الأدلة تتزايد .. العدوى الفيروسية تسبب الزهايمر

الأدلة تتزايد .. العدوى الفيروسية تسبب الزهايمر

لأكثر من 30 عاما، عكفت البروفيسورة روث إتزاكي على جمع أدلة تثبت أن الفيروسات - خاصة النوع الأول من فيروس الهربس البسيط الشائع HSV-1 - مرتبطة بمرض ألزهايمر.
لكن إقناع العالم العلمي بأن يأخذ على محمل الجد فكرة لعب العدوى الفيروسية دورا كبيرا في الحالات التنكسية العصبية كان بمنزلة صراع لإتزاكي والباحثين الذين يشاركونها الفكرة. لكن الآن، أصحبت تشعر بأن تيار رأي الطب الحيوي يصب في مصلحتهم، أخيرا.
"لقد ظهر كثير من الملاحظات في الآونة الأخيرة"، كما تقول إتزاكي، من معهد شيخوخة السكان التابع لجامعة أكسفورد. أيضا أشارت إلى أن 500 دراسة تستخدم نهوجا مختلفة دعمت افتراض أن الفيروسات تلعب دورا في الإصابة بمرض ألزهايمر.
تعترف سوزان كولهاس، مديرة الأبحاث في مؤسسة ألزهايمر ريسيرتش الخيرية في المملكة المتحدة، بأن العلاقة بين الفيروسات والمرض "مجال بحث نشط، مع أمور كثيرة تحدث". لكنها تضيف "لم يتم التأكد بعد من دور الفيروسات".
أظهرت أحدث دراسة أجرتها إيتزاكي، مع زملائها في جامعة تافتس في الولايات المتحدة التي نشرت في مجلة "ألزهايمر ديزيز العلمية"، كيف يمكن لفيروس الهربس البسيط من النوع الأول تنشيط المراحل المبكرة من الخرف من خلال التفاعل مع فيروس الحماق النطاقي المرتبط، الذي يسبب جدري الماء والقوباء.
كما أظهرت إتزاكي لأول مرة في أوائل التسعينيات، يظل فيروس الهربس البسيط من النوع الأول خاملا داخل أدمغة كثير من كبار السن. باستخدام مزرعة الأنسجة العصبية ثلاثية الأبعاد في جامعة تافتس لمحاكاة عمل الدماغ، وجد الباحثون أن فيروس الحماق النطاقي يمكن أن ينشط فيروس الهربس البسيط من النوع الأول، ما يؤدي إلى تراكم بروتينات "تاو" و"أميلويد" وفقدان وظائف الخلايا العصبية، السمات المميزة لمرض ألزهايمر. لفيروس الحماق النطاقي وحده تأثير ضئيل.
"تشير نتائجنا إلى مسار واحد لما يسبب مرض ألزهايمر، عدوى فيروس الحماق النطاقي تولد محفزات التهابية تنشط فيروس الهربس البسيط من النوع الأول في الدماغ"، كما تقول دانا كيرنز من جامعة تافتس. " في حين إننا أثبتنا وجود صلة بين تنشيط فيروسي الحماق النطاقي والهربس البسيط من النوع الأول، فمن الممكن أيضا أن تنشط الحالات الالتهابية الأخرى في الدماغ (مثل إصابات الرأس) الهربس البسيط من النوع الأول وتؤدي إلى مرض ألزهايمر".
تجمع التجارب السريرية في جامعة كولومبيا ومعهد ولاية نيويورك للطب النفسي مزيدا من الأدلة المباشرة على دور الهربس البسيط من النوع الأول في مرض ألزهايمر. يتلقى المشاركون الذين في المراحل المبكرة من المرض والمصابون بفيروس الهربس البسيط إما "فالاسيكلوفير"، دواء مضادا لفيروسات الهربس، أو دواء وهميا. من المتوقع الانتهاء من التجارب في كانون الأول (ديسمبر) 2023.
كما زاد الاهتمام بالروابط بين الخرف والفيروسات بسبب جائحة كورونا، مع تراكم أدلة تشير إلى إمكانية تأثير سارس-كوف-2، الفيروس المسؤول عن كوفيد، في الدماغ عند بعض المرضى.
نشرت دراسة مكثفة عن الآثار العصبية والنفسية المستمرة لسارس-كوف-2 في آب (أغسطس)، أجراها باحثون آخرون في جامعة أكسفورد. حلل الباحثون السجلات الصحية الإلكترونية لـ 1.25 مليون شخص أصيبوا بفيروس كورونا، ومجموعة ضابطة متطابقة عانوا التهابات تنفسية أخرى. من بين الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاما فأكثر، أصيب 4.5 في المائة من مرضى كورونا بالخرف خلال العامين التاليين، مقارنة بإصابة 3.3 في المائة من المجموعة الضابطة.
لكن، كما تشير كولهاس، سجلت أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا قبل أقل من ثلاثة أعوام، وقد يستغرق الأمر وقتا أطول حتى تؤدي المحفزات العصبية الأولية إلى ظهور أعراض مرض ألزهايمر. قالت "لم يكن لدينا متسع من الوقت لمتابعة آثار فيروس كورونا في الأشخاص الذين ربما يصابون بالخرف يوما ما وفهمها".
تشتبه إتزاكي في أن سارس-كوف-2، مثل فيروس الحماق النطاقي، يزيد من خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، وذلك بإعادة تنشيط الهربس البسيط الكامن في الدماغ. يبدو أن الأشخاص الذين يحملون جين ApoE4 معرضون للخطر على وجه الخصوص. في محاولة لدراسة ذلك، أنشأ أطباء الأعصاب من 25 دولة تعاونا عالميا، "اتحاد جمعية ألزهايمر المعني بمضاعفات عدوى سارس-كوف-2 من الأمراض العصبية النفسية المزمنة".
"لا توجد أدلة تدعم فكرة أن الضعف الإدراكي بعد الإصابة بعدوى سارس-كوف-2 يعد شكلا من أشكال الخرف، سواء كان مرض ألزهايمر أو الخرف المرتبط به أو أي سبب آخر"، كما يقول قائد الاتحاد، جابرييل دي إيراوسكين من مركز العلوم الصحية في جامعة تكساس في سان أنطونيو. "المبادرة متعددة الجنسيات ستوفر بيانات للإجابة عن هذا السؤال بأوضح صورة ممكنة في مجموعة متنوعة عالميا من المشاركين".
يستكشف الباحثون الروابط بين الفيروسات والحالات العصبية الأخرى أيضا. تقول إيزاكي "ظهرت بعض الأبحاث أخيرا عن الفيروسات ومرض باركنسون. اتضح أن فيروس إبشتاين بار مرتبط بالتصلب اللويحي".
عكف فريق بقيادة ألبرتو أشيريو، من كلية تي إتش تشان للصحة العامة في جامعة هارفارد، على دراسة أكثر من عشرة ملايين عسكري أمريكي من 1993 إلى 2013، الذين أخذت منهم عينات دم كل عامين جزءا من الفحوصات الطبية الروتينية. ظهرت النتائج في مجلة "ساينس" في كانون الثاني (يناير) الماضي. قارنوا عينات أخذت من 800 شخص مصاب بالتصلب اللويحي مع عينات من 1500 شخص من المجموعة الضابطة غير المصابين بمرض التصلب اللويحي. الذين أصيبوا بفيروس إبشتاين بار أكثر عرضة للإصابة بالتصلب اللوحي 32 مرة من غير المصابين. لم يكن هناك ارتباط بين مرض التصلب اللويحي والفيروسات البشرية الأخرى. "هذه هي الدراسة الأولى التي تقدم أدلة قاطعة على السببية"، كما قال أشيريو.

الأكثر قراءة