رسالة إلى الأسواق .. ما يحدث في اليابان لن يبقى في اليابان

رسالة إلى الأسواق .. ما يحدث في اليابان لن يبقى في اليابان

بعد أن احتلت اليابان دورا محوريا في التجارة الدولية وتطورات سوق العملات في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، بدأ تأثيرها ينخفض تدريجيا في الاقتصاد العالمي والأسواق. "ما يحدث في اليابان سيبقى في اليابان"، شعار بات كثيرون يرددونه. لكن من الممكن أن يتغير هذا الوضع إذا لم تستعد السلطات اليابانية جيدا لما أصبح يبدو أكثر أنه خروج حتمي من سياسة "التحكم في منحنى العائد".
التحكم في منحنى العائد هو نظام السياسة النقدية الذي تم استخدامه في 2016، الذي بموجبه يحدد بنك اليابان سعر الفائدة الرئيس طويل الأجل عن طريق شراء السندات عندما يختبر عائد السوق مستواها. من خلال هذا التحديد، والتأثير في عوائد السندات قصيرة الأجل عن طريق تحديد معدلات سياسة معيارية، يسعى البنك المركزي إلى تحفيز النمو ومواجهة الانكماش.
مهما كانت وجهات نظرك حول فاعلية التحكم في منحنى العائد "وهي مسألة خاضعة للنقاش"، فإن ارتفاع العوائد حول العالم يجعل من الصعوبة بمكان الاستمرار في هذه السياسة دون زيادة الأضرار الجانبية والعواقب غير المقصودة. وقد اشتمل ذلك على انخفاض سريع في قيمة العملة، وتدخلات كبيرة من قبل البنك المركزي في سوق الصرف الأجنبي، وضغوط متكررة في أداء سوق سندات الحكومة اليابانية "يشمل ذلك الأيام التي يكون فيها التداول قليلا، إن وجد".
وكلما طال تمسك اليابان بسياسة التحكم في منحنى العائد في ظل السياق العالمي الحالي، سيتعين على السلطات إنفاق مزيد لمقاومة انخفاض قيمة العملة، ومقاومة الضرر الهيكلي الأكبر الذي سيلحق بنواة النظام المالي للبلاد.
لا عجب أن يتوقع معظم المراقبين أن تضطر اليابان إلى الخروج من هذه السياسة، وهي وجهة نظر يعززها ارتفاع التضخم وتزايد مطالب النقابات العمالية الرئيسة برفع الأجور. وعندما يتعلق الأمر بوقت حدوث ذلك، فإن التوقعات المجمع عليها هي بعد الولاية الثانية لهاروهيكو كورودا محافظ بنك اليابان الحالي، التي تمتد لخمسة أعوام، تنتهي في آذار (مارس) من العام المقبل. إذا كان هذا صحيحا، فستمنح السلطات اليابانية فرصة تطول شهورا للاستعداد لما تعده مناورة سياسية صعبة بطبيعتها.
لقد أظهر التاريخ مرارا وتكرارا أن الخروج من نظام السعر الثابت المطول تحيط به تعقيدات، سواء كان ذلك يتعلق بالعملة، أو أسعار الفائدة، أو الأسعار المحلية والإعانات المالية. وهو صحيح بشكل خاص عندما يكون الربط المعني قد تسبب بالفعل في تشوهات عديدة.
يجب أن نتوقع أن يتحرك جزء كبير من هيكل سعر الفائدة الياباني إلى أعلى بشكل ملحوظ عندما يتم إيقاف العمل بسياسة التحكم في منحنى العائد. وسيكون التأثير حادا بشكل خاص على كبار حاملي السندات الحكومية اليابانية المحليين، الذين طالما وجدوا طرقا لزيادة حيازاتهم من هذا "الأصل الآمن" سعيا إلى زيادة العوائد.
في ظاهر الأمر، سنجد أن هذا السلوك هو الذي تبنته أنظمة التقاعد في المملكة المتحدة. وقد انقلبت قابليتها للاستمرار رأسا على عقب بسبب الزيادة المفاجئة في عوائد السوق الناجمة عن كارثة الميزانية "المصغرة".
وقد قلت "في ظاهر الأمر" بسبب ثلاثة اختلافات واضحة، الأول، كان وضع المملكة المتحدة يتضمن بالدرجة الأولى رفع مخاطر "سعر الفائدة" الحكومية، بينما يبدو أن وضع اليابان ينطوي على مزيد من "مخاطر الائتمان". الثاني، أن جزءا كبيرا من هذا الخطر أتى من خلال المطالبات على كيانات خارج اليابان مثل الشركات أو الحكومات. الأخير، أن بنك اليابان سيواجه عديدا من العقبات في مواصلة التدخلات الجراحية لتهدئة الأسواق إذا لزم الأمر.
سيناريو المخاطرة هنا هو احتمال أن تؤدي الخسائر الكبيرة ومطالب الوسطاء بمبالغ من المستثمرين عند انخفاض أرصدتهم عن حد معين إلى الضغط على كيانات يابانية محددة مفرطة في الانكشاف، للتخلص من الأصول بطريقة غير منظمة. وبالنظر إلى حجم الحيازات المتقاطعة، فإن هذا من شأنه أن يؤجج العدوى عبر الأسواق والحدود، بحيث يمكن الشعور بها بشكل خاص في أماكن مثل الشركات الأمريكية والأوروبية ذات التصنيف الاستثماري، وفي العائد المرتفع، وكذلك في القروض المصرفية ذات الرافعة المالية، والأسواق الناشئة. وسيأتي ذلك في وقت تسهم فيه الزيادات السريعة الحالية لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في أسعار الفائدة التي تستهدف مواجهة ارتفاع التضخم، في تكبد المستثمرين خسائر كبيرة، وإحداث تقلبات مقلقة. الشعور هو عدم وجود مكان للاختباء فيه.
أهمية التقليل من سيناريو المخاطر هذا تتزايد بسبب المخاوف الحالية بشأن السيولة والأداء المنظم للأسواق الأخرى في الدول المتقدمة. بل إنه أكثر أهمية في وقت لا يستطيع فيه الاقتصاد العالمي المتباطئ تحمل التشويه الناجم عن حوادث السوق.
نهج السياسة اليابانية يتضمن التحديد المبكر "للتداولات المؤلمة"، والتشجيع على تقليص المديونية بطريقة استباقية منظمة، وتوضيح طبيعة ومدة التدخل في حالات الطوارئ إذا لزم الأمر، بما في ذلك درجة التحمل التنظيمي المقبول. لا شيء من هذا يعد سهلا، وليس مضمونا نجاحه على الفور. لكن البديل المتمثل في ترك الأسواق تفعل ذلك بطريقتها سيكون أكثر إشكالية لكل من اليابان وبقية العالم.

 

*رئيس مجلس إدارة شركة روكفلر إنترناشونال

الأكثر قراءة