أمن الطاقة وترتيب الأولويات
أمن الطاقة يعني تلبية حاجة العالم من الطاقة من خلال مصادرها المتعددة، وسلامة إمدادات هذه المصادر لتصل إلى المستهلكين بأسعار معقولة ومناسبة لا تضر بالمنتجين والمستهلكين على حد سواء. الحقيقة التي يجب الوقوف عندها والتعاطي معها بمسؤولية وجدية بعيدا عن الأجندات السياسية والمصالح الضيقة لبعض الدول، أن أمن الطاقة قضية وجودية، وأي اختلال في منظومتها سينعكس عليها اقتصاديا وصناعيا واجتماعيا، بل أمنيا. العالم ينمو بتسارع مطرد، وفي ظل التطور الصناعي والتقني اللافت، فإن إمدادات الطاقة وديمومتها ليست قضية عابرة، ومن الضروري أن تضع دول العالم أمن الطاقة على رأس قائمة أولوياتها، وتعمل كل ما يلزم للمحافظة على صحة وسلامة الشرايين التي تغذيها بموضوعية، وأن ترتب أولوياتها في هذا الصدد.
اختلال منظومة أمن الطاقة العالمي قد يحدث لأسباب طبيعية، كالظروف المناخية من أعاصير وزلازل وغيرهما من الظروف الطبيعية التي تؤثر في إمدادات الطاقة من مصادرها المتعددة، فالظروف الطبيعية تختلف في تأثيرها بناء على نوع مصدر الطاقة، فعلى سبيل المثال، الغيوم لن تؤثر في مصادر الطاقة من الوقود الأحفوري، لكنها تؤثر بشدة في الطاقة الشمسية. سرعة الرياح، على سبيل المثال، لن تؤثر في الطاقة الشمسية ولا في الوقود الأحفوري، لكنها تؤثر بلا شك في طاقة الرياح، والأمثلة على تباين تأثير الظروف الطبيعية في مصادر الطاقة كثيرة جدا لا يسع المقال لذكرها. اختلال منظومة أمن الطاقة العالمي قد يحدث أيضا لأسباب فنية بحتة، والأسباب الفنية تختلف باختلاف مصادر الطاقة، فالمشكلات الفنية التي قد تعرض أسواق النفط للخطر تختلف عن الأسباب الفنية التي قد تهدد منشآت الطاقة النووية للاستخدام السلمي.
الجدير بالتنويه هنا أن جميع مصادر الطاقة بأنواعها المختلفة معرضة لمشكلات فنية قد تؤثر في إمدادات الطاقة، وهذا التأثر يتباين بحسب حصة مصدر الطاقة المتضرر من مزيج الطاقة العالمي، ولذلك من الطبيعي أن يسلط العالم الضوء على تقلبات أسواق النفط ويتأثر بها بصورة أكبر، لكون النفط يتربع على صدارة مصادر الطاقة العالمية. لا يقتصر اختلال منظومة أمن الطاقة العالمي على الأسباب الطبيعية والفنية، فلا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل الأسباب السياسية التي قد تعصف بأسواق الطاقة بضراوة تتجاوز الأسباب الطبيعية والفنية، فالأسباب الطبيعية مؤقتة، في رأيي، ومن الممكن أن تتجاوز أسواق الطاقة العالمية آثارها بناء على خطط الطوارئ المخصصة لهذه الظروف، وهذا ينسحب كذلك على الأسباب الفنية التي يمكن تجاوزها والسيطرة عليها. في رأيي، أن الخطر الحقيقي الذي يهدد مستقبل الطاقة وأمنها هو تعاطي بعض الدول وصناع القرار مع هذا الملف برعونة، وبنظرة ضيقة تخدم أجندات سياسية لتحقيق أهداف آنية ليس لمستقبل أمن الطاقة العالمي مكان في هذه الأجندات! الأسئلة الجديرة بالتنويه والتدبر: هل العالم فعلا يضع أولويات روافد أمن الطاقة في نصابها الصحيح؟ هل الأهم الآن تعزيز الاستثمار في صناعة النفط خصوصا والوقود الأحفوري عموما، لتجنب أزمة حقيقة للطاقة في المديين القريب والمتوسط، أم تكريس الجهود لتقويض صناعة النفط والاستثمار في أنشطته تحت غطاء التغير المناخي؟ هل الأجدى للعالم بأسره رفع كفاءة استخراج واستهلاك جميع مصادر الطاقة التي يحتاج إليها العالم بلا استثناء، أم تشتيت الجهود وإضاعة الوقت في الحشد والتجييش العلمي والإعلامي لمصدر للطاقة ضد آخر؟