الروائي بهاء طاهر .. صراع الموت والحلم

الروائي بهاء طاهر .. صراع الموت والحلم
الروائي بهاء طاهر .. صراع الموت والحلم
الروائي بهاء طاهر .. صراع الموت والحلم
الروائي بهاء طاهر .. صراع الموت والحلم

"لا أفهم معنى للموت.. لكن ما دام محتما فلنفعل شيئا يبرر حياتنا، فلنترك بصمة على هذه الأرض قبل أن نغادرها".. وكأنه بهذه الكلمات التي أوردها على لسان بطل روايته الأخيرة "واحة الغروب"، أراد الأديب المصري بهاء طاهر، الذي رحل عن هذه الدنيا عن عمر 87 عاما، أن يودع الحياة التي أمضاها متنقلا بين طيات صفحات الكتب، يبحث عن ألغاز الحياة وما ورائياتها، حاول أن يدرك معنى الموت، لكن عبثا لم يفهمه، فأراد أن يتغلب عليه قبل أن يغلبه، فشهر سلاحه، ذلك السلاح الذي ما فتئ يرافق كل الأدباء والمفكرين، الذين طالما سكنهم هاجس الخلود عبر ما يتركونه خلفهم من إرث ثقافي سرمدي، ليكون نبراسا للأجيال اللاحقة.
لم يكن الروائي المصري محمد بهاء الدين عبدالله طاهر، وشهرته بهاء طاهر، الذي ولد 1935، بعيدا عن ذلك الهاجس المشترك عن كل أقرانه من أدباء وفنانين، ألا وهو ترك بصماتهم قبل رحيلهم عن هذه الدنيا الفانية. إنه هاجسه الأول والأخير، انشغل به منذ مطلع حياته الأدبية وبدايات كتاباته، فكان أشد حرصا من غيره على أن يترك بصماته العديدة في كل المجالات التي أسهم فيها روائيا وقصصيا، ومترجما، وناقدا مسرحيا، ومفكرا، ومخرجا مسرحيا، علاوة على رعايته أجيالا من الكتاب الشباب.
أسئلة عديدة لنهايات لا بدايات لها
تبحث بين أبجدية كلماته، عن لغته المختلفة، فتجذبك رغبات المطالعة، تقرأ وتقرأ وتشعر بأنك تحتاج إلى مزيد، تغريك رواياته المستلقية على رف في مكتبة قديمة، تفتحها وتسافر بها ومعها إلى عالم لا يشبه عالمك، وإن كان فيه منه كثير. تدفعك الحشرية إلى اكتشاف مزيد عن مؤلف تلك الرواية، لتجد نفسك أحد أبطال قصصه المتشابكة والمتداخلة بين الوقع والحلم والوهم.
إنه فن الكتابة، لا يتقنه كثيرون، لكن من ينجح في ممارسته يذيع صيته، وتتناقل كلماته الألسن، ويصبح نموذجا نبحث عنه في قصة قصيرة أو رواية عابرة أو حتى مسلسل تلفزيوني.. وبهاء طاهر واحد من القلائل الذين عرفوا شهرة واسعة، لكنه بقي في الظل، كتب روايات عن أبطال يشبهوننا، فتحولت إلى أعمال تلفزيونية وترجمت إلى أكثر من لغة.. هو الباحث عن معنى الكلمة وتأثير القصة، والمترفع عن الألقاب والجوائز، هو ابن النيل الأسمر، الذي دخل إلى كل منزل دون استئذان بقصد أو غير قصد، حين تسلح بقلمه ومشى.
حياته وأعماله الروائية والقصصية في الدراما الإذاعيةتأخر الروائي محمد بهاء الدين عبدالله طاهر، في حضوره الثقافي كقصصي وروائي، وانشغل في بداية حياته بكتابة السيناريو لعديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية، وقدم أعمالا روائية وقصصية في شكل دراما إذاعية. اعتمد على الحوار في أسلوبه، ولعل هذا ما قرب المسافة بينه وبين القارئ، الذي بدوره شعر في مكان ما بأن طاهر يتحدث بلسانه ويطرح هواجسه وأحلامه.
لم يبدأ بهاء طاهر في كتابة القصص والروايات في سن صغيرة، مع أن أول ثماره الأدبية أينعت في 1972 حين قدم مجموعة قصصية حملت عنوان "الخطوبة"، حاكها من صميم الواقع المصري، وظل صائما عن أي إصدار أدبي حتى 1984 حيث قدم روايته "بالأمس حلمت بك"، ثم كتب "شرق النخيل"، و"قالت ضحى" 1985، وتوالت أعماله القصصية والروائية بعد ذلك، وكرت السبحة، حيث أغنى المكتبة العربية بمجموعة من الروايات والقصص التي عكست تمرد الكاتب ونظرته إلى الحياة ومواقفه من جميع الظروف الاجتماعية والسياسية والفكرية المحيطة به.
لم يفارق شبح الموت معظم أعمال بهاء طاهر، فسكن الموت أعماله القصصية "الخطوبة - بالأمس حلمت بك - أنا الملك جئت"، والروائية "شرق النخيل - قالت ضحى - خالتي صفية والدير"، فهناك دائما أحداث موت، أو قتل، أو انتحار، أو تذكر لموتى، أو قتلى، أو منتحرين. فالموت في أعمال بهاء طاهر موجود بشكله الجسدي الفعلي المحدد، وموجود أيضا بشكله الرمزي الاستعاري. فموت الإنسان في أعماله ليس فقط موتا جسديا لأبطاله فحسب، بل هناك أيضا موت المعاني والرموز، والمثل. "غياب العدل وتفشي الظلم، هو نوع من الموت لقيمة العدالة الكبيرة، وغياب الحرية وحضور القمع نوع من الموت لقيمة الحرية الكبيرة، وغياب الجمال والنظام والصدق، وحضور القبح والفوضى والكذب نوع من الموت لقيم الجمال والنظام والحقيقة كبيرة الأهمية" على حد تعبير دراسة الدكتور شاكر عبدالحميد الناقد الكبير الراحل، في دراسته النقدية لأدب الروائي طاهر، التي حملت عنوان "الموت والحلم في عالم بهاء طاهر"، المنشورة في مجلة "فصول" النقدية، "عدد نيسان (أبريل) 1993".
«خالتي صفية والدير» .. عمق الترابط والحب والأخوة قد لا يعرف الجمهور عن الروائي محمد طاهر كثيرا، لكنه بلا شك يعرف قصة "خالتي صفية والدير"، المسلسل الذي حصد عديدا من الجوائز وشكل علامة فارقة في تاريخ الدراما المصرية، وقد عكست هذه القصة عددا كبيرا من المفاهيم الاجتماعية المهمة السائدة في صعيد مصر، ومنها الرغبة في الأخذ بالثأر، كما أنها أوضحت عمق الترابط والحب والأخوة. كتب طاهر هذه الرواية 1991 ولم يكن في حسبانه أنها ستكون جواز عبوره إلى الجمهور المشاهد.
كذلك رواية "واحة الغروب" التي صدرت في 2008، تعد واحدة من أهم وأفضل روايات بهاء طاهر، كونها نقلت أجواء مصر خلال فترة الاحتلال الإنجليزي، وتميزت بالواقعية وقربها من كل شخص قرأها واستمتع بسردية سطورها.
اشتهر بهاء طاهر بقيامه بترجمة عديد من المؤلفات إلى اللغة العربية، ولا نبالغ إذا قلنا إنه أبرز من عرف القارئ العربي على باولو كويلو الروائي العالمي، حين قام بترجمة كتابه الشهير "الخيميائي" إلى اللغة العربية تحت عنوان "ساحر الصحراء" في 1996، كما ترجم عمل يوجين أونيل المعنون بـ"فاصل غريب" الذي ظهر 1970.
وشاء الله أن تسدل الستارة على حياة بهاء طاهر الروائي والأديب، فوافته المنية، منذ أقل أسبوعين، بعد صراع مع المرض، فرحل "كاتب عظيم من رعيل الكتاب الكبار، جادت به أرض مصر ليثري الإبداع والمكتبة العربية بعشرات الروايات والدراسات". ولعل أدق تعبير عن خسارة الثقافة والأدب للروائي طاهر، الكلمات التي نعاه بها طارق الشناوي الناقد الفني على صفحته على فيسبوك قائلا "لكل إنسان نصيب من اسمه، والأستاذ بهاء طاهر كان له النصيب من البهاء والطهر.. وداعا أستاذنا الكبير الذي ترك بصمة لا تنسى.. وداعا صاحب (واحة الغروب) الذي لا يعرف أبدا الغروب".

الأكثر قراءة