رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


قرار «أوبك بلس» والتناقض الأمريكي

القرار الذي اتخذته مجموعة "أوبك+" بخفض الإنتاج اليومي للبترول تم استغلاله بصورة سيئة من قبل الإدارة الأمريكية في البيت الأبيض ممثلة في الرئيس بايدن، ومستشار الأمن القومي، ومسؤولين آخرين، إضافة إلى مشرعين، خاصة أعضاء في الحزب الديمقراطي، وبعض الجمهوريين، ومعهم الإعلام الأمريكي المشاهد والمقروء، لشن حملة شرسة على "أوبك+" وقرارها، وبالأخص السعودية والإمارات، لتنال المملكة النصيب الأوفر من هذه الحملة المقيتة، رغم أن القرار اتخذ بإجماع الأعضاء الـ23.
المملكة وأمريكا تربطهما علاقة وثيقة منذ عقود، استفاد كل منهما مما يحتاج إليه من الطرف الآخر، إلا أن العلاقة - كغيرها من العلاقات بين الدول - يعتريها ما يشوبها بين وقت وآخر، لتعود كما كانت من قبل من خلال التفاهم بين الطرفين، بعد تفهم وجهة نظر الطرف الآخر، والأخذ في الحسبان الأسس التي تحكم هذه العلاقة، خاصة إذا لم يكن لدى طرف أفكار وأحكام مسبقة نحو الطرف الآخر، وهذا ما يحدث لدى الإدارة الأمريكية الحالية. إذ كان الرئيس بايدن قبل انتخابه، وفي أثناء حملته الانتخابية يتحدث بطريقة خارجة عن المألوف بشأن علاقة بلاده مع السعودية، وقد يقول البعض ما هذا إلا وجه من وجوه التنافس الحزبي، وقد يكون الأمر صحيحا، حيث ألغى بايدن قرار سلفه، باعتبار جماعة الحوثي ميليشيا إرهابية، كما سحب بعضا من بطاريات باتريوت مع حاجة المملكة إليها.
الآن، ومع التصريحات المعادية للمملكة بين مناد لمراجعة العلاقات مع المملكة، ومن يطالب بإيقاف بيع الأسلحة، ومن يصف موافقتها على قرار "أوبك+" أنه دعم لروسيا في حربها مع أوكرانيا، متجاهلا موقف الرياض من الحرب الداعية لحل النزاع بالطرق السلمية، وكذا دورها في إطلاق الأسرى بين طرفي الحرب التي تكللت بالنجاح، وفيهم أمريكيون.
استعاد بعض مسؤولي الإدارة الأمريكية والمشرعين عبارة "من ليس معنا فهو ضدنا" التي أطلقها بوش الابن حين قرر غزو العراق واحتلاله، دونما وجه حق، وكأن الوقوف مع أمريكا واجب وشرف يلزم القيام به، حتى ولو كانت تصرفات أمريكا خاطئة، ومخالفة للنظام الدولي.
عجبا لمفهوم دول العالم الحر الذي يتقول بحسب المصالح الأمريكية الأنانية التي تتجاهل مصالح الدول والشعوب الأخرى، ويتناقض مع مبدأ الحرية الذي تقوم عليه الرأسمالية، وبالذات الرأسمالية الأمريكية، ذلك أن السوق الحرة تقوم على مفهوم العرض والطلب للسلع، فزيادة الإنتاج لأي سلعة وسعرها يتحددان وفق هذا المبدأ، وهذا ما تأخذ به "أوبك"، وأخذت به مجموعة "أوبك+" حين خفضت الإنتاج، مع أن أمريكا بإمكانها زيادة إنتاج النفط، ولديها احتياطيات نفط هائلة في مخازنها، ومن ثم خفض أسعار البنزين على المواطن الأمريكي بدلا من تحميل الآخرين المسؤولية، فالسعودية وغيرها حريصة على ثروتها الناضبة، كما تفعل أمريكا في توفير ثرواتها.
التصريحات الأمريكية جاءت في سعي من الإدارة الأمريكية إلى تفادي خسارة الانتخابات النصفية لمجلسي الشيوخ والنواب، ما يؤثر في فرصة الفوز في انتخابات 2024 الرئاسية لإدراكها الصورة القاتمة التي تشكلت في العقل الأمريكي تجاه إدارته الحالية نتيجة سياساتها، وتخليها عن حلفائها التاريخيين، وتأكدت هذه المخاوف من دعوة بايدن المملكة لتأجيل تنفيذ القرار شهرا، حتى تنتهي الانتخابات، وفي هذا خلط للأوراق، فتأجيلها يعني تدخلا في الانتخابات لمصلحة طرف على حساب الآخر، وهذا ما تتجنبه المملكة في سياستها الخارجية.
في هذا السياق يمكن التساؤل: لماذا لا تجعل أمريكا منتجاتها العسكرية في السوق الحرة بدلا من ابتزاز الدول الأخرى الراغبة في اقتنائها؟ ولماذا تفرض الشروط القاسية على الدول المشترية لسلاحها؟ بل تخادع حين تتحكم في برامج تشغيل الأسلحة، كما حدث مع ماليزيا، حين اشترت طائرات حربية لتكتشف أنه يستحيل الاستفادة من كثير من خصائصها نظرا لاحتفاظ أمريكا ببرامج التشغيل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي