قراءات
أيام الهجران
امرأة في ريعان الشباب، تحيا حياة هادئة ومرضية، لم تجعلها تتقوقع في حلقة العائلة المقفلة "الزوج والابنين والكلب"، وإذا بها تغرق في دوامة حالكة وضاربة في القدم عندما يهجرها زوجها على حين غرة. يبدو كأن الهاوية تطبق عليها وتحول دونها ودون النظام والحياة وصفاء ذاك الزمن الغابر، الذي يبدو لها ظاهريا ألا عودة إليه. بدءا من أحد أيام أبريل وبين جدران منزل تنتظم فيه الحركات كافة، وفق ترتيب مبرمج ومتماسك يحاكي الروح التي تسود مدينة تورينو، تشرع أولجا في أداء دور المرأة المهجورة. في رواية إيلينيا فيرانتي تتخذ محطات السقوط في الهوة الجهنمية السحيقة مظهر الأرق والشرود والغضب على الذات وعلى الآخرين. تنتشر عبر أولجا في البيت الفوضى، فتنسلخ المرأة عما حولها وتطلق العنان لعدائيتها تجاه ابنيها، ويعيل صبرها إزاء الكلب الذي خلفه زوجها لها تركة من الأيام الماضية. تحيلنا هذه الرواية إلى نار المأساة الإغريقية ورمادها، وقد ارتدت ثوبا راهنا، وإذا بنا أمام حدث مؤلم إنما لا يشذ عن العادي، وأمام مشهد مدني يحرص على الصورة التي يقدمها للمتفرجين.
المستحيل
على طريق شديد الانحدار، يسقط رجل في الفراغ وخلفه رجل آخر ينبه. لكنهما ليسا غريبين. كانا رفيقين في المجموعة الثورية نفسها قبل 40 عاما. لقاء غير محتمل، مصادفة مستحيلة خاصة للقاضي الذي يحاول جعل المشتبه فيه يعترف بارتكاب جريمة قتل مع سبق الإصرار. عبر التحقيق ورسائل يكتبها المتهم لحبيبته من داخل السجن، يحاول تفسير الشعور بالحرية لحظة تسلق جبل لا تحجب العزلة عنه إمكانية المصادفات شبه المستحيلة. شيئا فشيئا يتحول الاستجواب إلى مناظرة بين قاض شاب ومتهم عجوز "من الجيل الأكثر اضطهادا في تاريخ إيطاليا"، تظهر انعكاسا ثريا للالتزام والعدالة والصداقة والخيانة. المؤلف إنريكو دي لوكا - المعروف باسم آري دي لوكا - شاعر وروائي ومترجم إيطالي من مواليد 20 مايو 1950، بدأ الكتابة منذ كان في الـ20 من عمره، ونشر أول كتاب له 1989 بعنوان "ليس الآن، ليس هنا"، وتبعه عديد من الكتب، التي أصبحت الأكثر مبيعا في إيطاليا وفرنسا.
الفلسفة الخالدة
من النادر أن تجتمع الجزالة الأدبية مع الفلسفة، لذا نحن أمام كتاب شديد التميز، كتاب في الفلسفة، لكن مقاربته تكاد تكون شعرية. ولم لا؟! وقد كتبه ألدوس هكسلي، أحد أهم أدباء القرن الـ20 وصاحب الرؤى النافذة التي تنطق بها سطور رواياته وإبداعاته وأعماله الفكرية أيضا. ولم لا؟ وموضوع الكتاب هو الفلسفة الخالدة، الأصل الواحد والمحرك الأول الذي جاء منه كل وجود، يحاول هذا الموضوع أن يصف في كثير من الأحيان خبرة، يكاد يكون من المستحيل نقلها، لذا على العبارة أن تلجأ إلى المجاز وأن تبذل قصارى جهدها كي تتزين وتتجمل وترقى وتسمو. أراد هكسلي من هذا الكتاب أن يكون أنطولوجيا "مبحث وجود" الفلسفة الخالدة، لذا نجده يقتبس من مقولات جل التقاليد الدينية في كل زمان ومكان، صنف تلك المقولات تحت عناوين فصوله، من أجل أن يشرح أغلب أبعاد هذه الفلسفة الخالدة التي نجدها في قلوب الناس، تلك الفلسفة التي تؤمن بأن كل الأديان قد نشأت من جوهر واحد، وإن تعددت.