قناع الألم
ما السبب الذي يدفعك إلى البحث عن علاج؟ وكيف تعرف أنك مريض؟ ولماذا بعض الأمراض يسمى بالقاتل الصامت؟ وما الذي يجعلك تبتعد عن المخاطر؟
الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها الكثير بكلمة واحدة، "الألم". نعم الألم هو الذي يدفعك إلى تلقي العلاج. الألم رفيق الأمراض والإصابات والحوادث، ورغم ذلك لم يلق الطب له بالا إلا من زمن قريب، حين أسهم الرجل المقنع في تخفيف آلام الملايين من البشر؟!
لنتعرف على رجلنا المقنع ثم نعود إلى الألم. في صيف 1941 وصل السيرك إلى مدينة بروكفيلد في نيويورك وتدفقت الجماهير لتشاهد السائرين على الأسلاك، والمهرجين والصواريخ البشرية، والأهم مشاهدة الرجل القوي، جوني "بول والكر" البلطجي مفتول العضلات الذي قد يفتك بك من أجل دولار. وفجأة صدح صوت في أرجاء السيرك واحتاجوا إلى طبيب على وجه السرعة في خيمة الحيوانات، حين حشرت رأس مروض الأسود داخل فم الأسد، وبدأ يشعر بالاختناق ومصارعة الموت، وسارع بطلنا المتوحش إلى إنقاذ حياته بإعطائه تنفسا صناعيا!
لقد كان وحشا بشريا في السرك ليلا، وطالبا يدرس الطب في النهار ويتجول معهم في الصيف ليدفع ثمن دروسه، وأبقى ذلك سرا ليحافظ على صورة الرجل البلطجي الوغد في أعين جماهيره في الحلبة وعن زملائه في الطب، خوفا من وسمه بالأحمق، واستخدم اسم بول والكر بدل اسمه الحقيقي كما لقب بالمعجزة المقنع في العام الذي توج فيه بطلا للأوزان الخفيفة على مستوى العالم.
وعلى مر الأعوام، عاش جون ج. بونيكا في هذين العالمين المتوازيين كان مصارعا وطبيبا. يسبب الألم ويعالجه. ولم يكن يعلم في حينها، أن هذه الهوية المزدوجة ستجعل منه البطل الذي غير وجه الطب الحديث وابتكر طريقة جديدة كليا للتفكير في الألم. لدرجة أن مجلة "التايم" أطلقت عليه لقب الأب الروحي لتأسيس مسكنات الألم!
تخرج جون في كلية الطب واستمر في المصارعة سرا في أماكن ذات تذاكر بقيمة كبيرة، فلم يكن الطب يوفر له المال الكافي، لكن المباريات سببت له تشوهات في جسده وآلاما مبرحة جعلته يفكر في الألم ويهب نفسه لطب التخدير وتطوير المسكنات، خصوصا بعد معاناة زوجته ورؤيته للآلام التي يعانيها المرضى في أطرافهم المفقودة. ولعب دورا عظيما في جعل الطب يعترف بالألم ويؤسس له مئات العيادات في أنحاء العالم، فالألم هو التجربة البشرية الأكثر تعقيدا التي تتضمن حياتك الماضية، والحالية وتفاعلاتك مع بيئتك ومحيطك.