«البطانيات» لمواجهة أزمة الطاقة
قد يظن البعض أن هذا الشتاء على أوروبا لن يختلف كثيرا عن سابقه، وأن الأزمة ستمر بهدوء رغم صعوبتها، وأن الإجراءات وخطط الطوارئ التي تقوم بها الدول الأوروبية ستخفف كثيرا من وطأتها. جميع المؤشرات والأحداث المتسارعة بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية أو بمعنى أدق الحرب بين روسيا من جهة وأوروبا وأمريكا من جهة أخرى، انعكست بصورة حادة جدا على إمدادات الطاقة الروسية من النفط والغاز إلى دول أوروبا.
جميع هذه المؤشرات تدل على أن هذا الشتاء سيكون مختلفا بل صعبا جدا على أوروبا في ظل التصعيد المستمر بين الجانبين، حيث إن أوروبا تعتمد بصورة كبيرة على شرايين الطاقة الروسية من النفط والغاز، وكما هو معلوم أن أوروبا في حاجة ماسة إلى منتجات الطاقة المختلفة في فصل الشتاء الذي يزداد فيه الطلب للتدفئة. لمعرفة حقيقة أثر هذه الحرب في أوروبا، وتأثر القطاع الصناعي بارتفاع أسعار الغاز إلى أرقام كبيرة جدا، تواصلت مع أحد الأصدقاء الذي يعمل في أحد المصانع الإيطالية، وعلمت منه أن فواتير الكهرباء ارتفعت بأكثر من 400 في المائة، إضافة إلى ارتفاع أسعار كثير من المواد الأولية بصورة حادة التي تدخل في كثير من الصناعات المختلفة. في رأيي، أن هناك أسئلة كثيرة تدور في خلد كثير من المهتمين والمتابعين لقضايا الطاقة وأمنها العالمي، وقضية الشتاء الذي نقف على عتباته، وأثره في أوروبا.
هل أوروبا تعي تماما تبعات الاستمرار في التصعيد؟ وهل أوروبا مستعدة لمواجهة هذا الشتاء؟ وهل هناك بوادر لانفراجة في هذه الأزمة قبل الشتاء؟ المتابع لتسلسل الأحداث والتعاطي الأوروبي لهذه القضية، وأعني هنا العقوبات الاقتصادية على روسيا وردود الأفعال الروسية، يلاحظ أن الخطة الأوروبية - في رأيي - اصطدمت بكثير من الحقائق والتغيرات وقت التنفيذ. من هذه الحقائق التي تبينت مع الوقت ومع دخول العقوبات الاقتصادية على روسيا حيز التنفيذ، أن العقوبات لم تؤثر في روسيا، كما كان مأمولا من الأوروبيين، وأن هذه العقوبات لم تدفعها إلى تنازلات سياسية حول قضية أوكرانيا، بل رأينا أن لكل فعل أوروبي أمريكي رد فعل روسيا قويا وتصعيدا حادا. وبدأ الرأي العام العالمي يرى على أرض الواقع أن الخاسر الأكبر من هذه العقوبات أوروبا وليست روسيا المستهدفة! استمرار روسيا في التصعيد وعدم الرضوخ للعقوبات الأوروبية ارتدا - في رأيي - على أوروبا نفسها، فمع مرور الوقت واستمرار الأزمة بدأت بعض دول أوروبا تقييم الوضع بموضوعية أكثر حول إمدادات الطاقة وأثرها في اقتصادها، لأخذ الإجراءات المناسبة والاحتياطات قبل دخول فصل الشتاء.
بعض الدول الأوروبية تغير موقفها من العقوبات على روسيا وأنها تضر بها أكثر من روسيا، بل بعض الدول تحركت للتنصل من بعض العقوبات، فكما ذكرت سابقا، أن الدول الأوروبية الأقل اعتمادا على شرايين الطاقة الروسية هي التي تقود هذه العقوبات وتنادي بزيادتها، بينما الدول الأكثر اعتمادا على النفط والغاز الروسيين هي الحلقة الأضعف في هذا الصراع، وأن التصعيد يهدد أمنهما الاقتصادي والاجتماعي. وترجمت بعض الشعوب الأوروبية هذه الحقيقة بالنزول إلى الشارع والتظاهر تنديدا بالحرب، فهم يعلمون أن "البطانيات" الأوروبية المجانية لن تعوض الغاز الروسي في فصل الشتاء، ولن تجلب لهم الدفء الذي يبحثون عنه في شتى المجالات!