ردود فعل معارضة للسياسة النقدية تلوح في الأفق
قبل ثلاثة أسابيع، أعادت سانا مارين، رئيسة وزراء فنلندا، تغريد رابط لمقال بقلم أكاديمي فنلندي مع الاقتباس التالي "هناك خطأ خطير في الأفكار السائدة للسياسة النقدية عندما تحمي البنوك المركزية مصداقيتها من خلال دفع الاقتصادات إلى الركود".
بشكل متوقع، اعترض المدافعون عن تلك الأفكار السائدة، محذرين من انتقاد البنوك المركزية المستقلة أو عدم تقدير مصداقيتها. لكن التصدي للدفاع هو الرد الخاطئ. ليس فقط لأن مارين لم تنتقد فعليا أي إجراءات للبنوك المركزية، لكن بشكل أعمق لأن تجنب النقاش حول إذا ما كان نظام الاقتصاد الكلي لدينا مناسبا للغرض فهو أكثر خطورة من وجود النقاش.
غالبا ما تفشل المقارنات بسبعينيات القرن الماضي في ملاحظة درس واحد مهم من ذلك العقد: إن نظام الاقتصاد الكلي الذي لا يمكن أن يبرر نفسه سيتم إسقاطه، أولا فكريا، ثم سياسيا. فمن رماد الفوضى النقدية في السبعينيات ولدت نظريات تبرر تفويض البنوك المركزية المستقلة بإبقاء معدلات التضخم منخفضة. وقبل نهاية القرن كان الاستهداف المستقل للتضخم أمرا ضروريا في معظم الاقتصادات المتقدمة.
بعد مرور 40 عاما سيكون الحساب الفكري والسياسي الجديد أقل إثارة للدهشة من غيابه. فلطالما كان "الاعتدال الكبير" الذي أنتجته الثورة النقدية في الثمانينيات مصحوبا بركود الأجور لأصحاب الأجور المنخفضة في عديد من الدول. ودفع التعافي البطيء من الأزمة المالية العالمية أكبر بنكين مركزيين في العالم إلى مراجعة إطار سياستهما أثناء الجائحة. ففي 2020 و2021، تعهد الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي بتحمل فترة تضخم أعلى إذا ارتفع معدل التشغيل، أو سيكون هناك مجال ضئيل لتخفيف السياسة في حال حدوث انكماش. لكن هذا الموقف الجديد سقط عند العقبة الأولى.
مع تفاقم أزمات تكلفة المعيشة وفترات الركود التي تلوح في أفق الاقتصادات المتقدمة الرئيسة، ما احتمالات تجنب حساب أكثر عمقا لفترة أطول؟ مارين ليست الزعيم الوطني الوحيد الذي أعرب عن عدم ارتياحه بشأن البنوك المركزية. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أعرب أخيرا عن قلقه جهارا بشأن "إخبار الخبراء وصناع السياسة النقدية الأوروبيين لنا بأن علينا سحق الطلب الأوروبي لاحتواء التضخم بشكل أفضل".
ولأن محافظي البنوك المركزية على وجه التحديد مستقلون، فإنه يقع على عاتق القادة السياسيين إخبار مواطنيهم لماذا من الصواب مواجهة أزمة الطاقة بإجراءات لتضييق الخناق على المداخيل والوظائف؟ وسيكونون مقصرين إذا لم يتساءلوا عما إذا كان هذا هو أفضل ما يمكننا القيام به؟
بالمقارنة، الأمر سهل بالنسبة إلى محافظي البنوك المركزية، لقد فرضوا بشكل قانوني تفويضا لمكافحة التضخم، وليس لهم أن يشككوا في ذلك. ولديهم حجة مفادها أن فقدان "مصداقيتهم" - التي يقصدون بها أن الناس لم يعودوا يعتقدون أنهم قادرون على إبقاء التضخم منخفضا - سيكلف مزيدا من الوظائف وخسارة المداخيل.
لكن مصداقية البنوك المركزية نفسها جيدة بقدر مصداقية نظام الاقتصاد الكلي. هذا لا يعني أنه يجب التخلي عن استقلالية البنوك المركزية، لكن السؤال بصراحة عما إذا كانت هذه الاستقلالية تعمل لمصلحة الاقتصاد بالفعل؟
في السعي وراء التفويضات الفردية، قد تكون البنوك المركزية مفرطة في تشديدها للسياسة النقدية، كما أشار موريس أوبستفيلد "مستشار اقتصادي ومدير أبحاث سابق في صندوق النقد الدولي"، أو أن السياسة النقدية غير المنسقة مع السياسة المالية قد تجعل الأمور أسوأ، كما ألمحت مارين في تعليقات المتابعة.
صندوق النقد الدولي حذر الحكومات من وضع الميزانيات "لأغراض تتقاطع" مع التشديد النقدي. لكن رفع أسعار الفائدة يضع السياسة النقدية في تقاطع مع أولويات السياسة المالية، كالاستثمار في التحول البيئي الأفضل، أو في البنية التحتية للطاقة التي من شأنها أن تعالج في حد ذاتها التضخم الناجم عنها. حتى لو كانت الاعتبارات النقدية يجب أن تأخذ الأولوية، فإن هذه الهيمنة النقدية هي بلا شك شيء تجب مناقشته ديمقراطيا، لا أن يتم فرضه بشكل تكنوقراطي.
قد يكون الأمر أن محافظي البنوك المركزية ليسوا مستقلين بما يكفي، بل يخضعون للضغوط السياسية الناشئة عن كل بيان شهري جديد عن التضخم، بدلا من التركيز بهدوء على توقعاتهم المعتدلة متوسطة الأجل.
كما كانت الحال في الثمانينيات، سيقترح الاقتصاديون اللامعون في الوقت المناسب طرقا أفضل لتصميم السياسة النقدية ضد صدمات أسعار الطاقة. وما لم ننج بأعجوبة من الركود الحاد هذا الشتاء، فمن المؤكد أن الانتقادات السياسية ستأتي أيضا. البديل عن مناقشة هذه القضايا علنا في فسحة ديمقراطية هو السماح لرد الفعل العكسي بالتفاقم حتى ينفجر بالشكل الأكثر راديكالية وخطورة للهجوم الشعبوي على المؤسسات. عندها لن تكون مصداقية البنوك المركزية ذات قيمة.