طوفان الإعلان الرقمي يغرقك أينما كنت
هل هناك أي مكان لن تتعرض فيه لهجوم وشيك من الإعلانات الرقمية؟
كشفت شركة أوبر هذا الأسبوع أنها على وشك تقديم خدمة "إعلانات الرحلة"، وهي رسائل تجارية تظهر على هاتفك مرتبطة بوجهتك المنشودة، وربما في المستقبل على شاشة مثبتة في القسم الخلفي من السيارة. هل أنت على وشك أن تنطلق في رحلة دولية؟ يمكن لأحد المتاجر المعفاة من الرسوم الجمركية أن يكون الراعي لرحلتك إلى المطار بأكملها.
من جانبها، حددت نتفليكس أخيرا موعد إطلاق نسخة الإعلانات الجديدة في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر)، وهي خدمة بث بأسعار مخفضة تعمل في 12 دولة، موجهة لمن هم على استعداد لمشاهدة ما معدله خمسة إعلانات كل ساعة. صحيح أن هذه الخدمة الجديدة اختيارية، لذا لن يجبر أحد على مشاهدة الإعلانات - لكن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية قد تكون هذه هي الطريقة الوحيدة الواقعية كي يتمكن عديد من الناس من الاستمرار في مشاهدة البث عبر الإنترنت.
أوبر ونتفليكس ليستا الوحيدتين في استخدام الإعلانات مصدرا جديدا للإيرادات، هناك أيضا تطبيقات التوصيل وأسواق التجارة الإلكترونية وتجار التجزئة في السوق الشاملة وخدمات الألعاب ـ لا يبدو أن أي مكان يخلو من الإعلانات هذه الأيام.
ثمة أسباب واضحة لهذا التدافع على الإعلانات الرقمية. فعندما يتحول انتباه الجمهور كله إلى الخدمات والقنوات الجديدة، تلحق الدولارات التي تجنيها الإعلانات بها. يمثل انتشار البث عبر الإنترنت تهديدا خطيرا لنموذج التلفزيون المتعلق بخيارات المشاهدين والذي لا يزال يشكل عالميا نحو 170 مليار دولار من الإعلانات التلفزيونية كل عام.
دولارات الإعلانات ذات الهامش المرتفع، كذلك اليورو والجنيه الاسترليني، تعد أموالا مهمة للشركات العاملة في الصناعات التي تعد هوامش الربح فيها ضئيلة أو معدومة. وبالنسبة لتطبيق توصيل خاسر، مثل دورداش، تعامل مع طلبات بقيمة 13 مليار دولار في الربع الأخير، فإن توجيهه لكثير من القوة الشرائية يوجد لديه فرصة واضحة. مثل هذه التطبيقات كانت في وضع مثالي تتحدى فيه تجار التجزئة والمطاعم لاقتراح ما قد يرغب المستخدمون في شرائه.
بدأت شبكات وسائط البيع بالتجزئة بالانطلاق في ذلك أيضا. تعمل شركات تجارية مثل وول مارت وتارجت على جمع بيانات قيمة حول عادات المتسوقين الشرائية، التي يمكن للمعلنين استخدامها من أجل تحسين حملاتهم الإعلانية، إما على المواقع الخاصة ببائعي التجزئة وإما على الشبكات الأخرى. كشفت وول مارت عن حجم نشاطها الإعلاني لأول مرة في وقت سابق من هذا العام ـ إيرادات بلغت 2.1 مليار دولار في 2021.
لكن إذا كانت هناك أسباب وجيهة لهذه الشركات وغيرها كي تلجأ إلى الإعلانات، فهناك عامل واحد أساسي في طليعة هذا التحول: طلبات المعلنين غير الملباة. بعض أساليب الاستهداف التي شكلت صناعة الإعلان الرقمي طوال تاريخها بدأت في الانهيار.
قرار شركة أبل السماح لمستخدميها باختيار ما إذا كانوا يريدون أن يتم تتبعهم كان حدثا زلزالا، حرم المعلنين من بيانات قيمة. وستكون الضربة الثانية التي سيتم تسديدها هي خطة جوجل التي طال انتظارها لإنهاء دعم ملفات تعريف الارتباط في متصفح كروم، الأمر الذي من شأنه أن يسحب الدعم الأساسي عن الاستهداف السلوكي.
بدأ ذلك في زعزعة الاحتكار المزدوج الذي سيطر على عالم الإعلان الرقمي على مدار الـ15 عاما الماضية. حققت جوجل وميتا مجتمعتين 325 مليار دولار من إيرادات الإعلانات في العام الماضي، وهي حصة ضخمة من إجمالي السوق التي حددتها شركة زينيث ميديا بـ 405 مليارات دولار.
البحث عن طرق جديدة للإعلان الموجه يعني أن أي شركة لديها احتياطي كبير من بيانات الطرف الأول– وهي معلومات حول عملائها يمكن استخدامها بحرية لتحسين الإعلان الموجه- يمكن أن تستخدمها بشكل جيد. وكما قال المحلل المتخصص في الإعلان، إريك سيوفيرت: كل شيء في هذه الأيام، هو عبارة عن شبكة إعلانية.
مثلا، شركة نتفليكس لديها كمية قليلة نسبيا من المعلومات حول مستخدميها، وستطلب من الأشخاص الذين يشتركون في النسخة المدعومة بالإعلانات أن يقدموا فقط بعض المعلومات الشخصية الأساسية. لكن لا تزال هناك طرق لتحسين ذلك، وفقا لتشاد إنجيلجاو، الرئيس التنفيذي لشركة أكسيوم لسمسرة البيانات: سيتمكن المعلنون من استخدام بياناتهم الخاصة أيضا، وتحسين فهمهم للمشاهدين.
في هذا العالم الجديد، الشركات التي تملك أفضل البيانات وأكبر الجماهير وقواعد المستخدمين هي التي ينبغي أن تفوز. شركة أبل التي تستفيد من الطلب المتغير على إعلانات الهاتف المحمول الناتجة عن تغييرات الخصوصية، لتوسيع نشاطها الإعلاني الخاص، لديها أكثر من مليار مستخدم لهواتف آيفون. ومعرفة أمازون العميقة بتاريخ الشراء ونوايا مستخدميها مكنتها بالفعل من بناء تجارة إعلانات حققت لها 31.2 مليار دولار العام الماضي.
ستصل هذه الشركات العملاقة إلى أفضل وضع يمكنها من مواجهة جوجل وفيسبوك، لكن هناك كثير من الشركات، التي تقف وراءها، توشك الإعلانات أن تصبح مصدر دخل جادا بالنسبة لها.
مهما كان شكل الأعوام الـ15 القادمة في مجال الإعلانات، فهي لن تكون شبيهة بالأعوام الـ15 الماضية.