقانون أو العرف؟
إنها قضية أبرزتها القوانين الجديدة حول شفافية أجور الشركات التي دخلت حيز التنفيذ في ولاية نيويورك الأسبوع الماضي. تتبع اللوائح، التي تجبر الشركات التي لديها أربعة موظفين فأكثر على تضمين نطاقات الرواتب عند إعلان شواغر، قوانين مماثلة أقرت بالفعل في كاليفورنيا وكولورادو وولاية واشنطن. لقد كشفت عن تشعب كبير بين أجور موظفي الرتب الأدنى وموظفي الرتب الأعلى، مع إظهار مدى اتساع "وغموض" نطاق الرواتب في أعلى رتب المؤسسة.
"سيصبح لدى الموظفين تساؤلات عن رواتبهم نتيجة لرؤية نطاقات الأجور المنشورة على وظائف مماثلة لوظائفهم"، كما يقول توصيف رحمن، شريك في شركة ميرسر الاستشارية.
ستكون القضية ملحة خاصة في وقت يرى فيه أكثر من 80 في المائة من الموظفين، وفقا لـ"ميرسر"، أهمية تعديل أرباب العمل للرواتب لتعكس البيئة الاقتصادية الحالية "التي لم يواكب فيها تضخم الأجور ولو قليلا التضخم الإجمالي" - لكن 21 في المائة فقط من أرباب العمل في الولايات المتحدة قالوا إنهم عدلوا الأجور لتتناسب مع أجور المعيشة.
ستزداد الضغوط من أجل الشفافية، حتى لو زادت البطالة. سيزيد الضغط على الشركات من أجل الكشف عن مزيد من المعلومات، علاوة على الأجر الثابت - ماذا عن التعويض غير النقدي وخيارات الأسهم وأنظمة المزايا المختلفة؟ كل هذه القضايا يستهدفها عدد متزايد من العاملين، ولا سيما الأصغر سنا، الذين يشعرون بحق أنهم لم يتمتعوا بحصتهم العادلة من أرباح الشركات "لا تزال حصة القطاع الخاص قريبة من مستويات مرتفعة قياسية مقارنة بالعمالة".
لكن شفافية الأجور ليست سوى غيض من فيض أكبر من غموض الشركات. هناك مجموعة كاملة من القوانين، عن موضوعات مثل الأسرار التجارية وبراءات الاختراع، التي تهدف إلى الاحتفاظ بالمعلومات داخل الشركات. أصبح تقاسم الملكية الفكرية في اللقاحات معركة قانونية ضخمة عالمية خلال الجائحة، لأن الشركات الأمريكية والأوروبية لم ترغب في التنازل عن أسرار براءات اختراعاتها، حتى أثناء مواجهة أزمة عالمية. أجبرتها الحكومات بهدوء على فعل ذلك، من أجل تسريع إنتاج اللقاحات، حتى عندما كانت تكافح علنا من أجل إبقاء الحماية القانونية.
لم تحل المشكلة، ولن تختفي. في حين أن دستور الولايات المتحدة نفسه يسمح للشركات بالاحتفاظ ببراءات الاختراع، والأسرار التجارية محمية بموجب قوانين الدولة، سيصبح هناك مزيد من الأزمات الصحية العالمية التي ستتطلب مشاركة مثل هذه المعلومات. على الحكومات أن تجد وسيلة لضمان قدرة الشركات الصغيرة والمبتكرين على حماية الملكية الفكرية، مع التأكد من ألا تستفرد احتكارات الشركات فيها على حساب المجتمع.
ما يسري على براءات الاختراع قد يسري قريبا على سلاسل الإمداد أيضا. في الأغلب ما تحجم الشركات عن كشف المعلومات التي لديها حول الموردين لأسباب تنافسية. لكن كما أظهرت عدة كوارث أخيرة في سلاسل الإمداد، فهي نفسها في الأغلب لا تعرف ما يكفي، حيث استعانت بمصادر خارجية من شركات ودول أخرى في جزء كبير من الإنتاج.
هذا على وشك أن يتغير. نظرا إلى أن قوانين المناخ التي تتطلب الإفصاح الكامل عن كميات انبعاثات الكربون في سلسلة الإمداد ستدخل حيز التنفيذ في النهاية، سترتفع معايير إعداد التقارير. علاوة على ذلك، في عصر فك الارتباط، الذي تسعى فيه الحكومات إلى معرفة ما إذا كان بإمكانها صنع منتجات مهمة محليا، ستضطر الشركات إلى معرفة المزيد - ومشاركة المزيد - عن أين تكمن المخاطر، في كل من القطاعين العام والخاص.
جزء مما سمح بمثل هذا الغموض في الولايات المتحدة هو أن الشركات تعامل معاملة الفرد قانونا، وتتمتع بكل الخصوصية المتاحة للأفراد. لكن هذا يتغير أيضا. في أيلول (سبتمبر)، وضعت وزارة الخزانة قانونا في صيغته النهائية يطلب من الشركات تقديم مزيد من المعلومات عن هوية مالكيها الحقيقية.
لقد حان الوقت، كما يقول أكاديميون مثل أنات أدماتي من جامعة ستانفورد، التي تبحث في قوة الشركات والغموض. "ينبغي ألا يكون لدى المؤسسات قدرة كبيرة على العمل في الخفاء. إن قوى الأسواق الحرة تقوض الثقة في المؤسسات الديمقراطية لضبطها".
في الواقع، حتى عند إهمال معايير فريدمان، أصبحت الأمور مظلمة للغاية بالفعل.

الأكثر قراءة