صناعة الرفاهية ووهم «الندرة الوفيرة»
لن تضاء لافتات "رولكس" ذات اللونين الأخضر والأصفر على ضفاف بحيرة جنيف في الليل هذا الشتاء. فمع ارتفاع تكاليف الطاقة وبروز ظلال الركود في الولايات المتحدة وأوروبا، بدأت صناعة الرفاهية في التراجع.
لن يتوصل المرء إلى ذلك عبر النظر إلى نتائج هذا الأسبوع في شركة إل في إم إتش، مالكة "لويس فويتون" و"كريستيان ديور". فقد ارتفعت إيرادات أكبر مجموعة للأزياء والرفاهية في العالم بنسبة 19 في المائة في الربع الثالث من هذا العام، حيث تقاطر السياح الأمريكيون على أوروبا حاملين الدولارات القوية لشراء حقائب "فويتون" و"لوي" الجلدية، وملابس "ديور" ومجوهرات "تيفاني".
انتعشت إمبراطورية برنارد أرنو للعلامات التجارية الفاخرة من فترة الجائحة، على الرغم من الاضطرابات المستمرة في الصين. وفي الوقت الحالي، لا يزال امتلاك الحقيبة أو الساعة المناسبة رمزا للثراء والطموح العالميين. قال جان جاك جويوني، المدير المالي "صناعة الرفاهية ليست محصنة ضد الركود أو الصدمات (...) لكن ذلك لا يدوم طويلا في العادة".
كان هذا ينطبق بشكل خاص على "فيتون" و"شانيل"، العلامتان التجاريتان اللتان أصبحتا عملاقتين، مع علامات "ديور"، و"جوتشي"، و"هيرميس" ورائها. فقد استمرت في بيع الطبقة الوسطى الناشئة والأثرياء في جميع أنحاء العالم مزيدا من البضائع الجلدية إلى الساعات، والمجوهرات والعطور، التي تضفي طابعا اجتماعيا مميزا.
لكن لا شيء يدوم على حاله، وهذا الانكماش الاقتصادي قد يكشف الضعف الكامن وراء التوسع المستمر في قطاع الرفاهية. ماذا يحدث عندما تصبح الصناعة التي تتاجر على أساس الحصرية كبيرة جدا؟ يبلغ حجم قسم الأزياء والبضائع الجلدية في شركة إل في إم إتش خمسة أضعاف الحجم الذي كانت عليه قبل عقدين من الزمان، بإيرادات سنوية بلغت 31 مليار يورو في 2021.
"الندرة الوفيرة" المصطلح الذي ابتكره جان نويل كابفيرر مستشار الرفاهية. لهندسة هذه الندرة، بنى أرنو وآخرون أهرامات المنتجات، مع وجود أغلى بضائعهم وأكثرها بريقا وأصعبها للحصول عليها في قمة الهرم، وتوجد الطبقات الموسعة للعناصر التي يمكن الحصول عليها في أسفله. تقدم هذه الطبقات الأخيرة تصريح الدخول إلى النادي دون الحاجة إلى أن تكون ثريا للغاية.
بالتالي، يمكنك شراء حقيبة فيتون كارميل هوبو مقابل 3650 جنيها استرلينيا، أو يمكنك شراء قبعة فارسيتي مقابل 275 جنيها. هرم شركة هيرميس أضخم من هذا حتى. من الصعب للغاية الحصول على حقيبة بيركين ـ باعت دار سوذبيز حقيبة مقابل 64230 دولارا في أبريل ـ لكن هناك كثيرا من الاكسسوارات على الإنترنت، بما في ذلك سوار خشبي مصقول مقابل 180 جنيها.
في هذه الأثناء، تؤكد دور العلامات الفاخرة إخلاصها للتاريخ والحرفية، كما لو أن الاستهلاك الظاهري آخر شيء يدور في أذهانها. "حرية الإبداع، والسعي المستمر للحصول على الأشياء الجميلة، ونقل البراعة الاستثنائية"، هي الطريقة التي تقدم بها شركة هيرميس نفسها.
تنجح استراتيجية صناعة الأساطير: في الاستطلاعات، غالبا ما يشير مستهلكو العلامات الفاخرة إلى التصميم، والجودة، والحرفية على أنها نقاط الجاذبية لديهم. لكن في الواقع، هم يبحثون عن مكانة أعلى وهكذا ينجذبون نحو أشهر الأسماء، كما يلاحظ إدوارد أوبين، المحلل في شركة مورجان ستانلي. وبحسب شركة باين للاستشارات، العلامات السبع الأشهر أكبر بما يصل إلى 18 مرة من العلامة التجارية المتوسطة.
الجزء الذي تحتاج إلى حمايته من الهرم موجود في القمة، بين الأثرياء الذين لن يضطروا إلى الاقتصاد في التسوق. يقول بيير ماليفيز، شريك في شركة ستانهوب كابيتال "يظل الأثرياء أثرياء، حتى في حالة الركود". يوجد في العالم عدد كاف من مشتري الرفاهية العالية بالنسبة إلى شركة إل في إم إتش التي تمر عبر أي انكماش اقتصادي دون القلق بشأن التضحية بمبيعات اكسسوارات الحقائب.
الخطر الحقيقي الذي تتعرض له العلامات التجارية الضخمة، الناجم عن حجمها الهائل، هو البيع بأسعار أرخص. لقد سهلت على مستهلكي المنتجات الفاخرة الطموحين في العالم شراء علاماتها التجارية، ويمكن أن أخذ مزيد من العروض في حال الانكماش. إذا لم تتمكن من تحمل تكلفة حقيبة يد شانيل بالسلاسل من تصميم كارل لاجرفيلد، فلماذا لا تشتري نظارة شمسية من شانيل"؟
حدث هذا التأثير في أوائل العقد الأول من القرن الـ21، حين ارتفعت مبيعات مستحضرات التجميل ذات الأسعار المعقولة مثل أحمر الشفاه، بينما عانت الموضة. قال ليونارد لودر، رئيس شركة إستي لودر، في 2001 "عندما ترتفع أسعار أحمر الشفاه، لا يرغب الناس عندها في شراء الفساتين". تقع شركة إل في إم إتش في قمة الرفاهية، لكن قد يتم إغراء بعض العملاء بالأسعار الأرخص في الأوقات الصعبة.
بعد أن أمضت أعواما في بناء الرغبة في الحصول على البضائع باهظة الثمن، فإن الأسعار الأرخص هي آخر شيء ترغب فيه دور الموضة هذه. إذا تم تسطيح الهرم وأصبحت أقرب إلى علامات الأزياء الأخرى، فسيتلاشى سحرها. عانت شركة بربري في أوائل العقد الأول من القرن الـ21، واستغرقت فترة طويلة للتعافي.
ليس هناك ما يشير إلى حدوث ذلك حتى الآن. قام أرنو بتجربة علامات "إل في إم إتش" بشكل مطرد، وأعاد الاستثمار بعناية في جاذبيتها. لكن المستثمرين غير مقتنعين بأن الرفاهية لا يمكن المساس بها. فقد انخفض مؤشر "إس آند بي" للرفاهية بمقدار الثلث هذا العام، وهذا ليس مؤشرا على الثقة.
لقد غزا وهم "الندرة الوفيرة" العالم لعقود من الزمن. قريبا، قد يتم اختبار ذلك.