بريطانيا .. المحافظون متهمون بنشر الفوضى السياسية

بريطانيا .. المحافظون متهمون بنشر الفوضى السياسية

تتوالى العواصف على سماء لندن، فلا تكاد الأجواء تنقشع حتى تلوح عاصفة جديدة في الأفق، فتزيد الوضع داخل البلد غموضا والتباسا، بشكل غير مسبوق. وكانت استقالة رئيسة الوزراء ليز تراس، آخر هذه العواصف التي هزت بريطانيا، على حين غرة، بعد 44 يوما فقط في رئاسة الوزراء، بعدما عجزت على الصمود في وجه الزوابع المتلاحقة، مسجلة بذلك أقصر ولاية حكم في تاريخ رئاسة الوزراء البريطانية.
بقرار الخميس، تضع زعيمة المحافظين، حدا للأقاويل المتضاربة حول مدة صمودها فقط، لا عن الاستقالة التي أضحى الجميع موقنا بقدومها لا محالة، لدرجة أن صحيفة بحجم وعراقة "الإيكونومست" تتحدث عن أن فترة الحكم الفعلي لتراس لن تتجاوز أياما معدودات، واصفة المدة بكونها "فترة الصلاحية المفترضة لخسة على رف متجر للخضر".
ويزيد الاضطراب السياسي إلى اضطراب اقتصادي يوشك أن يكون مزمنا في البلد، فمنذ منتصف العام الماضي تزايد عبء الدين على الدولة، بشكل كبير، ليس بسبب ارتفاع الدين بل إلى حد بعيد بسبب التضخم، كما جاء في تقرير مكتب الإحصاءات الوطني. فالأرقام تفيد بأن قيمة الفوائد على الدين البريطاني وصلت 7،7 مليار جنيه استرليني، في أيلول (سبتمبر) الماضي، بزيادة 2،5 عن العام السابق، وهذا أعلى مبلغ يسجل منذ 1997. كما ارتفعت نسبة الاقتراض العام خارج المصارف بـ2،2 في المائة، بوتيرة سنوية لتبلغ 20 مليار جنيه استرليني الشهر الماضي، هذا أعلى مستوى يسجل منذ بدء إصدار هذه البيانات قبل 30 عاما.
سياسيا، فتحت استقالة تراس الباب على مصراعين، بين رفاق الأمس، للتنافس على خلافتها على رأس الحزب، أملا في إنقاذ سمعة حزب المحافظين، أحد أعرق الأحزاب في المشهد السياسي البريطاني، فيما تبقى من عمر الولاية الحكومية. بينما غريمه السياسي، حزب العمال، لا يتردد في الدعوة إلى انتخابات مبكرة، يعتقد أن كسبها في متناوله الآن، بالنظر إلى استطلاعات الرأي التي تفيد بأن ثلاثة من كل خمسة ناخبين يريدون انتخابات عامة مبكرة، ورغبة في استغلال الأزمات الخانقة التي تزلزل حزب المحافظين.
ينتهي زوال اليوم الموعد المحدد لجمع 100 تزكية على الأقل، من أعضاء الحزب في البرلمان، قصد الدخول في سباق التنافس على خلافة ليز تراس، في قيادة حزب المحافظين، ما يعبد الطريق أمام الفائز نحو رئاسة الوزراء. فوز لن يتحقق إلا بعد تصويت أعضاء الحزب البالغ عددهم 170 ألفا عبر الإنترنت، بحلول 28 تشرين الأول (أكتوبر)، متى حصل أكثر من شخص على التزكية، وإن كان التأييد من نصيب اسم واحد فقط، فحينها يكون إسناد قيادة الحكومة له بأثر فوري.
تتحدث وسائل إعلام محلية عن حصول ريشي سوناك وزير الخزانة السابق، منذ الجمعة، على الحد الأدنى المطلوب من الأصوات للترشح لمنصب زعيم حزب المحافظين. وجاء تأكيد الخبر من جانب توبياس إلوود، النائب المحافظ في مجلس العموم، حيت كتب على حسابه الشخصي في موقع تويتر، "يشرفني أن أكون النائب الـ100 عن حزب المحافظين الذي يدعم ريشي".
وكانت بيني موردنت وزيرة العلاقات مع البرلمان، أول محافظ يعلن رغبته في خوض غمار التنافس لخلافة تراس، مؤكدة أن ترشحها بهدف "تحقيق بداية جديدة، وحزب موحدة وقيادة من أجل المصلحة الوطنية". وكأنها بذلك تحاول كسب أصوات المحافظين الذين أقصوها من الدور الأول في الاقتراع السابق، فهذه فرصة جديدة أمامها لتجرب حظها مرة أخرى، بعد أسابيع فقط من الجولة السابقة.
ثالث الأسماء المتداولة في الكواليس هو رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون الذي قطع إجازته السنوية في منطقة البحر الكاريبي، وعاد على وجه السرعة إلى لندن، صباح السبت، بعد إعلان خبر استقالة خليفته في رئاسة الوزراء. خاصة بعد ظهور أسماء وازنة دخل الحزب تطالب بعودته إلى الواجهة، أمثال وزير التجارة جاكوب ريس موج الذي أعلن أن "بوريس وحده يمكنه الفوز في الانتخابات المقبلة".
معركة حزبية داخلية تتحول إلى مسألة وطنية، نظرا إلى تزامنها مع أوضاع اقتصادية واجتماعية متردية في البلد، نتيجة الحرب على أوكرانيا وتداعيات جائحة فيروس كورونا، وقبلهما تبعات قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. لذلك تتابع الصحافة البريطانية الصراع بقلق وترقب، جعل يومية "الجارديان" تكتب "القبائل المحافظة تذهب إلى الحرب".
لكل اسم من الثلاثي المرشح للتنافس على منصب رئاسة الوزراء جوانب مشرقة في سيرته، بمقدورها مساعدته على كسب الرهان، لكن الرهان الأكبر ليس الظفر بالمنصب في حد ذاته، بقدر ما هو مرتبط بقدرة الفائز على بلورة خريطة طريق، تخرج بريطانيا من دوامة الاضطراب الاقتصادي التي تضرب البلاد منذ أعوام، لعل وعسى ذلك يكون سببا في وضع حد للزوابع السياسية التي تهب على سماء لندن من حين إلى آخر.

الأكثر قراءة