ثورة ميتافيرس قد تلتهم "ميتا"

ثورة ميتافيرس قد تلتهم "ميتا"

من أكثر المعارك ضراوة بين أسياد العالم الرقمي هي التي تدور رحاها حول تكنولوجيا غير موجودة بعد: ميتافيرس. مارك زوكربيرج، مؤسس "فيسبوك"، مولع بهذه التكنولوجيا لدرجة أنه غير اسم الشركة إلى "ميتا"، وراهن على شركته بنجاح الفكرة. على الرغم من الشكوك المنتشرة على نطاق واسع، فإن إيمانه لم يتزعزع، وتكبد أكثر من 27 مليار دولار من الخسائر التشغيلية في قسم ميتافيرس التابع للشركة على مدى الأعوام الثلاثة الماضية. أطلقت "ميتا" الأسبوع الماضي نظارة كويست برو الجديدة بسعر 1500 دولار، وأعلنت شراكة مع "مايكروسوفت".
لكن بحسب ما أشار تيم كوك الرئيس التنفيذي لـ"أبل" بانتقاد شديد، فإنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الناس العاديون يعرفون ما هو ميتافيرس. لا يزال مفهوم ميتا "غامضا وافتراضيا"، حسبما يقول إيفان سبيجل مؤسس شركة سناب. سيكون منافسو الشركة دائما منتقدين لها، لكنهم محقون. شعور مستثمري "ميتا" بالقلق يزداد أيضا: انخفض سعر سهم الشركة 62 في المائة هذا العام.
المفارقة هي أن زوكربيرج محق في أن هناك ثروات يمكن تحقيقها في ميتافيرس، وهي شبكة من العوالم الرقمية التفاعلية ثلاثية الأبعاد التي يعتقد أنها ستصبح يوما ما الطريقة الأساسية التي سنعيش بها حياتنا ونقضي فيها وقتنا. لكن المشكلة هي أن "ميتا" قد لا تكون المستفيد الرئيس. يمكننا تسمية ذلك مساوئ الريادة.
هناك ثلاثة أسباب وجيهة للشك في أن "ميتا" تستطيع أن "تمتلك" ميتافيرس. الأول هو أن الشركة راهنت في الأغلب على أجهزة الواقع الافتراضي الموجهة للمستهلك، وذلك عندما كان من المرجح أن الأرباح المبكرة ستأتي من البرامج التي تركز على المؤسسات. قد يظهر أحدث إصدار للشركة من نظارة كويست برو تحسنا ملحوظا عن الطرز السابقة، لكنها ما زالت ثقيلة الوزن وبطاريتها تستهلك كثيرا من الطاقة، كما أن ثمنها باهظ. لا يزال الواقع الافتراضي الذي تتيحه يفتقر إلى تطبيق ناجح يشجع على تبنيها بصورة جماعية.
أقرت مذكرة داخلية أصدرها نائب رئيس ذراع ميتافيرس في "ميتا" في أيلول (سبتمبر) بأن هورايزون ورلدز، التجربة التي توفرها الشركة للتواصل الاجتماعي على الواقع الافتراضي، لا تزال تكافح لتحقيق التوافق بين المنتج والسوق. "الحقيقة ببساطة هي، إذا كنا لا نحبها، فكيف نتوقع أن يحبها مستخدمونا؟". في الوقت الحالي، يبدو أن تركيز "مايكروسوفت" على دمج الواقع المختلط مع مجموعة أدواتها المتوافرة من برامج الأعمال، بمنزلة خطوة أكثر حكمة. يبدو أن أحدث شراكة بين "ميتا" و"مايكروسوفت" هي بمنزلة اعتراف بهذه الحقيقة.
ثانيا، إن طموحات "ميتا" لميتافيرس تثير شكوكا عميقة بين الآخرين في الصناعة، الذين يضغطون من أجل مستقبل افتراضي يتمتع بلامركزية وديمقراطية أكثر. من أشد الناقدين للشركة هو هيرمان نارولا، المؤسس المشارك لشركة "إمبروبابيل" البريطانية الناشئة ومؤلف كتاب جديد بعنوان "المجتمع الافتراضي". يجادل نارولا بأن ميتافيرس يجب أن يكون أوسع بكثير من الواقع الافتراضي الذي أعيد تسميته وأكبر بكثير من "ميتا". قال في مؤتمر للتكنولوجيا الأسبوع الماضي: "نحن في هذا العالم الغريب الذي ينظر كثير من الناس فيه إلى كارثة تأثير فيسبوك في ثقافتنا على أنها رؤية لميتافيرس. أعتقد أن ما تعلمناه هو أن "فيسبوك" ربما لا ينبغي أن تبني ميتافيرس".
ثالثا، هيئات التنظيم الحكومية ليست على توافق مع شركة زوكربيرج أيضا، ويبدو أنهم عازمون على تلافي الأخطاء التي وقعت في الإنترنت، التي سمحت لبعض حراس البوابة المهيمنين بالظهور. ما يزال السؤال مفتوحا حول ماهية هياكل الحوكمة التي ستتطور في ميتافيرس من أجل حل النزاعات حول حقوق الملكية الفكرية والضرائب والتنمر عبر الإنترنت والمعلومات المضللة. يجادل البعض بأن المجتمعات الافتراضية ذاتية الحكم يجب أن تضع قوانينها الخاصة أو تساعد على تأسيس كيان إشرافي غير هادف للربح. لكن من المؤكد أن المنظمين سيولون اهتماما أكبر بها. يقول كونان دارسي، المدير في الشركة الاستشارية جلوبال كاونسيل، التي كانت تجمع آراء المنظمين: "لقد انتهى عصر التنظيم الذاتي بشكل نهائي".
وسط كل الشكوك التي تدور حول الرهان الاستراتيجي الذي وضعته "ميتا"، أصبحت الفرص التجارية في مستقبل ميتافيرس أكثر وضوحا. في العام الماضي، حصلت "مايكروسوفت" على طلبية لتسليم 120 ألف نظارة واقع افتراضي إلى الجيش الأمريكي، بينما اشترت شركة أكسينتشور الاستشارية 60 ألف نظارة واقع افتراضي لتدريب أحدث موظفيها. أما في مجال التعليم، فقد أطلقت جامعة نيويورك أخيرا مشروع ميتافيرس كولابوراتيف، استجابة لمطالب الطلاب ورؤساء البلديات وشركاء الصناعة للتحضير لمستقبل الواقع الافتراضي. قالت أنجي كاماث، عميدة كلية الدراسات المهنية في جامعة نيويورك، إن ميتافيرس "مهم للغاية بالنسبة إلى الاقتصاد الإبداعي".
على الرغم من الإمكانات المثيرة التي يتمتع بها عالم ميتافيرس، فإننا ما زلنا في مرحلة من تطوره "نجرب لنرى ما سينجح"، وهو أمر ضروري لتطور معظم التكنولوجيات الجديدة. لكن هذه استراتيجية مناسبة لشركات رأس المال المغامر عالية المخاطر أكثر من الشركات المدرجة في البورصة، مثل "ميتا".

الأكثر قراءة