«خزائن الأسرار» .. صحافي يفتش في مكتبات المبدعين
ليست الكتب مجرد كائنات صماء، قابعة على أرفف خشبية، بل هي مجموعة حيوات تعيد استنساخ أرواح أصحابها، فتستمد وجودها من علاقة حميمة، جمعت بين لمساتهم وأوراقها ذات يوم بعيد.
بهذه الكلمات يصف طارق الطاهر الكاتب والصحافي المصري جوهر جولته في مكتبات أدباء وفنانين ومخرجين ونقاد، التي عدها خزائن ضخمة، لا للمعرفة فقط، بل للأسرار أيضا. فوسط الصفحات قد تظهر عبارة تفضح سرا أخفاه صاحبها في هامش ينافس المتن، تماما كما يروي في كتابه "خزائن الأسرار.. جولة في مكتبات المبدعين".
طقوس نور الشريف
من خلال كتب الراحلين، اكتشف الطاهر جوانب في شخصيات أصحابها، يزعم أن كثيرين لا يعلمون عنها، فمرة يكتشف بصمة يد هنا، أو ملاحظة مدونة هناك، أو إهداء ذا دلالة، وفقرات في الكتب استهوت قارئها، في فكرة تبدو ممتعة.
الطاهر، الذي ترأس في مسيرته صحفا ومجلات، مثل صحيفة "أخبار الأدب" ومجلة "الثقافة الجديدة"، تجول في مكتبة الفنان نور الشريف، أحد أهم الممثلين المصريين على الإطلاق، ويجزم المؤلف - بعد الاطلاع على مقتنياتها - بأن تنمية موهبة الفنان الراحل جاءت من قراءاته المتعمقة، ومن خلال طريقة قراءاته يتبدى أنه قارئ وناقد محترف.
مكتبة الشريف انتهى بها المآل إلى مكتبة الإسكندرية، بإهداء من زوجته الفنانة بوسي، وتبين أن مكتبته مليئة بالكتب والإصدارات والموسوعات والمعاجم وكتالوجات الفن التشكيلي، وتغطي مناحي مختلفة من المعارف والفنون والترجمات، يشعرك بأنه قارئ نهم، ورغم وجود عدد لا بأس به من الكتب المهداة من أدباء ومثقفين من مختلف الأجيال، إلا أن هناك في المقابل مئات دون إهداء.
يمتلك نور الشريف طقوسا خاصة عند القراءة، فهو يدون تاريخ بدئها، وكذلك تاريخ الانتهاء، وأحيانا يدون مكان بداية القراءة ونهايتها، وتنتشر ملاحظاته المدونة بالقلم الرصاص، سواء في الصفحة التي تلي الغلاف، أو في مناطق مختلفة من الكتاب، إذ يضع خطوطا على فقرات بعينها، وبجانبها يدون ملاحظاته أو انطباعاته، وأحيانا يميل إلى تقييم الرواية التي يقرأها مقارنة بمجمل أعمال الروائي، مثلما حدث مع رواية "الجليد" لصنع الله إبراهيم، التي قرأها في يوم واحد في الإسكندرية، ودون عليها "أقل أعمال صنع الله إبراهيم قيمة".
سيناريوهات حبيسة الأدراج
في مكتبة صبري موسى الكاتب الراحل، وجد طارق الطاهر أكثر مما يطمح إليه، فقد وجد أوراقه بخط يده، ومثلت له دهشة كبيرة حينما علم بأنها سيرته وتنشر للمرة الأولى، ووجد أيضا في أوراقه السيناريو الذي أعده عن رواية "الصورة الأخيرة في الألبوم"، لسميح القاسم الكاتب الفلسطيني الراحل، وهو السيناريو الذي لم ير النور، وظل حبيسا لأوراق موسى.
من سيرته الذاتية، ينقل طارق الطاهر أمنية موسى الخاصة في أن يمتلك يختا ليجوب به بحار العالم، وأمنية عامة هي أن يسود السلام في الأرض ويصبح الناس إخوة أو يتذكرون أنهم إخوة، وهي سيرة مؤرخة في يوليو 1962، وكان وقتها عمره 31 عاما، وهي عبارة عن سيرته الذاتية مكتوبة على شكل استمارة.
فيما كشفت الصحافية أنس الوجود رضوان رفيقة دربه طوال 25 عاما، أنها تحتفظ بسيناريوهات أخرى لأعمال كتبها صبري ولم تر النور.
متحف في منزل
إحسان عبدالقدوس الأديب الكبير الراحل، له مكتبة صامدة كما تركها، يقول نجله محمد إحسان الكاتب الصحافي "إنه لم يحرك شيئا من مكانه منذ غادر والده الحياة، لم يغير سوى الدهانات بعد تشقق السقف، وحتى هذه فباللون الأصلي للشقة".
أضاف عبدالقدوس كثيرا إلى لأدب العربي، وله مقالات سياسية مدوية، فضلا عن كتب تحولت إلى أفلام، وفي مكتبته كتاب للرئيس الراحل أنور السادات "البحث عن الذات.. قصة حياتي"، كتب في إهدائه "للأستاذ إحسان عبدالقدوس.. صديقا وزميل رحلة طويلة"، في تأكيد على ثقله وقوته.
وفي بيته، يقول المؤلف الطاهر "إنه يشعر بأنه في متحف من العيار الثقيل، فيه لوحات لكبار الفنانين، تماثيل وقطع فنية من خارج مصر، منها تمثال يعود لأكثر من 105 أعوام، وهو هدية تلقاها والده من جورج أبيض الممثل اللبناني وأول نقيب للممثلين في مصر، بعد زيارته باريس 1912، وقطعة قماش مرسوم فيها منمنمات من رحلته إلى كوريا، وكنبة أثرية جلس عليها كبار المثقفين والفنانين، مثل فاتن حمامة، فريد الأطرش، أم كلثوم، صلاح جاهين، جورج البهجوري، وغيرهم.
وينتصف بيته صالون يعود إلى 1919، لا يزال يحتفظ برونقه، ويحتفظ على يمين مكتبه بصور لوالدته روز اليوسف، ولشهادات حصلت عليها، لتشعر أن هذا الركن هو الحافز له لاستمرار إبداعاته، وكأنه يتواصل يوميا مع والدته صاحبة السيرة الفنية والصحافية الثرية".
ذاكرة السينما العربية
من مكتبة عبدالقدوس التي تضم شتى أنواع المعارف، إلى الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة المصري الأسبق، وله مكتبة قيمة وزعتها أسرته على ثلاثة أماكن: دار الكتب، مكتبة الإسكندرية، والمكتبة المركزية في جامعة القاهرة، فقد أسهم عكاشة في تشييد البنية التحتية للثقافة المصرية.
أما الناقد الراحل سمير فريد، صاحب الـ66 كتابا مؤلفا ومترجما، فوثق للذاكرة البصرية في السينما من خلال البوسترات المعلقة على الجدران، مثل بوستر "100 عام سينما"، وبوسترات للأفلام المأخوذة من روايات نجيب محفوظ، وبوسترات "أيام قرطاج" السينمائية، وعدد كبير من المهرجانات المصرية والعربية والعالمية التي شارك فيها وأسسها، مثل مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي الذي شارك في تأسيسه 2007، ومهرجان أبوظبي الدولي لأفلام البيئة 2013، ومهرجانات أفلام المرأة، "حوار الثقافات"، "الاتحاد الأوروبي"، والمهرجان القومي للسينما، وغيرها.
وفي مكتبته ثلاثة كتب على الأقل لم تصدر، منها "إميل حبيبي المتشائل الذي بقي في حيفا"، ويمتلك أرشيفا متكاملا عن السينما المصرية في ملفات مقسمة حسب الأعوام، وملفات عن الحركة السينمائية في عشر دول عربية، من بينها المملكة العربية.
القرين الباقي
"لم يرحل.. فمكتبته هي قرينه الباقي".. هذه الجملة تلخص فحوى مكتبة المخرج الدكتور كامل القليوبي، الذي كان يحتفظ فيها بكل قصاصة يكتبها، لا صغيرة ولا كبيرة إلا واحتفظ بها وأرشفها.
كما يتضمن كتاب "خزائن الأسرار" جولة في مكتبات شادي عبدالسلام الكاتب والمخرج، والمخرج ومحمد كامل القليوبي كاتب السيناريو، والناقد فاروق عبدالقادر، في حجرات تفضح أسرار أصحابها، وتضمنها الكتاب الصادر في نحو 150 صفحة عن دار منشورات الربيع.
لطارق الطاهر مجموعة إصدارات سابقة، ركزت على السير الذاتية، منها نجيب محفوظ بختم النسر.. سيرة تروى كاملة للمرة الأولى، وملحمة الدم والحبر.. الأخبار دفتر أحوال المصريين في أكتوبر 1973، وفنانون متمردون، وجمال الغيطاني.. حارس المدينة، والمجمع العلمي.. إعادة إحياء، وسيرة توفيق الحكيم، والعبقري إينشتين.