ما الذي يدفع الخصوبة المتدنية في العالم الغني؟

ما الذي يدفع الخصوبة المتدنية في العالم الغني؟

يقول بعضهم، إن العالم سينتهي بالاحتراق. ويقول بعض آخر، إنه سينتهي بالتجمد. لكن بالنظر إلى الاتجاهات الديموغرافية في العالم المتقدم، فإنني أختلف مع الفريقين. أو كما عبر إيلون ماسك، رئيس شركة تسلا، عن الأمر، فإن "الحضارة ستموت حقا بأنين في (حفاضات) البالغين".
الدول الأكثر ثراء لديها سكان مسنون ومعدلات مواليد منخفضة. هذه ليست كل الأخبار السيئة: المجتمعات الأكبر سنا تميل إلى إظهار مستويات عنف وانعدام استقرار سياسي أقل مقارنة بالمجتمعات الأصغر سنا. لكن لديها أيضا معدلات نمو اقتصادي أقل، وأفرادها ليسوا دائما مواطنين عالميين صالحين. تنتج المملكة المتحدة، مثلا، عددا من الأطباء أقل من المطلوب لكل فرد من السكان. مهن مثل الطب ستكون دائما متنقلة جغرافيا، لكن عندما تلبي احتياجاتك من الرعاية الصحية بسرقة الموظفين من الدول الفقيرة، فمن الصعب الادعاء أنك أمة مسؤولة أو عطوفة.
الأهم من ذلك، ينبغي لنا أن نكون منشغلين بأسباب انخفاض معدلات الخصوبة في العالم الغني، لأن علينا افتراض أن الأمر يمثل مستقبل كوكبنا إذا ـ كما نأمل ـ استمر العالم بأسره في أن يصبح أكثر ثراء وصحة وأفضل تعليما.
بالطبع، بعض أسباب تراجع الخصوبة حميدة. في كثير من دول العالم الغني، عدد حالات الحمل التي تحدث في مرحلة المراهقة المبكرة وتستمر حتى نهاية فترة الحمل، أصبح منخفضا جدا الآن، لدرجة أنه لا يعتد به إحصائيا. وعلى الصعيد العالمي، تبلغ نسبة الشابات اللواتي يضعن مولودا قبل سن الثامنة عشرة 15 في المائة. وبالنظر إلى أن ظروف الأمومة تقع بين أكبر خمسة أسباب قاتلة للفتيات اللائي تراوح أعمارهن بين 15 و19 عاما في جميع أنحاء العالم، فإن هذا يعد أمرا إيجابيا لا تشوبه شائبة.
لكن في العالم الغني، ليست جميع أسباب انخفاض معدلات الخصوبة إيجابية. وفقا للخدمة الاستشارية البريطانية للحمل، نظام تحديد المواليد بطفلين للمطالبة بإعانة الأطفال الذي تم إدخاله في 2017، يعد "مهما" في صنع القرار بالنسبة إلى المرأة. أدى ذلك بكثير من اليساريين البريطانيين إلى القول إن معدلات الخصوبة المنخفضة في الدولة كانت نتيجة للانقسامات الاجتماعية والاقتصادية. لا عجب أن عددا أقل من الناس يختارون إنجاب الأطفال، إذا كانوا غير قادرين على تحمل تكاليف المنازل ويواجهون تكاليف باهظة لرعاية الأطفال.
هذا منطقي بشكل بدهي، لكن بعض البيانات تشير إلى أن انخفاض الخصوبة في العالم الغني أثبت أنه يقاوم زيادة الإنفاق على الحوافز الأسرية وغيرها من تدابير الرعاية الاجتماعية. في المملكة المتحدة، يكمن الدافع وراء الانخفاض في واقع تزايد انعدام الإنجاب بين الطبقتين المتوسطة والعليا. من الصحيح أن تكوين الأسرة قد تباطأ في بريطانيا، لكن ليس من الواضح على الإطلاق إذا ما كان الدافع الرئيس وراء ذلك هو الفقر أو عدم المساواة.
وفقا لتحليل أجراه مكتب الإحصاء الوطني، النساء الحاصلات على درجات علمية أكثر احتمالا للبقاء بلا أطفال مقارنة بالنساء غير الحاصلات على درجات علمية. بالنظر إلى أن النساء يشكلن المحرك الأكبر لزيادة المشاركة في التعليم العالي على مستوى العالم، فإن ذلك يشير إلى زيادة حادة للغاية في عدد الأسر التي لن يكون لديها أطفال في المستقبل.
أعتقد أن السبب الحقيقي ليس الظلم في سوق الإسكان أو في تكلفة رعاية الأطفال، لكن في مكان العمل. مع بعض الاستثناءات السعيدة، تعد الأمومة صفقة مروعة، من الناحية الاقتصادية، للنساء العاملات. على الرغم من وجود ندرة مؤسفة في الدراسات عالية الجودة حول هذا الموضوع، أعتقد أن النمط الذي نراه في بيانات المملكة المتحدة سيكون أكثر وضوحا إذا فصلنا خيارات الإنجاب بالنسبة إلى النساء اللائي يمثلن العائل الثاني للأسرة عن أولئك اللواتي هن العائل الأول.
ظهور ما يسمى "الوظائف الجشعة" - حين يرتبط تقدمك ارتباطا وثيقا بمقدار حياتك الشخصية التي ترغب في تأجيلها - يعد عاملا مثبطا إضافيا لإنجاب الأطفال. لكن بعض صانعي السياسة ينكرون أن هذه مشكلة: أخبرني أحد الوزراء أخيرا بأنهم لم يكونوا قلقين بشأن الفجوة المتبقية في الأجور بين الجنسين، لأنها عقوبة أمومة "فحسب".
بالطبع، سيخبرك معظم الأشخاص الذين لديهم أطفال، وبشكل منطقي، أن الأمومة أمر مهم للغاية. بشكل عام، يعد النفور من الخسارة قوة مؤثرة في اتخاذ القرار. الشخص الذي لديه مهنة يستمتع بها، والذي يفتقر إلى صاحب عمل داعم، سيتردد في التأكد من أن طفله الافتراضي سيعوض فقدان الدخل والمكانة في العمل. لقد شبه الكاتب ريتشارد ريفز الأثر الاقتصادي للولادة في المرأة العادية "بالنيزك". إذن، ليس من المستغرب أن تسعى النساء إلى تجنب الاصطدام.
في العالم الغني، في الوقت الحالي، هذه مشكلة يمكن لصانعي السياسات "حلها" عبر الهجرة. لكن مع انتشار الثروة، والتعليم، والازدهار، الطريقة الوحيدة لمنع معدلات الخصوبة العالمية من الانهيار وتجنب نهاية العالم بـ"حفاضات" البالغين هي جعل الولادة صفقة أفضل للنساء العاملات. يجب أن نبدأ الآن.

الأكثر قراءة