إجهاد مائي في الهند .. مزارعو الأرز في الخط الأمامي

إجهاد مائي في الهند .. مزارعو الأرز في الخط الأمامي

"الثورة الخضراء" التي شهدتها الهند في ستينيات القرن الماضي تمت الإشادة بها على مستوى العالم، لدمجها بين السياسات والتقدم العلمي في الزراعة - ما أدى إلى تحقيق الأمن الغذائي في الدولة المستقلة حديثا. ساعدت زيادة الغلة وإنتاج المحاصيل الأساسية، كالأرز والقمح، في منع المجاعات التي عصفت بالبلد في عهد الاستعمار البريطاني.
لكن تكثيف الزراعة الهندية في العقود التي تلت ذلك ولد سلسلة من التحديات الخاصة به، من التلوث الكيميائي إلى تشويه الأسعار، لكن أعظم هذه التحديات هو الاستخدام غير المستدام للمياه.
الهند التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة، هي من بين أكثر البلدان التي تعاني إجهادا مائيا في العالم. في 2019 قدر تقرير صادر عن مركز إن آي تي آي أيوج للأبحاث التابع للحكومة الهندية أن 600 مليون هندي يواجهون "إجهادا مائيا عاليا"، وحذر من أن 21 مدينة كبيرة – من ضمنها العاصمة نيودلهي - ستنفد منها المياه الجوفية في غضون أعوام.
مع توظيف نحو نصف القوى العاملة في الزراعة، فإن هذا يمثل تحديا كبيرا، ليس فقط للمزارعين، بل أيضا للاقتصاد ككل.
السلطات الهندية تدرك التحدي. دعا رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، المواطنين مرارا وتكرارا إلى "توفير كل قطرة ماء ممكنة"، قال في خطاب صدر في يوم المياه العالمي في آذار (مارس) الماضي: "ينبغي لنا استخدام المياه باعتدال".
مع ذلك، حجم المهمة أذهل صانعي السياسات والاقتصاديين وعلماء البيئة على حد سواء، فغالبا ما يعتمد المزارعون في الهند، على الرغم من تعرضهم لقلة المياه، على سلسلة من الحوافز والإعانات التي تشجعهم على زراعة المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه، كالأرز. مثلا، يحصل كثير منهم على كهرباء مجانية تسمح لهم بضخ المياه من الأرض، ما يؤدي إلى استنزاف مستويات المياه الجوفية.
يعتمد هؤلاء المزارعون أيضا على الأمطار الموسمية السنوية التي تهطل في شبه القارة الهندية بين يونيو وسبتمبر، لكن تغير المناخ جعل هذه الأمطار أكثر تقلبا، الأمر الذي أدى إلى مزيج لا يمكن التنبؤ به من الفيضانات الشديدة والجفاف. مثلا، أدت الفيضانات غير المسبوقة في باكستان هذا العام إلى تدمير المحاصيل جنوبي البلاد، بينما يواجه المزارعون في المناطق الجافة بالفعل حالات إجهاد مائي متزايدة.
يقول كاران مانرال، وهو مزارع ومؤلف متخصص في الزراعة: "الهند تعاني نقصا في المياه وتواجه مستقبلا مخيفا من انعدام الأمن المائي". يضيف: "ما نراه بالفعل هو شكل من أشكال الفوضى المناخية. فما أنماط الأمطار الموسمية؟ لست متأكدا من أنني قرأت أي شيء لديه فكرة عن كيفية عمل يانصيب المناخ في أي مكان".
وسط هذه الخلفية، تتدافع السلطات والمؤسسات غير الحكومية والقطاع الخاص لإيجاد حلول.
في أحد طرفي المعاملة، ضخ أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين الأموال في شركات ناشئة تروج للحلول التكنولوجية، كالزراعة المائية - وهي طريقة عالية الكفاءة في استخدام المياه لزراعة النباتات دون تربة. لكن كثيرين يرفضون هذه الأساليب بصفتها مكلفة للغاية للاستخدام الجماعي.
يقول مانرال: "قد يكون هذا رائعا في مكان حضري للغاية، في مدينة نيويورك، حيث الأراضي باهظة الثمن. لكن إذا قلت إنها ستنقذ مستقبل الزراعة، فستربكني تماما (...) التكلفة فلكية بالنسبة لما يستطيع المزارع في الهند القيام به".
تشمل الأساليب الأخرى تحفيز المزارعين على زراعة محاصيل أقل استهلاكا للمياه، مثل الذرة البيضاء - وهي نوع من الحبوب يزرع تقليديا في الهند - بدلا من الأرز. مثلا، في 2020، أطلقت الحكومة في ولاية هاريانا الزراعية الشمالية الغربية مخططا يقدم للمزارعين سبعة آلاف روبية "85 دولارا" لكل فدان يزرعون فيه شيئا آخر غير الأرز.
مع ذلك، حققت هذه المبادرات نجاحا محدودا، يجادل أفيناش كيشور، وهو باحث في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية في نيودلهي، بأن الاختلافات الهائلة في العوائد المحتملة تعني أنه غالبا ما تكون زراعة الأرز مربحة أكثر من البدائل - حتى مع الأموال الإضافية.
يتمتع مزارعو الأرز أيضا بالحد الأدنى من الأسعار التي تفرضها الحكومة، التي تزيل كثيرا من المخاطر المالية عنهم، وهذه ليست هي الحال مع عديد من المحاصيل البديلة. يشير المدافعون عن مثل هذه الترتيبات إلى أن تشجيع إنتاج المواد الغذائية الأساسية مثل الأرز والقمح يحمي الأمن الغذائي من خلال إيجاد فوائض استراتيجية لتوزيعها في أوقات الحاجة، كما هي الحال أثناء عمليات الإغلاق المتعلقة بكوفيد - 19.
وتشير هذه التحديات إلى أن مبادرات تحسين استخدام المياه في الزراعة يجب أن تكون جزءا من إصلاح أوسع للنظام الزراعي. لكن الخطر السياسي في تنفيذ ذلك ترك السلطات عازفة عن المحاولة.
مثلا، حاول مودي في 2020 إصلاح قوانين الزراعة في البلاد وفتح نظام تسيطر عليه الحكومة أمام مشاركة أكبر من القطاع الخاص، لكن هذه الخطوة المثيرة للجدل- التي تم دفعها بأقل قدر من الاستشارات- أثارت احتجاجات واسعة ومستمرة لدرجة أنه اضطر في النهاية إلى التخلي عنها بطريقة مذلة وإلغاء الإصلاحات.
يقول كيشور إن الحكومة "تخلت فيما يبدو" عن محاولة إعادة تنظيم نظام الإعانات التي تدفع المزارعين في النهاية إلى زراعة المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه.
لكنه يعتقد أن مشروعا واحدا على الأقل قد حقق بعض النجاح في تحقيق النطاق الذي يمكن أن يكسر الجمود: مشروع بي إم كوسوم، وهو مبادرة حكومية أطلقت في 2019، يوزع الألواح الشمسية على المزارعين لتعزيز الطاقة النظيفة.
بدلا من تشجيع المزارعين على ضخ مزيد من المياه الجوفية، تعيد السلطات شراء الطاقة الفائضة كجزء من البرنامج، ما يوجد حافزا ماليا للمزارعين للحد من استهلاك الكهرباء - وبالتالي استخدام المياه.
يقول كيشور: "قد يكون هذا أكبر برنامج حكومي لتوفير المياه".

الأكثر قراءة