حاسمة وسريعة .. ما يستفاد من أمريكا اللاتينية لمحاربة التضخم

حاسمة وسريعة .. ما يستفاد من أمريكا اللاتينية لمحاربة التضخم

نادرا ما تتصدر أمريكا اللاتينية العالم في السياسة الاقتصادية. كافحت المنطقة لكي تنمو منذ طفرة السلع الأخيرة وتفتقر إلى القدرة التنافسية، ولا تزال تعتمد اعتمادا مفرطا على صادرات المواد الخام. لكن هل يمكن أن تعلم مجموعة الدول الصناعية السبع درسا أو درسين عن مكافحة التضخم؟
في حين لا تزال البنوك المركزية في المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأوروبا متخلفة في محاربة التضخم المرتفع بحدة، استعرضت البنوك المركزية في أمريكا اللاتينية عضلاتها في القضاء على التضخم وجني الثمار.
ساعدهاعلى ذلك التوقيت الجيد. سارعت أمريكا اللاتينية إلى رفع أسعار الفائدة، بدءا من البرازيل في آذار (مارس) 2021، قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بعام كامل.
قال ألبرتو راموس، كبير الاقتصاديين لأمريكا اللاتينية في مصرف جولدمان ساكس "قادت أمريكا اللاتينية دورة التشديد. ولم تكن بنوكها المركزية تتمتع بميزة المصداقية".
تقريبا بعد شهر من موافقة الكونجرس على استقلال البنك المركزي عن الحكومة، بدأ بنك البرازيل المركزي في رفع أسعار الفائدة بقوة، من 2 في المائة إلى 13.75 في المائة، واحدا من أعلى المستويات في العالم لاقتصاد رئيس.
لقد نجحت تكتيكاته. تحقق البرازيل الآن مكاسب في الحرب على التضخم، الذي انخفض من ذروة بلغت 12.1 في المائة في نيسان (أبريل) إلى أقل بقليل من 8 في المائة الشهر الماضي.
هذا النجاح في محاربة الأسعار لم يقتل النمو: يتوقع مصرف جيه بي مورجان أن يتوسع الاقتصاد البرازيلي 2.6 في المائة أفضل من المتوقع هذا العام، وهي نسبة لا تقل كثيرا عن الـ3 في المائة التي يتوقعها للصين.
لم تكن تشيلي وكولومبيا بعيدتين عن البرازيل. رفع اقتصادا منطقة الأنديز أسعار الفائدة بمقدار 10.75 "تشيلي" و8.25 نقطة مئوية "كولومبيا"، واقتربا الآن من الانتهاء من رفع أسعار الفائدة. يتوقع اقتصاديون في مصرف سيتي أن تصل أسعار الفائدة فيهما إلى ذروتها بحلول نهاية العام، مع انخفاض التضخم إلى النصف في العام المقبل نتيجة لذلك.
تكمل بيرو والمكسيك صورة الحصافة النقدية في أمريكا اللاتينية، بزيادات قدرها 6.5 "بيرو" وخمس نقاط مئوية "المكسيك". على النقيض من ذلك، شدد الاحتياطي الفيدرالي بمقدار ثلاث نقاط مئوية فقط وبنك إنجلترا بـ2.15 نقطة، على الرغم من معاناة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة من معدلات تضخم مشابهة لبعض بلدان أمريكا اللاتينية.
يقول إيلان جولدفاين، مدير النصف الغربي من العالم في صندوق النقد الدولي، "إن الدرس الذي تقدمه أمريكا اللاتينية للعالم، هو أنك إذا شددت قبل المنحنى، وإذا كان رد فعلك سريعا وتوجهت فورا إلى حيث تريد أن تذهب، فهذا يساعدك على كسب المعركة ضد التضخم".
الاستثناء في أمريكا اللاتينية، كما هو معتاد، هي الأرجنتين. يطبع البنك المركزي فيها الذي تسيطر عليه الحكومة النقود لتمويل عجز الميزانية ويفقد السيطرة على التضخم، الذي من المتوقع أن ينهي العام عند 100 في المائة.
خففت البنوك المركزية في أمريكا اللاتينية السياسة النقدية أكثر من مجموعة العشر أثناء الجائحة. لكن حزمها اللاحق لم يكن مجرد رد فعل على ارتفاع معدلات التضخم. قال بانك أوف أمريكا في دراسة حديثة "شدد كل بلد في أمريكا اللاتينية سعر الفائدة الأساسي الحقيقي المتوقع (سعر الفائدة الأساسي المعدل لتوقعات التضخم لعام واحد تال) إلى المنطقة الإيجابية، في حين لا يزال كل بنك مركزي في مجموعة العشر عند أقل من الصفر".
أدت أسعار الفائدة الحقيقية المرتفعة إلى الحفاظ على قوة عملات أمريكا اللاتينية. بينما يتراجع الجنيه واليورو والين مقابل الدولار القوي، ارتفعت قيمة ثلاث عملات أمريكية لاتينية مقابل العملة الأمريكية هذا العام: الريال البرازيلي، والبيزو المكسيكي والسول البيروفي.
لماذا إذن تصرفت البنوك المركزية في أمريكا اللاتينية بهذا الشكل الحاسم في حين إن نظراءها في العالم المتقدم كانت مترددة؟
يعتقد أليخاندرو ويرنر، مدير معهد جورج تاون للأمريكتين وسلف جولدفاين في قسم النصف الغربي من العالم في صندوق النقد الدولي، أن البنوك المركزية لمجموعة السبع تضع كثيرا من الثقة في النماذج الاقتصادية المعيبة.
قال "نعتمد على النماذج بشكل أكبر في الاقتصادات المتقدمة. عندما تضع في نموذجك 25 عاما من البيانات، حيث كان التضخم فيها عند 2 في المائة تقريبا، فإن كل ما تضعه على الجانب المتغير المستقل لن يمنحك معدل تضخم أعلى بكثير من 2.5 في المائة. البيانات التي تغذي النموذج بها تمنحك إجابة تؤدي إلى التراخي".
وأضاف أنه "على النقيض من ذلك، فإن محافظي البنوك المركزية في أمريكا اللاتينية يستخدمون نماذج، لكنهم يستخدمون أيضا خبرتهم الخاصة وخبرتهم في التضخم أكثر حداثة".
من جانبه، يعتقد راموس من جولدمان ساكس أن تجربة أمريكا اللاتينية المؤلمة مع التضخم المرتفع ساعدت على إعادة انتباه محافظي البنوك المركزية إلى مدى خطورة التهديد التضخمي.
"لم تشهد البنوك المركزية في العالم المتقدم شيئا كهذا، لكن في أمريكا اللاتينية، أدرك محافظو البنوك المركزية أنه عندما يتجاوز التضخم 5 في المائة، يحدث تحول في النظام. عند 5 أو 6 في المائة، يتغذى التضخم على نفسه ويتحول إلى وحش. لم تفهم البنوك المركزية في العالم المتقدم ذلك أبدا"، كما يقول.

الأكثر قراءة