كلا .. الإبداع ليس شماعة للتسويف

كلا .. الإبداع ليس شماعة للتسويف

أستميحك عذرا عن السؤال الفظ، لكن لم تقرأ هذا العمود؟ ألأنك اتخذت قرارا مدروسا بقضاء بعض الوقت في تصفح الصحيفة اليوم، أم أنك تبحث عن طريقة لا تضطر بها إلى إنجاز الأمر - كما تعلم، ذلك الأمر - الذي يفترض أن تفعله؟
إن كان الجواب هو الأخير، فمن الممكن أنك مثلي - ومثل نحو 20 في المائة من السكان، وفقا لجمعية علم النفس الأمريكية- مسوف.
بفضل حقيقة أن الجميع يسوفون على الأقل إلى حد ما، سترى أشخاصا كثيرين يفخرون بهذه التسمية، مع أنها شائنة ربما، فإنها تظهر نوعا من رأس المال الاجتماعي المتواضع والمتبجح. لكن مجموعة مختارة منا فقط حالتهم مزمنة، الذين تعذبهم العلة بقدر كاف ليستحقوا الوسام حقا.
إذن، هل لا سبيل إلى تقويمنا أم يمكننا أن نفعل شيئا حيال ذلك؟ أينبغي لنا؟ أم أنه "جزء مهم من العملية الإبداعية"؟ كما قال لي أحد الأصدقاء أخيرا محاولا طمأنتي بأنه أمر مقبول - بل توهمت أنه مثير للإعجاب - لدرجة أني قضيت اليوم بأكمله متجنبة ما كان علي إنجازه.
كثير من الناس يقدمون هذه الحجة. مثلا، كتب آدم جرانت، عالم النفس في شؤون الموظفين، مقال رأي في صحيفة "نيويورك تايمز" في 2016 بعنوان، "لم علمت نفسي التسويف؟". يصف جرانت كيف أنه بدلا من الجلوس والكتابة، انتظر فقط. أتى الإلهام بالفعل، "بينما كنت أسوف -أي أفكر- أتاني الإلهام".
يبدو لي أن "التسويف -أي التفكير-" لا تتوافق بدايته مع نهايته. ما يصفه جرانت ليس تسويفا. تأجيل مهمة لأنك تعتقد أن فعل ذلك ربما يفيدك فعلا، أو يجعلك أكثر إبداعا، ينبغي عدم الخلط بينه وبين التسويف. قدم تيم بيشيل، عالم النفس ومؤلف كتاب "حل لغز التسويف"، تعريفا مفيدا للتسويف، "التأخير الطوعي لعمل مقصود، رغم توقع أن يصبح العمل أسوأ بسبب التأخير". جرانت كان يفعل العكس.
منطقة التسويف ليست المكان السعيد والمحفز للإنتاجية الذي يبدو أن جرانت كان ماكثا فيه أثناء تجربته. بل هو ما يصفه تيم أوربان، في منشور شهير على مدونته "ويت بت واي"، بأنه "مدينة ترفيهية مظلمة".
"المتعة التي تحظى بها في المدينة الترفيهية المظلمة ليست ممتعة في الواقع لأنها غير مستحقة تماما، وهواؤها مليء بالذنب والقلق وكراهية الذات والخوف"، كما كتب أوربان. تشمل أمثلته على الأنشطة "الممتعة" التي يمكنك المشاركة فيها، "رحلة مشوقة على أفعوانية تحديث البريد الإلكتروني على الهاتف المحمول مرارا وتكرارا" و"مغامرة الاطلاع على 1200 صورة على "فيسبوك" لطالب مدرسة ثانوية لم تكن يوما صديقه".
أعرف هذه المدينة الترفيهية حق المعرفة. فيها قلق متزايد وربما، في مرحلة ما، هلع قوي، ولحظات إلهام قليلة.
بينما يعتقد في كثير من الأحيان أن التسويف يتعلق بسوء إدارة الوقت، فإنه يتعلق أكثر بسوء إدارة العواطف. إنه يسمح لنا، مؤقتا، بتجنب المشاعر غير المريحة - التوتر والخوف من الفشل والملل - لكنه يؤدي أيضا إلى تدني تقدير الذات.
"هناك ضرر جانبي على رفاهيتنا"، كما قالت لي فوشيا سيروي، أستاذة علم النفس الاجتماعي والصحي في جامعة دورهام. "عندما نعلم أننا لا ننفذ المهام، ونخلف وعودا لأنفسنا وللآخرين، فإننا لا نشعر بالرضا". نظرا إلى أن التسويف ينبع من الرغبة في تجنب المشاعر السلبية في المقام الأول، نجد أنفسنا عالقين في البحث عن مزيد من الطرائق للهرب من عواطفنا، التي بدورها تستمر في التدهور.
دورة تخريب الذات هذه مألوفة بشكل مرير. لكن هل يوجد "علاج"؟ يساعد بعض الأمور العملية، مثل تقسيم المهام الكبيرة إلى مهام أصغر، وتسهيل الأمور على نفسك من خلال الاستعداد، وإبعاد الملهيات.
مع ذلك، العمل الأهم هو على المستوى العاطفي. الخطوة الأولى هي الاعتراف بأن هذا السلوك طبيعي تماما ولا ضير فيه أبدا، وأنك لست شخصا سيئا. الخطوة الثانية هي محاولة التوقف.
لقد كنت واعية وأنا منزعجة، في كتابة هذا العمود، بكل مرة أحيد فيها عن المسار. لكن الطريف أن الوعي أكثر من المعتاد وإدراك أن التعاطف مع الذات بدلا من جلدها هو الخيار الأكثر لطفا وإنتاجية جعلاني أماطل أقل من المعتاد.
آمل أن قراءة هذا العمود لم تكن كرحلة محبطة في مدينة ترفيهية مظلمة. كما آمل أيضا إذا كان لديك أمر آخر ترغب في المضي فيه، أن تأخذ نفسا عميقا، وتسامح نفسك، وتنطلق بحماسة.

الأكثر قراءة