لا تحارب .. ربما الاستسلام خيارك الأفضل

لا تحارب .. ربما الاستسلام خيارك الأفضل

قالت ليز تراس قبل يوم من استقالتها "أنا محاربة، ولست مستسلمة". لقد كانت تردد كلمات بيتر مانديلسون عضو البرلمان منذ أكثر من عقدين، على الرغم من أن مانديلسون تمتع بحس جيد، وتحدث بعد الفوز في معركة سياسية بدلا من أن يتحدث أثناء خسارة.
إنه أمر فضولي رغم ذلك. أن يكون الشخص محاربا ليس مديحا بالكامل. إنها سمة قيمة في بعض الظروف، لكنها ليست كلمة سأستخدمها في سيرتي الذاتية.
لكن لا مجال للشك في مصطلح "مستسلم"، إنه إساءة صريحة. هذا غريب، ليس لمجرد وجود قدر كبير من الصراعات في العالم فحسب، بل عدم وجود قدر كاف من الاستسلام تقريبا. نحن عنيدون للغاية، نتمسك بفكرة، أو وظيفة، أو شريك حياة، حتى عندما يكون من الواضح أننا ارتكبنا خطأ.
توجد إيضاحات أفضل لهذا من انتشار "الاستقالة الهادئة"، التي يرفض فيها العمال الشباب المنهكون العمل أكثر من الساعات المتعاقد عليها أو تحمل مسؤوليات تفوق الوصف الوظيفي. إنه مصطلح منمق أكثر من "التقاعس"، المصطلح الذي سيطلقه الجيل إكس "المواليد من منتصف الستينيات إلى منتصف الثمانينيات" على مثل هذا الفعل قبل 25 عاما. كما أنه رد مفهوما تماما لإجهاد العمل وتقاضي أجر أقل من اللازم. لكن إن كنت مجهدا بالعمل وتتقاضى أجرا أقل من اللازم، فلن يكون الرد المناسب في أغلب الحالات هو "الاستقالة الهادئة" بل "الاستقالة ببساطة".
لا أعني بذلك السخرية من الجيل زد "مواليد منتصف التسعينيات إلى منتصف العقد الأول من الألفية الثانية". أتذكر أنني كنت بائسا تماما في وظيفة ما في العشرينات من عمري، وأتذكر أيضا مقدار الضغط الاجتماعي الذي واجهني للتمسك بها لبضعة أعوام من أجل ألا تبدو سيرتي الذاتية ضعيفة. السيرة الذاتية الضعيفة لها تكاليفها بالطبع. لكن إن كنت خريجا شابا، فهل تقضي عامين من حياتك في وظيفة تكرهها، بينما تراكم المهارات والخبرات والعلاقات في مجال تتمنى مغادرته. حذرني كثير من الناس من تكاليف الاستقالة، لكن الحكيمين فقط هم من حذروني من تكاليف عدم الاستقالة.
كل ما تتوقف عن فعله يفتح لك مجالا لتجربة ما هو جديد. كل ما ترفضه يعطيك فرصة لقبول شيء آخر.
في كتابها الجديد "استقل"، تجادل آني ديوك بأنه عند النظر في الاستقالة من عدمها، تؤثر تحيزاتنا المعرفية في الاستمرار، والاستمرار مبالغ فيه.
ما تلك التحيزات المعرفية التي تدفعنا نحو الاستمرار عندما يكون من المفترض أن نستقيل؟
أحدها هو تأثير التكلفة الغارقة، الذي نعامل فيه التكاليف السابقة كسبب يدفعنا إلى الاستمرار في مسار العمل. إذا كنت تتجول في مركز تسوق راق مفضل لك لكن لم تجد ما يعجبك، من المفترض أن يكون من غير المهم مقدار الوقت والمال الذي كلفك للوصول إلى المركز. لكنه ليس كذلك. نضع أنفسنا تحت ضغط لنبرر المتاعب التي تحملناها، حتى إن كان ذلك يعني هدر الوقت أكثر. ينطبق هذا الاتجاه على العلاقات إلى المشاريع الضخمة التي تكلف مليارات الدولارات. بدلا من تقليص خسائرنا، فإننا نهدر المال.
يميل "الانحياز إلى الوضع الراهن" أيضا إلى دفعنا نحو الاستمرار عندما يكون علينا التوقف. الانحياز إلى الوضع الراهن، كما أبرزته دراسة للاقتصاديين ويليام سامويلسون وريتشارد زيكهاوسر في 1988، هو ميل إلى إعادة تأكيد قرارات سابقة والتشبث بالمسار الحالي الذي نسير فيه، عوضا عن اتخاذ قرار حقيقي لفعل شيء مختلف.
ديوك مستاءة من الطريقة التي نصوغ بها قرارات الوضع الراهن هذه، بقولنا "لست مستعدا لاتخاذ القرار". تشير ديوك عن حق إلى أن عدم اتخاذ قرار هو قرار بعينه.
قبل عدة أعوام، أنشأ ستيف ليفيت، المؤلف المشارك لكتاب فريكونوميكس، موقعا إلكترونيا يمكن الأشخاص الذين يواجهون قرارات صعبة من تسجيل معضلاتهم، ورمي عملة معدنية لتساعدهم على الاختيار، ثم العودة لاحقا ليقولوا ماذا فعلوا وكيف كان شعورهم تجاه الأمر. كانت هذه القرارات مهمة غالبا، كترك وظيفة أو إنهاء علاقة. استنتج ليفيت أن الأشخاص الذين قرروا القيام بتغيير كبير - المستقيلين - كانوا أسعد بكثير بعد ستة أشهر من الذين قرروا عدم التغيير - المحاربين. الخلاصة، إن كنت قد وصلت إلى أن ترمي عملة معدنية لتساعدك على اتخاذ قرار الاستقالة أم لا، فقد كان عليك الاستقالة منذ فترة.
"أنا مستسلم ولست محاربا". إنه ليس شعارا سياسيا، لكنه قاعدة عامة للحياة، فقد رأيت أسوأ من ذلك.

الأكثر قراءة