التنفيذيون أدركوا للتو نقاطهم العمياء الجماعية
أسبوع آخر، موجة أخرى من عناوين إيلون ماسك. لكن أكثر عنوان إثارة للاهتمام من بين التي ظهرت أخيرا لا يذكر تويتر، منصة التواصل الاجتماعي التي يملكها ماسك الآن، بل يتعلق بالكشف عن أن المسؤولين التنفيذيين في "تسلا"، الشركة المصنعة للسيارات الكهربائية التي يقودها ماسك، فكروا في الاستحواذ على حصة في العام الماضي في "جلينكور"، شركة تجارة السلع.
لم تبرم الصفقة قط. لكن حقيقة أن هذه المناقشات حدثت تؤكد نقطة حاسمة: ماسك قلق بشكل متزايد بشأن مخاطر سلسلة التوريد المتعلقة بمعادن البطاريات.
تعتمد "تسلا" على معادن مثل الكوبالت والليثيوم لصنع السيارات، وتتحكم الصين في نحو 80 في المائة من عمليات المعالجة العالمية لهذه المعادن. لذلك يريد ماسك تنويع إمداداته، تحسبا لاحتمال فرض حظر على الصادرات الصينية مستقبلا. بعبارة هندسية، تواجه "تسلا" مشكلة "نقطة عطل مفردة". وهي ليست وحدها. عندما ينظر مؤرخو الشركات في المستقبل إلى 2022، فقد يؤطرونه على أنه العام الذي أصبح فيه المسؤولون التنفيذيون مهووسين بنقطة العطل المفردة.
ضع في الحسبان، إن شئت، النتيجة الطبيعية لاختصار آخر مكون من أربعة أحرف تسلل إلى أجنحة المسؤولين التنفيذيين على مدار العقد الماضي، "فوكا" Vuca، اختصار لـ"التقلب، وعدم اليقين، والتعقيد، والغموض"، وهي مصطلح صاغه الجيش الأمريكي يصف عالما غير مستقر ومخيف أكثر فأكثر.
كي نكون منصفين، القلق بشأن نقاط العطل المفردة ليس جديدا كليا. لطالما شعر المهندسون بالقلق إزاءها في الآلات الصناعية. وكذلك شعر القادة العسكريون الذين يتعاملون مع الخدمات اللوجستية. وواجه المنظمون الماليون هذه المشكلة خلال الأزمة المالية في 2008، ليس فقط داخل مصارف منفصلة، بل عبر النظام المصرفي كاملا.
مثلا، انظر إلى مؤسسة أيه آي جي فاينانشال برودكتس. قبل عام 2008، استخدمت بنوك عديدا من المشتقات المالية للتحوط في محافظها الائتمانية مع "أيه آي جي"، التي بدت كاستراتيجية معقولة لتخفيف المخاطر عند النظر إليها من منظور بنك واحد.
لكن عندما ضربت أزمة 2008، أصبح من الواضح أن شركات كثيرة قد تحوطت مع "أيه آي جي"، بالطريقة نفسها تماما، لدرجة أنها أوجدت تركيزات جديدة من المخاطر - أو شكلا من أشكال نقاط العطل المنفردة. المشكلة الرئيسة، كما أشار أندرو هالدين، رئيس قسم الاستقرار المالي آنذاك في بنك إنجلترا، هي أنه عندما تفتقر الشبكات إلى التنوع تصبح عرضة لصدمة واحدة.
كانت هذه تجربة مريرة للمنظمين الماليين. لكن ما يثير الدهشة، بالنظر إلى الوراء، أن العالم غير المالي لم يتعلم منها سوى قليل على ما يبدو.
حتى اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية في شباط (فبراير)، مثلا، لم يكن هناك سوى نقاش عام محدود بين عمالقة الصناعة الألمانية عن حماقة اعتمادهم الجماعي على الغاز الروسي. قبل عشرة أعوام، كان هناك نقاش بسيط مماثل بين شركات التكنولوجيا الأمريكية بشأن اعتمادها على تايوان لتوريد رقائق الكمبيوتر المتقدمة. لقد كانت نقطة عمياء جماعية صاعقة.
بالمثل، قبل جائحة كورونا تحدث عدد قليل من قادة الشركات الغربية عن مدى اعتماد أنظمة رعايتهم الصحية على التصنيع الصيني للإمدادات الطبية الرئيسة. كما أن حقيقة اعتماد أنظمة الشحن العالمية كثيرا على بقاء قناة السويس مفتوحة تم تجاهلها على نطاق واسع، حتى علقت سفينة في نقطة الاختناق هذه 2021.
من الأمثلة الأخرى، كان هناك نقاش سياسي وجيز بشكل ملحوظ في الأعوام الأخيرة بشأن درجة اعتماد الدول، من اليونان إلى إثيوبيا، على مجموعة صغيرة ومركزة من الكابلات تحت الماء لاتصالاتها بالإنترنت. وهذا أمر مقلق، كما أظهر الهجوم الأخير الغامض على خطوط أنابيب نورد ستريم تحت مياه بحر البلطيق.
تجري الآن عملية إعادة تفكير متأخرة في مجالس إدارات الشركات، بعدما أصبح من الواضح أن المخاطر الثلاثية المتمثلة في الحمائية، والحرب، وتغير المناخ يمكن أن تهدد سلاسل التوريد. فجأة لقيت كلمة "التنويع" رواجا بين مديري المخاطر، سواء على المستوى الجزئي "سعي (تسلا) إلى مصادر جديدة من الليثيوم، مثلا" أو على المستوى الكلي "بما في ذلك تحركات واشنطن لتحفيز إمدادات رقائق أكثر تنوعا".
كلمة أخرى، "الوفرة"، رائجة أيضا، مع محاولة الشركات بناء قدرات احتياطية لدعم التنويع. ومفهوم ثالث قيد التبني هو "التجزئة"، كما دعا إليه الكاتب نسيم نكولا طالب في كتابه "أنتيفراجيل" Antifragile.
مثلما أشار طالب، فإن مشكلة أنظمة التشغيل المترابطة بإحكام، باسم الكفاءة الانسيابية، هي أن هذه الأنظمة تسبب عدوى في الأزمات. شبكات الكهرباء مثال على ذلك. لذا إحدى طرائق بناء المرونة تتمثل في إنشاء أنظمة يمكن أن تنقسم إلى أجزاء منفصلة عند وقوع كارثة.
سيكون رائعا الاعتقاد بأن هذه الشواغل المتغيرة ستبني عالما أكثر مرونة. وسيكون أروع حتى أن نأمل أن يحدث هذا قبل أن تتفاقم الصدمات الجيوسياسية "خاصة بالنظر إلى أن شخصيات مثل راي داليو، من أعلام صناديق التحوط، تحذر الآن بصوت عال بأننا ننجرف نحو حرب عالمية".
لكن هذا التحول له جانب سلبي كبير واضح، هو أن رغبة المسؤولين التنفيذيين في تبني مفاهيم الوفرة والتجزئة والتنويع من شأنها أن تؤدي دائما إلى تكاليف جديدة. بعبارة أخرى، أي أحد يرى أنه يمكن إلقاء اللوم في الموجة الحالية من التضخم العالمي على البنوك المركزية يحتاج إلى التفكير مليا في "التقلب، وعدم اليقين، والتعقيد، والغموض" و"نقطة العطل المفردة". ثم ربطها بنماذج تقييمه.