الركود .. المحتوم قد لا يحدث أبدا
يميل الاقتصاديون إلى التفكير في التحركات التدرجية الصغيرة، ويفوتون المنعطفات الكبيرة في المشهد، ما يساعد على تفسير سبب عدم توقع وجهة نظرهم بالإجماع حدوث ركود أمريكي واحد منذ أن بدأت السجلات في 1970 - حتى الآن.
لأول مرة، لا يتوقع الاقتصاديون كمجموعة حدوث ركود في أمريكا في العام المقبل فحسب، بل يعطون ذلك احتمالا مرتفعا للغاية، أكثر من 60 في المائة، بالنظر إلى سجلاتهم، يجدر التساؤل عما إذا كان الإجماع، في الواقع، غير مرجح.
مع ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوياته في أربعة عقود ورفع البنوك المركزية لأسعار الفائدة بشكل قوي وبطريقة نادرا ما يتم توضيحها جيدا، يبدو أن الركود لا مفر منه. مع ذلك، كما حذر جون ماينارد كينز ذات مرة، "المحتوم لا يحدث أبدا وما هو غير متوقع يحدث باستمرار".
الحجة المؤيدة للسيناريو غير المتوقع- عدم حدوث ركود في الأشهر المقبلة- ستبدأ بانخفاض التضخم بسرعة. من شأن ذلك أن يسمح للاحتياطي الفيدرالي بالتراجع عن مزيد من التشديد. فقط عندما يتوصل الإجماع إلى قبول أن التضخم سيكون أعلى لفترة أطول، وليس "مؤقتا" كما افترض سابقا، فإن تخفيف اختناقات سلسلة التوريد يمكن أن يخفض التضخم بشكل أسرع من المتوقع.
تشمل العلامات انخفاض أسعار شحن البضائع، وتقلص حالات التأخير في الموانئ، وانخفاض "مؤشر ضغط سلسلة التوريد" الفيدرالي انخفاضا حادا. الاقتصاد الصيني في حالة من الذعر ويصدر تضخما أبطأ إلى بقية العالم. يتباطأ تضخم السلع مع انخفاض أسعار كل شيء من السيارات المستعملة إلى الطاقة الآن.
لا يزال كثيرون يفترضون أنه نظرا لأن سوق العمل الضيقة بشكل غير عادي تؤدي إلى ارتفاع الأجور بوتيرة سريعة، سيتعين على الاحتياطي الفيدرالي أن يتصرف كما فعل في أوائل الثمانينيات في عهد بول فولكر - حيث يرفع أسعار الفائدة بقوة ويتجنب حدوث دوامة تضخمية في الأسعار والأجور عن طريق تحفيز الركود.
لكن في الوقت الحالي، لا يزال الاقتصاد الأمريكي بعيدا عن منطقة الركود. النمو الضعيف في النصف الأول من هذا العام تلاشى في الربع الثالث، عندما نما الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بمعدل سنوي قدره 2.6 في المائة. الدخل المتاح يواكب التضخم، ما يشجع النمو الصحي في إنفاق المستهلكين. كما أن الإنفاق على السفر أقوى الآن مما كان عليه قبيل الجائحة.
ينفق القطاع الخاص أيضا، حيث ينمو الإنفاق الرأسمالي للشركات بشكل أسرع بكثير من إيرادات الأعمال والأرباح. كما أن معدل البطالة لا يزال منخفضا للغاية عند 3.7 في المائة وبالكاد يتزحزح على الرغم من تشديد الاحتياطي الفيدرالي. لا شيء من هذا يتوقعه أي شخص عندما يكون هناك ركود وشيك.
تؤدي سوق العمل الضيقة إلى زيادة تضخم الأجور، لكن بعض المحللين متمسكون بأمل أنه مع انخفاض الشواغر بشكل كبير من أعلى مستوياتها على الإطلاق في آذار (مارس) من هذا العام، فإن نمو الأجور أيضا سيهدأ قريبا. يتوقع العامة أن يتراجع التضخم مرة أخرى إلى الأرقام الفردية المنخفضة، ولن يظل عالقا قريبا من الأرقام الزوجية، كما كان الحال في الثمانينيات. لذلك هناك ضغوط أقل اليوم على الاحتياطي الفيدرالي لمواصلة رفع أسعار الفائدة.
من شأن انخفاض التضخم أن يعزز ثقة المستهلكين الأمريكيين، الذين يتمتعون بوضع مالي قوي بشكل غير عادي. تضخمت الودائع المصرفية خلال الجائحة، ولا يزال 2.5 تريليون دولار من هذا النقد في البنوك. لا يزال صافي الثروة الشخصية أعلى نحو 25 تريليون دولار عما كان عليه قبل الجائحة. اختفت إلى حد كبير الديون التي تضخمت في الركود الكبير في 2007-2009: اليوم ما يقارب 70 في المائة من مشتري المنازل لديهم درجات ائتمانية "فيكو" في المستوى الأعلى - أكثر من 760 - مقارنة بـ 20 في المائة قبل الأزمة.
بينما كنا مهيئين لتوقع أن تكون الصدمات الاقتصادية سلبية، هناك دائما احتمال أن يجلب حدث ما بهجة غير متوقعة. من شأن الشتاء الدافئ أو انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية أن يخفضا فواتير الطاقة، ما يساعد على إبطاء التضخم وزيادة النمو الاقتصادي.
ليس هذا هو السيناريو الأكثر احتمالا ومقارنة بالاقتصاديين، الذين عادة ما يشيرون إلى فترات الركود بعد أشهر من بدايتها، فإن الأسواق تملك سجل تنبؤ جيد. على الرغم من أن الأسواق يمكن أن ترسل إشارات خاطئة، ما يظهر توترا قبل فترات التراجع التي لا تحدث أبدا، فإنها تتوقع أيضا ركودا حقيقيا باستمرار. بالعودة إلى الحرب العالمية الثانية، هبطت سوق الأسهم الأمريكية 20 في المائة على الأقل، ودفع تجار السندات دائما العوائد قصيرة الأجل فوق العوائد طويلة الأجل في الأشهر التي سبقت الركود. تحذر كلتا إشارات السوق هذه من الركود الآن، لذا فإن تصور النتائج البديلة قد يكون تفكيرا سحريا.
مع ذلك، عندما يكون الإجماع قويا للغاية، ويرتكز على الاقتصاديين الذين يعد سجلهم في التنبؤ بالركود ضعيفا للغاية، فمن الصعب عدم التفكير في اقتباس كينز. ما هو غير متوقع ثابت في الأسواق والاقتصاد، ما يشير إلى أنه يجب علينا على الأقل التفكير في احتمال أن الركود ليس حتميا.
رئيس مجلس إدارة روكفلر إنترناشيونال