تمويل المناخ العالمي .. ما بين سيل وجفاف
عندما تبدأ محادثات مؤتمر المناخ "كوب 27" الشهر المقبل في مصر، ستكون هناك عشرات من نقاط البيانات المحبطة التي يجب على المندوبين النظر فيها. إليكم نقطة لم يلاحظها أحد إلى حد كبير: بين 2019 و2021، لم يكن هناك سوى 14 مليار دولار مما يسمى بصفقات "التمويل المختلط" للمناخ للدول الفقيرة، وهي الهياكل التي تستخدم المال العام للقضاء على مخاطر الاستثمارات الخضراء.
كان هذا أقل من نصف الحجم الذي شوهد في الأعوام الثلاثة السابقة. نعم، ما تقرأه صحيح: حتى وسط الدعوات المتجددة لمكافحة تغير المناخ في جميع أنحاء العالم، فقد تضاءل التمويل المختلط بطريقة "مخيبة للآمال وغير متوقعة"، كما تقول جوان لاريا، رئيسة مجموعة كونفيرجينس التي جمعت تلك البيانات.
هذه المسألة قد لا تثير القلق لغير الخبراء الماليين. كلمة "التمويل المختلط"، في نهاية المطاف، تميل إلى أن تبدو كأنها جديرة بالاهتمام، لكنها غير رنانة.
لكن، كما سيظهر في الاجتماع المقرر عقده الشهر المقبل، تشعر الدول النامية بالغضب المتزايد حيال نقص الدعم من الدول الأكثر ثراء في معالجة تغير المناخ. إذا أراد الغرب مواجهة ذلك، فسيحتاج إلى فتح مجرى التمويل المختلط المسدود بسرعة، فيما يمكن اعتبارها الطريقة الأكثر منطقية لتقديم المساعدة.
أما في الوقت الحالي، فإن تمويل المناخ العالمي منقسم ما بين سيل وجفاف. تغرق أجزاء من النظام البيئي في التمويل الخاص، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدلات تقييم الأصول الخضراء. جمعت مجموعات مالية مثل بروكفيلد وجنرال كاتاليست وتي بي جي "على سبيل المثال لا الحصر" عشرات المليارات من الأموال لدعم المشاريع الخضراء.
في الوقت نفسه، تضخمت صناديق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة السائدة، على الرغم من رد فعل الأحزاب اليمينية المناهض لهذه المعايير. من المرجح أن يستمر ذلك في ضوء اهتمام الأجيال الشابة في الغرب بالقضايا الخضراء أكثر من كبار السن، ومن المتوقع أن يرثوا منهم آلاف المليارات.
لكن العالم النامي يواجه جفافا. تحتاج الدول الفقيرة إلى التمويل العاجل للتحول من الأنشطة الملوثة "مثل إحراق الفحم" إلى أنشطة خضراء مكافئة لها. مع ذلك، رؤوس أموال القطاع الخاص في الغرب تبتعد في الوقت الحالي. يرجع ذلك جزئيا إلى المخاطر المتعلقة بالسياسة والعملات، لكنه أيضا يعكس نقصا في بيانات الائتمان، وحقيقة أن مشاريع الدول النامية تميل إلى أن تكون صغيرة جدا - وغير شفافة البتة - بحيث لا تفي بمعايير صناديق الاستثمار.
تركزت أغلبية الجهود المبذولة لسد هذه الفجوة حتى الآن على استخدام الأموال العامة أو التبرعات. مثلا في مناقشات مؤتمر "كوب 27" المقبلة، ستكون هناك مطالب لمزيد من المساعدات من الدول الغنية لقضية المناخ "وهو ما يبدو من غير المرجح تحققه بالنظر إلى أن الدول الغنية، مع الأسف، لم تف بعد بتعهدها منذ 2015 بتقديم مائة مليار دولار من المساعدات السنوية".
ستكون هناك أيضا مطالب لبنوك التنمية متعددة الأطراف، مثل البنك الدولي، بتقديم مزيد من القروض الخضراء بشكل كبير. تريد ميا موتلي رئيسة وزراء باربادوس، إعادة تخصيص أكثر من مائة مليار دولار من هذه الاحتياطيات لهذه القضية إضافة إلى 650 مليار دولار أخرى على شكل إصدارات لعمليات تطوير الطاقة النظيفة.
رفض البنك الدولي حتى الآن تنفيذ مطالبها، لأن قادته يخشون فقدان تصنيفهم الائتماني AAA أو خشية الاضطرار إلى تغيير ميثاق البنك. لكن من المشجع أن جون كيري المبعوث الأمريكي للمناخ أخبرني الأسبوع الماضي بأن الولايات المتحدة، أكبر مساهم في البنك، تريد هي أيضا الإصلاح. "نعتقد أنه يمكن تحقيق زيادة كبيرة في التمويل الميسر من (بنوك التنمية متعددة الأطراف) على أساس الأكثر إبداعا"، كما قال.
لكن لسوء الحظ أن الحقيقة المرة هي أنه، حتى لو تضاعف التمويل أو مساعدات بنك التنمية متعدد الأطراف، فلن يكون ذلك كافيا. لأن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، في نهاية المطاف، تعتقد أن ضخ مبلغ تريليوني دولار في العام ضروري من أجل التنمية المستدامة. فيما بلغ إجمالي المساعدات الغربية في 2021، 179 مليار دولار.
لهذا السبب يعد التمويل المختلط مهما بشكل كبير. يكمن الجمال في هذا المفهوم في التأثير: إذا كان مقدار صغير من بنك التنمية متعدد الأطراف أو المساعدات الغربية يوفر دفعة الخسارة الأولى لمشاريع الاستثمار الأخضر، فقد يجتذب ذلك قدرا أكبر من رؤوس أموال القطاع الخاص. إذا شاركت بنوك التنمية متعددة الأطراف في مشاريع مثل هذه، فقد يتم إقناعها بمشاركة بياناتها الائتمانية بالغة الأهمية عن الأسواق الناشئة ودمج كثير من المشاريع الصغيرة في مجموعات أكبر من الهياكل القابلة للاستثمار.
إن هذه النقاط مهمة للغاية بالنسبة إلى المستثمرين، ويمكن أن تصبح أحد الطرق لتحويل تدفق الأموال في التمويل الأخضر إلى الزوايا الجافة من النظام التي يتم تجاهلها في الوقت الحالي.
تم خوض تجارب صغيرة في هذا الاتجاه، لكن كما تظهر بيانات "كونفيرجينس"، فهي لم تلق رواجا بعد. يعود ذلك بصورة جزئية إلى أن بنوك التنمية متعددة الأطراف تميل إلى التحفظ. لكنه يعود أيضا إلى مشكلة "الانعزال": من الصعب جدا على مختلف المجموعات العامة والخاصة وغير الهادفة للربح أن تتعاون في ظل الهياكل القائمة، ولا سيما عبر الحدود.
هل يمكن أن يتغير هذا؟ ربما، إذا كانت هناك قيادة واضحة من طرف واحد، مثل أمريكا. في هذا الشهر، فاجأت جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية، المراقبين بدعوتها إلى إحداث إصلاحات جذرية لهياكل التمويل الأخضر. قال لي كيري "إن كيانات مثل مؤسسة روكفيلر تجري مشاريع اختبار للتمويل المختلط. تم إنشاء كيان تمويل مختلط تجريبي جديد يسمى "آي إل إكس" في هولندا. بينما تتم مناقشة بعضها الآخر.
لكن هناك الكثير الذي يتعين فعله وبسرعة أكبر. قبل كل شيء، تحتاج الدول الغربية إلى الاعتماد على بنوك التنمية متعددة الأطراف من أجل الانضمام. بدون مزيد من التمويل، سيزداد حنق الدول النامية، إلى جانب زيادة مخاطر المناخ والآلام الناتجة عنه. إن ذلك سيؤذينا جميعا، سواء أكنا أغنياء أم فقراء.