من أنقرة إلى لندن جوا .. داعشي في المقعد الخلفي

من أنقرة إلى لندن جوا .. داعشي في المقعد الخلفي

كانت اللحظة التي رأيت فيها الوشم هي التي فهمت فيها كل شيء. الرجل الجالس ورائي بصفين على متن رحلتي من أنقرة إلى لندن الشهر الماضي، محاطا بضابطين بملابس مدنية، كانت الحروف A-I-N-E موشومة عموديا على ذراعه اليسرى.
خطر ببالي أنه آين ديفيز. إنني أشارك رحلتي على خطوط "صن إكسبرس" الجوية مع عضو مزعوم في خلية تابعة لـ"داعش" تعرف باسم "البيتلز".
أثيرت شكوكي لأول مرة عندما رأى زوجي رجلا مقيد اليدين تتم قيادته إلى الطائرة بينما كنا ننتظر الصعود إلى الطائرة. عندما جلسنا على مقاعدنا اكتشفت أننا كنا أمام المحتجز بصفين: رجل أصلع ذو لحية، في الثلاثينيات من عمره، كان يرتدي تي شيرت أبيض ماركة بوما.
بعد الإقلاع مررت بجواره عدة مرات متذرعة باللعب مع ابنتي البالغة من العمر 17 شهرا. ملت على طاقم الطائرة للحصول على معلومات.
عبر زوجي عن انزعاجه وتمنى لو جلست. ثم رأيت الوشم.
يشتبه في أن ديفيز كان عضوا في خلية داعشية أسرت وقتلت رهائن غربيين في سورية. تم منحهم لقب "البيتلز" من قبل الأسرى ـ إشارة كوميدية سوداء إلى اللهجات البريطانية للرجال، وطريقة لتمييزهم.
ديفيز البالغ من العمر 38 عاما كان محتجزا في السجن في أنقرة - كنت أعرف أنه كان من المقرر ترحيله إلى وطنه في المملكة المتحدة.
مع ذلك، أردت أن أتأكد، لذلك سألته. أكد هويته وقال "إن فترة احتجازه التي قضى جزءا منها في الحبس الانفرادي، كانت صعبة للغاية".
تعلم ديفيز اللغة التركية وأصبح يتحدثها بطلاقة. وبعد أن أمضى في السجن عقوبة امتدت لسبعة أعوام ونصف، قال "إنه يريد أن يعيش حياة طبيعية فقط في المملكة المتحدة".
عندما سألته عما إذا كان يتوقع أن يتم القبض عليه؟ أجاب "ليس لدي أي فكرة، بعد الأشياء التي كتبوها عني في وسائل الإعلام".
حتى هذه اللحظة، لم يولني الحراس الأتراك المرافقون لديفيز اهتمامهم. لدى رؤيتهم "مقعد الأطفال" والطفلة، لا بد أنهم افترضوا أنني غير مؤذية. لكن بعدما اكتشفوا أنني صحافية أصيبوا بالذعر وأبعدوني قبل أن تتاح لي الفرصة لسؤال ديفيز عن أي شيء آخر.
بالنسبة إلى بقية الرحلة، مررت بتجربة غريبة تتمثل في اللعب مع ابنتي على مسافة قريبة للغاية من رجل متهم بجرائم إرهابية. وكان الركاب الآخرون غافلين تماما.
بشكل أو بآخر، كان هذا هو الفصل الأخير من قصة بدأت قبل عقد من الزمن. فبعد الثورة السورية 2011، كان من الشائع رؤية شباب يسافرون من بريطانيا إلى تركيا، بهدف العبور إلى الدولة التي مزقتها الحرب. كان لدى بعضهم نوايا حسنة حقا. البعض الآخر لم تكن لديه تلك النية، خاصة بعد أن استولى "داعش" على أجزاء كبيرة من سورية والعراق 2014.
لا تزال سهولة اختراق الحدود التركية السورية في تلك الأعوام موضع خلاف بين تركيا والغرب. كانت بلا شك معركة مفتوحة للجميع من كل حدب وصوب. لكن الكشف عن شميمة بيجوم - التلميذة البريطانية التي انضمت إلى "داعش" في 2015 - وتم تهريبها عبر الحدود من قبل رجل كان يعمل أيضا لمصلحة المخابرات الكندية، يظهر مدى الضبابية التي كانت عليها تلك الفترة كاملة.
الحساسيات التي ينطوي عليها ترحيل أشخاص مثل ديفيز هي أحد الأسباب التي تجعل المملكة المتحدة حريصة على الحفاظ على علاقات جيدة مع حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان.
أكدت وزارة الداخلية التركية أن تركيا رحلت تسعة آلاف مقاتل إرهابي أجنبي منذ 2011. وعلى الرغم من تباطؤ وتيرة عمليات الترحيل في الأعوام الأخيرة، أعيد 20 شخصا إلى دول الاتحاد الأوروبي في الأشهر السبعة الأولى من 2022.
يقدر عدد البريطانيين الذين انضموا إلى الجماعات المتطرفة في سورية والعراق بـ360 بريطانيا كانوا "لا يزالون في مكان ما في المنطقة"، وفقا لتقديرات الحكومة البريطانية في 2019.
بعد ذلك بريطانيا جردت بعضهم من جنسياتهم لمنع عودتهم. لكن أنقرة قالت "إنها لن تكون فندقا للمشتبهين الأجانب بالإرهاب". وكان ينبغي إرسال ديفيز إلى وطنه.
بعد أن هبطت طائرتنا في لوتون، نزلت الدرج مع عائلتي، ثم إلى مدرج المطار وشققنا طريقنا ليستقبلنا أهل زوجي بحرارة. أما استقبال ديفيز والترحيب به شارك فيه ثلاثة من الشرطة البريطانية.

الأكثر قراءة